محسن الربايبي طالب جامعي التقيناه في إحدى حضائر البناء والعرق يتصبب منه بغزارة وهو يحمل كيس الاسمنت على ظهره تحدث عن ظروفه قائلا: «أبي شيخ كبير لا يعمل يملك قطعة أرض توفر له مصروف العائلة اليومي لذلك أحرص على العمل في العطلة الصيفية حتى أجمع تكاليف السنة الدراسية المقبلة وهذا يجعلني أحرم نفسي في فصل الاستحمام من الراحة وأبسط الملذات... منير حمزي طالب آخر صاحب «نصبة» بإحدى الأسواق بجهة ولاية القيروان تحدث عن وضعه بمرارة فيقول: لا أذكر أني استمتعت بالصيف مرة واحدة في عمري... فوالدي عامل يومي بسيط وإخوتي الأربعة يدرسون وتتطلب دراستهم مصاريف كثيرة لذلك تحملت المسؤولية ولم أعوّل على والدي فمنذ نجاحي في الدورة الرئيسية للباكالوريا هذه السنة التحقت بالسوق بمساعدة أحد أقاربي وعملت «نصّابا»... نادر الحزقي تلميذ صاحب «نصبة» صغيرة لبيع الدلاع والبطيخ... بسوق جبنيانة من ولاية صفاقس يقول «أنا أساعد والدي في هذه المهمة حتى أخفف عليه العبء وأتحمل المسؤولية بنفسي فمن المخجل أن أمدّ له يدي لأطلب مصروفي وأن أراه متعبا وأتركه لأنغمس في الترفيه والاستمتاع... مشاق ومتاعب مضنية مشاق الأعمال الموسمية التي يلجأ إليها التلاميذ في الصيف كبيرة وتكاد تعجز أبدان بعضهم الضعيفة عن تحملها لكنهم رغم ذلك يواصلون الكفاح إلى نهاية شهر أوت وأحيانا لا يتوقفون عنها إلا قبل يوم أو يومين من بداية السنة الدراسية... ومنصور الدلاجي تلميذ يخوض تجربة العمل الموسمي منذ نعومة أظافره.. وهو يعتبر الحياة كفاحا متواصلا مفروضا على أمثاله ممن كتب لهم التعب والشقاء منذ الولادة شعارهم «اللي برجو بالمرمّة.. يموت في سطل بغلي»... يقول منصور «ما أن تنتهي السنة الدراسية وأتخلص من أعباء المراجعة والامتحانات أنصرف لأتحمل أعباء أكبر وأكبر فأعمل لأوفر مصروفي وأساعد عائلتي...» أما مروان بن سعد فهو تلميذ اختار بيع المظلات والقفاف... يتجول بين الأنهج والأحياء في مدينة سوسة.. يقول: تلفحني حرارة الشمس الحارقة ونظرا لظروفي المادية القاسية فإني أتحمل الحرارة والجوع والعطش وأحرم نفسي من أبسط الملذات ونادرا ما أقصد البحر إلا لعرض بضاعتي على السياح... فحجم المسؤولية الملقاة على عاتقي أكبر من مجرد التفكير في الترفيه... فالوالد متوف وأشقائي وأمي لا سند لهم... الأطفال لهم نصيبهم أيضا... وللأطفال نصيب هام في معركة الحياة فهناك من تقل أعمارهم عن ال15 عاما وتجدهم رغم سنهم الغضة يكافحون وأغلبهم يجدون من الأسواق ضالتهم حيث يبيع بعضهم الأكياس البلاستيكية في حين يدفع البعض الآخر «براوط» ماء مبرد كما يتولى آخرون مساعدة التجار الذين يستغلونهم أحيانا كثيرة للقيام بأعمال شاقة يصعب على الكبار القيام بها... فهيكل وهيثم بن أحمد شقيقان وجدا في بيع الأكياس البلاستيكية عملا موسميا مناسبا ليساعدهما على توفير المصروف اليومي وقد حدثنا هيكل قائلا: العمل أفضل من التسكع واللعب فرغم حرارة الطقس والإرهاق فإني أحسّ بالفخر لأني أعوّل على نفسي... أما شقيقه فيتحدث عن تجربته قائلا: الصيف ممل، وأوقات الفراغ طويلة رتيبة وأنا أجد في العمل فرصة لتمضية وقت الفراغ ثم توفير مصروفي اليومي... وسام برك الله التحق بالسوق أيضا للعمل الموسمي لبيع الخضر وهو صاحب «نصبة» صغيرة «سلق ومعدنوس» يشرف عليها بمفرده يقول: العمل الموسمي تجربة جيدة وإن كانت صعبة فمن الضروري أن نتعود على الاعتماد على أنفسنا وأن نواجه مصاعب الحياة منذ الصغر فلو لعبنا ومرحنا وقضينا الصيف لهوا من سيسلمنا مصروفنا اليومي ومن سيؤمن لنا تكلفة العودة المدرسية إن ظروفنا الاجتماعية قاسية وتحتم علينا العمل الموسمي...