اختط الرئيس البلاروسي ألكسندر لوكاشينكو لنفسه خطا سياسيا جديدا يأمل من خلاله التخلص من التبعية لروسيا ويبدو انه عازم فعلا على خلع «العباءة» الروسية، فقد اعلن صراحة انه لن يخضع أو ينحني للضغوطات الروسية الأخيرة والمتعلقة بوقف نقل النفط والغاز عبر خط أنابيب بلاروسيا (روسياالبيضاء). ولا يخف الرجل المتربع على عرش روسياالبيضاء منذ 16 عاما، انه يجد صعوبة في التعامل مع رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، وأن التعامل مع الرئيس ديمتري ميدفيديف أسهل بكثير. والخلافات الأخيرة مع بوتين ليست الا فصلا جديدا من التوترات في العلاقة بين الرجلين، في وقت ترددت فيه أنباء عن نفاد صبر موسكو حكومة ورئاسة من سلوك الحليف لوكاشينكو، ومن توجهاته السياسية وجرأته على التصريح العلني بالخروج من العباءة الروسية. ردّ.. و«تمرد» «إذا أردنا ان نكون دولة ذات سيادة فإن علينا عدم الانحناء والركوع لأنه اذا فعلنا ذلك فلن ننهض مرّة أخرى..». بهذا القول ردّ لوكاشينكو على الاجراءات الروسية القاضية بتخفيض نقل الغاز الروسي الى أوروبا عبر خط الأنابيب البلاروسية، ما يعني عمليا حرمان بلاروسيا من عائدات الاقتطاع والتي تقدّر بملايين الدولارات. ويعتقد المراقبون ان فلاديمير بوتين هو من يوجه دفّة اقتصاد البلاد، وهو من اتخذ منها أداة للضغط على دول الجوار التي تربطها بروسيا علاقات تجارية هامة وعلى رأسها روسياالبيضاء. واتهم لوكاشينكو صراحة الحكومة الروسية ب «تخويف وترهيب شركائها» عبر ممارسة الضغوطات الاقتصادية عليهم. وأعلن ان بلاده ليست في حاجة الى ان تتسوّل النفط والغاز من روسيا، فيما يبدو الاعلان رسالة الى رئيس الوزراء الروسي فلادمير بوتين الذي عبّر عن سخطه من رفض الرئيس البلاروسي (لوكاشينكو) توقيع اتفاق الاتحاد الجمركي الا بشروط اعتبرتها القيادة الروسية نوعا من الابتزاز. وقد يفسر موقف لوكاشينكو على أنه نوع من «التمرد» على الوصاية» الروسية، فالرجل لم يخف تذمره من التبعية لموسكو وأنه يبحث عما يحفظ لبلاده سيادة قراراتها، موضحا أن السياسة الخارجية لروسياالبيضاء متعددة الاتجاهات و«هذا مطلب العصر»، على حدّ تعبيره. وسبق للرئيس البلاروسي أن تحدى موسكو حين قبل استضافة الرئيس القيرغيزي المخلوع باكييف ومنحه اللجوء السياسي، وهو يعلم جيدا أنه مخالف لرغبة القيادة الروسية. تريث رئيس الوزراء الروسي حاليا والرئيس سابقا الذي خبر التعامل مع مثل هذه الأزمات بفضل نشاطه السابق في المخابرات السوفياتية (ك. جي. بي) يعمل في صمت لإثناء لوكاشينكو عن مواقفه المخالفة للتوجهات وللمصالح الروسية، لكن صبره قد لا يطول كثيرا وقد يلقى لوكاشينكو مصير الرئيس القيرغيزي المخلوع كورمان بيك باكييف، ومن قبله الرئيس الاوكراني السابق فيكتور يوشينكو. وفي حال لو يتخل الرئيس البلاروسي عن عناده، فإن مخالب الدب الروسي قد تصيبه في مقتل، خاصة وأنه (أي لوكاشينكو) يعتزم الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة لولاية رئاسية رابعة. الازمة في العلاقات بين لوكاشينكو وبوتين عنوانها الظاهر الاقتصاد والطاقة لكن واقعها وثوبها سياسي بدرجة أولى، بين من يريد خلع العباءة الروسية، وبين من يتمسك بالشراكة والوصاية في آن واحد.