منوبة: مندوبية التربية تنعى التلميذة آية الجبالي    الذكرى الثالثة والعشرون للمغازات الكبرى كارفور في تونس    زيادة ب 14,9 بالمائة في قيمة الاستثمارات المصرح بها الثلاثي الأول من سنة 2024    فرنسا تشدد الإجراءات الأمنية قرب الكنائس بسبب "خطر إرهابي"..#خبر_عاجل    بطولة مدريد: أنس جابر تواجه اليوم المصفة 20 عالميا    الرابطة الأولى: أمير لوصيف حكما لمباراة الترجي الرياضي والنادي الصفاقسي    حادث مرور قاتل بالطريق السريعة الجنوبية..وهذه التفاصيل..    الحماية المدنية: 18 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    مدنين: ''سمسار'' يتحيّل على مواطن بعقود مدلّسة ويسلبه 3 مليارات    تونس: تفاصيل الزيادة في أسعار 300 دواء    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    الكاف: فوضى في مقر الولاية    بطولة إيطاليا: جنوى يفوز على كلياري ويضمن بقاءه في الدرجة الأولى    هدنة غزة.. "عدة عوامل" تجعل إدارة بايدن متفائلة    تحذير من برمجية "خبيثة" تستهدف الحسابات المصرفية    مفاوضات الهدنة بين اسرائيل وحماس..هذه آخر المستجدات..#خبر_عاجل    طقس اليوم : 'أمطار رعدية متوقعة بالشمال ومحليا الوسط والجنوب    هام/ هذا موعد اعادة فتح معبر رأس جدير..    خبير في السياسات الفلاحية: الحشرة القرمزية تُهدّد القطاع الفلاحي    المهدية: الوحدات البحرية تنتشل 9 جثث لفظها البحر...التفاصيل    بالمدرسة الابتدائية سيدي أحمد زروق: تنظيم الدور النهائي للانتاج الكتابي لسنوات الخامسة والسادسة ابتدائي    بدعم من البنك الألماني للتنمية...تجهيز كلية العلوم بقفصة بالطاقة الشمسية    التوقعات الجوية اليوم الثلاثاء..أمطار منتظرة..    متابعة/ الجبابلي يفجرها ويكشف سبب اخلاء عمارة بصفاقس من الأفارقة بالقوة العامة..#خبر_عاجل    في «الباك سبور» بمعهد أوتيك: أجواء احتفالية بحضور وجوه تربوية وإعلامية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    توزر...الملتقى الجهوي للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد    «تراثي الرقمي في مدرستي»...تظاهرة ثقافية تربوية... تستهدف 5 مدارس ريفية    «شروق» على الجهات رابطة الهواة 1 (الجولة العاشرة إيابا) ..مقرين ومنزل بورقيبة يتعادلان والقصرين تضرب بقوة    احتضنتها القرية السياحية بالشفار ... «دورة أوكسيجين» تصنع الحدث    محاكمة ممثل فرنسي مشهور بتهمة الاعتداء الجنسي خلال تصوير فيلم    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    أخبار باختصار    تونس تشارك في الدورة الأولى من الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي حول التعاون الشامل والنمو والطاقة بالرياض    وزارة التجارة تنفي توريد البطاطا    النادي الافريقي: 25 ألف مشجّع في الكلاسيكو ضد النادي الصفاقسي    خالد بن ساسي مدربا جديدا للنجم الساحلي؟    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    الجامعة التونسية المشتركة للسياحة : ضرورة الإهتمام بالسياحة البديلة    المجر ترفع في المنح الدراسية لطلبة تونس إلى 250 منحة    السنغال تعتمد العربية لغة رسمية بدل الفرنسية    بطولة الرابطة المحترفة الاولة (مرحلة تفادي النزول): برنامج مباريات الجولة التاسعة    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    عاجل/ تعزيزات أمنية في حي النور بصفاقس بعد استيلاء مهاجرين أفارقة على أحد المباني..    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في... : من مظاهر النكوص في «الرجل الذي أحرق ثيابه» لمحمد جوعو (2)
نشر في الشروق يوم 01 - 07 - 2010

فيما يحيل الماضي على السعادة، على التوفيق «منذ عام جلس وهو يبتسم للأفق الارجواني البعيد القريب. منذ عام وضع خلف أذنيه مشموم فلّ وأحاط جيدها بعقد من الياسمين» (ص21).
