«البرني وجوليات»، لمركز الفنون الدرامية والركحية بصفاقس أول العروض المسرحية لمهرجان قابس الدولي وسط حضور جماهيري محتشم لا يليق بمهرجان في دورته الثامنة والعشرين ولا بعرض من اخراج صابر الحامي وتمثيل عيسى حراث والأزهر بوعوني وسفيان الداهش وسعيدة الحامي وثلة من الممثلين الشبان. قلة الحضور الجماهيري الذي يطرح أكثر من نقطة استفهام وتعجب رافقت أيضا العرض الافتتاحي «همسة وغنايات»، الذي أداره باقتدار المايسترو المنجي الصويعي وقدم خلاله 14 عازفا من طلبة المعهد العالي للموسيقى بقابس مجموعة من الأغاني التونسية لصليحة وعلية وذكرى وبعض الأغاني الفولكلورية القابسية والجنوبية وهو عرض ترك أحسن الانطباع لدى الحاضرين بما يؤكد حسن اختيار إدارة المهرجان لتوجهها المعتمد في العرض الافتتاحي على عمل من الانتاجات المحلية. العزوف الجماهيري ليس له ما يبرره خاصة في العرض الافتتاحي وهو ما يحمل إدارة المهرجان رغم مجهوداتها الدعائية والتسويقية مسؤوليات أكبر لاستقطاب الجمهور والاستئناس بتجارب مهرجانات أخرى تمكنت من ايجاد حلول لهذه الاشكالية. «البرني وجوليات» وتوظيف الموروث الشعبي مسرحية «البرني وجوليات» من أحدث انتاجات مركز الفنون الدرامية والركحية بصفاقس (انتاج 2009) وتدور أحداثها في خطها العام حول صراع بين عائلتين تمثلان ثقافتين مختلفتين في الأصول والتوجهات، بين البرني «ولد الحومة» الشعبية والقادم من أعماق الريف مفعما بالفتوة ورفض الضيم والظلم وبين عائلة معشوقته «جوليات» بنت المدينة الثرية. وتمثل المسرحية في بعدها الفني نفس الخط الذي انتهجه صابر الحامي في مسرحياته بسعيه الى المزج بين الرقص والغناء والتمثيل لخلق فرجة متكاملة وتوظيف الكوميديا الغنائية. الموت سفر وانعتاق.. لا تطهيرا تعامل صابر الحامي مع الشعراء الشعبيين جعل الحوار السجعي يغلب على المسرحية لخلق ايقاعية تساهم في تكثيف الحركة الدرامية وتطوير الصراع باعتماد معجم بدوي وآخر حضري يساهم في ابراز الصراع والتصادم بين ثقافة وعادات أهل الريف وثقافة وعادات أهل المدينة ويحتد الصراع بين «البرني» وابن عم حبيبته «الفاضل» الرافض له ولكل الطبقة الشعبية من ورائه وتنغلق المسرحية على موت كليهما والتحاق «جوليات» بهما ولعل رمزية الموت في البحر تثير دلالات السفر والارتحال للانعتاق من الواقع وبذلك لا يحقق الموت البعد التطهيري الشكسبيري بقدر ما يكون قراءة تونسية لمسرحية «روميو وجوليات». بما يثبت أن النص العالمي حمال معان قابل للتوظيف في أزمنة مختلفة. الديكور على بساطته ساهم في خدمة الرؤية الفنية للمسرحية وخلق جوا من التصادم والتلاحم والهروب والمواجهة عبر تقابل الكرسيين تارة وتواجههما تارة أخرى كما ساهمت الأغاني في دفع الأحداث وتناميها في اتجاه النهاية المحتومة وكان الغناء مباشرا في الحوارات الثنائية وبطريقة «البلاي باك» في الحوارات الباطنية.