اذن ومنذ الاقصوصة الاولى بل والصفحة الاولى وصولا الى اخر أقصوصة الرجل الذي أحرق ثيابه وهذا التباين هما سكّتان يسير عليهما قطار النص القصصي.
ففي «حكاية السنور» الزمن عبارة عن محراث يحرث الوجوه. التجاعيد «خلفها محراث الزمن على وجهها ومضى».
وفي «نوار الدفلى» يفصح الزمن عن ذاته بقوله: «أنا الزمن الهارب يا سعدية».
الغنّام في «طاطا... وين» ربط بين أولاد الحرام وهذا الزمن الفاسد الرديء ص91. وفي «الرجل الذي أحرق ثيابه» نرى ان «الزمان كائن سرابي زئبقي يخرج للمهرولين لسانه ساخرا» ولفشله في اختيار زوجته أشعره الحاضر «بالوهن والوحدة والخوف» وظل الماضي مجسّما في صورة أمه وهو نقطة الضوء الوحيدة في حياته حتى إن الرجل يقول: «يا أمي... يا طفولتي... أين أنت؟» (الرجل الذي أحرق ثيابه ص104) ان التحول من مجتمع زراعي (لن يبقى أحد خارج أسوار المدينة) وبدوي بسيط (حكاية سنور) نحو مجتمع الحداثة (طاطا... وين: الهاتف الجوال أنترنات).
وما رافق هذا التغير من تبدل في العلاقات الاجتماعية التي لم تعد تنبني على علاقات عائلية بما فيها من تآزر بل صارت تنبني على تبادل المصالح المنفعية مع تكرّس الصبغة الفردية المتمثلة في الأنا المدفوعة اغرائيا نحو الاستهلاك (الاعلانات، الرجل الذي أحرق ثيابه) إن وطأة هذه التحولات الاجتماعية كان رهيبا على الطبقة الاجتماعية السفلى حتى إن الزمن لاح لها بأنه هو ايضا عدو من أعدائها الكثر فحست بالانسحاق وشعرت بالضياع وترآى لها ان لا حل لديها لمجابهة الواقع سوى بالنكوص عليه واللوذ بعوالم طفولتها الحالمة، وادارة ظهرها للحداثة. «والحداثة وإن كانت ظاهرة غربية انطلقت مع الثورة الفرنسية (1789م) وعنت التغيير في النظام الملكي الى الديمقراطي الذي يقوم على سلطة الشعب والمجالس الممثلة للشعب واعتماد الليبرالية نظاما اقتصاديا والمساواة بين الجنسين على الصعيد الاجتماعي. وإلزامية التعليم للأطفال والانتقال من نموذج الجماعات والطوائف الدينية المتحاربة الى المواطن لا أسس الطائفة او الدين وتذويب الطوائف والاديان في بوتقة مدنية علمانية واحدة لا تميز فيها على أساس عرقي او ديني او علمي وبهذا تكون علاقة المواطن بالدولة لا سلطة أخرى».
الاسئلة التي تطرح هنا:
كيف لنا ان نصف هذه القصة بأنها حداثة والاخرى لا؟ وهل هذا التصنيف ضروري وممكن أم لا؟
وهل يدخل هذا التصنيف في اطار محاكم التفتيش؟ وبالتالي قد يمس من حرية المبدع؟ ام ان هذه الاسئلة وما جاورها تدخل في حوارية الابداع دفعا لمزيد بث الوعي لدى الباث والمتلقي على سوى.
ولأن الحداثة لا تربط بزمن فإن جميع أشكال القصة يمكن ان تكون حداثية.
هل يمكن كتابة قصة تعترض على الحداثة بجعلها نكوصية؟
علما «وان الحداثة ترتبط عادة بالتقدم والمجاوزة، ومن ثم فإن التطور في الزمان هو احد أبرز مقوماتها، ذلك ان الحداثة تعني فيما تعني الارتباط بالعصر الاخير المختلف عن العصر السابق» (5).
سنرجئ الاجابة عن الاسئلة السابقة لنحلل كيفية مجابهة الشخصيات القصصية التحولات الاجتماعية التي فرضتها الحداثة.
الشخصيات القصصية ونصيبها من النكوص
أ الشخصيات عامة :
إن الشخصيات القصصية شخصيات نكوصية.
فالرجل في (مد وجزر) يعود الى المكان ذاته: شاطئ حمام الانف منفردا بعد ان فقد رفيقته وكان قبل عام قد «وضع خلف أذنه مشموم فلّ وأحاط جيدها بعقد من الياسمين» (ص21).
في «لن يبقى أحد خارح أسوار المدينة» الشخصية المحورية: الكسيح، شخصية نكوصية. فهو اضافة لكونه صار كسيحا بعد ان فقد ساقه من طرف أعوان الاحتلال عندما كان يحاول استهدافه، اصبح «يبحث عمن يتصدق عليه برغيف خبز بائت وحبات زيتون» (ص42)، وهو الذي كان يتمتع بقامة مديدة (ص42).
«سعدية» في «نوار الدفلى» تعيش حالة نكوص ذلك لأنها تحيا حاضرها منفردة وليس لها الا ذكريات شبابها عندما كانت تهب جسدها لمن تشاء. اعترى الرجل الذي أحرق ثيابه احساسا باليتم والاغتراب منذ ان فقد والدته التي كانت تمده بالسند المعنوي خصوصا وان زوجته بحكم طباعها لم تسع ان تعوض له حنان الام بل على العكس من ذلك استهدفته لتعوض السبل المادية والمعنوية (الاهانات والحرمان الجنسي).
إن الاستهداف الذي تعرض له الزوج من زوجته مرده «تشبّثه بما تبقى له من مبادئ يعتبرها زملاؤه وزوجته والناس من حوله بائدة. لا مكان لها في هذا الزمان» (ص98).
لقد مثّل الزوج لزوجته استثناء منفردا بتمسكه بمبادئه ففقدت هذه الاسرة التآلف والانسجام وعوضها التنافر والتباغض، خاصة وانه قد اقترن بها تلبية لأوامر والدته ومرضاة لخالته.
إن الشخصيات القصصية قد تألبت عليها ظروف خاصة وعامة فنزعت عنها الهناء الاسري وهو ما أفقدها الدعامة الأساسية للتماسك فتزلزل كيانها وقادتها أقدارها ان تيعش تحولات اجتماعية اصطبغت بطغيان النزعة الاستهلاكية فأثرت فيها وغيرت من طباعها «والناس من حولك كلهم يرفلون في ثياب على الموضة يلبسونها ان اقتضى الامر بالمقلوب. على وجوههم يضعون لكل مناسبة قناعا. الناس من حولك يتلونون كالحرباء يتلونون. يضحكون لكنهم بمساحيقهم وأصباغهم مبتهجون» (الرجل الذي أحرق ثيابه ص97).
وقد تزامن انسحاق هذه الطبقة الاجتماعية الدنيا (الحاجب في الرجل الذي أحرق ثيابه) الغنّام في «طاطا... وين») (سعدية «ربة البيت والعانس نوار دفلى) من تعرض الوطن للاستهداف(لن يبقى احد خارج أسوار المدينة) «بين قدمي جبل شاهد يوما، طائرات مغيرة تدمر احدى المناطق العربية ربما كانت حيفا او أريحا او صبرا وشتيلا وربما كانت منطقة حمام الشط (ص35).
(يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.