سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مذكرات سياسي في «الشروق»: الأستاذ أحمد بن صالح وأسرار وخفايا تكشف لأوّل مرّة (317): مداخلات حول «مذكرات» السيد أحمد بن صالح: السيد محمد الحبيب السلامي: أشهد أن بورقيبة طلب من جماهير صفاقس الهتاف بحياة بن صالح
حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي في هذه المداخلة، التي أرسلها لنا الاعلامي البارز السيد محمد الحبيب السلامي، تحدث صاحبها عن بن صالح مرحلة وشخصية، في بعض الجوانب التي كانت ربما غامضة.. أو خفية.. وقد أورد «سي محمد الحبيب السلامي» شواهد وقصصا عن تلك المرحلة، مرحلة الستينات، حيث كان إعلاميا بإذاعة صفاقس.. فماذا كتب الإعلامي الكبير، الأستاذ محمد الحبيب السلامي.. تحدث عن بن صالح وخصاله كما يراه الناس، وتحدث عن علاقة بورقيبة بالوزير أحمد بن صالح.. «لقد اطلعت على أغلب (مذكرات سياسي في الشروق) والتي قدمت فيها بعض أسرار وخفايا الوزير الأسبق الأستاذ أحمد بن صالح. ولأنني كنت من المتابعين لمسيرة أحمد بن صالح منذ أن تولى الأمانة العامة للاتحاد العام التونسي للشغل والمعجبين بالافتتاحيات الي كان ينشرها في جريدة «الشعب». ولأنني كنت من الاعلاميين الذين حاولوا كسر الحصار على النقد والانتقاد زمن التعاضد ولأن «الشروق» فتحت الباب للقراء ليقولوا قولا على أقوال أحمد بن صالح فإني رأيت للتاريخ أن أعلّق على تلك المذكرات بما أراه يُفيد ويُضيء، وأن أطرح على الوزير الأسبق الأستاذ أحمد بن صالح أسئلة كنت قد عقدت العزم على طرحها عليه وهو يقود قطار عدد من الوزارات وفي أوج قوّته وقدرته ولمعان نجمه لكن الظروف منعت من تحقيق ذلك. فالرجاء زميلتي الفاضلة فاطمة أن تتقبلي تعليقي وأسئلتي وتعدّيها للنشر ولك مني عاطر الشكر وخالص التقدير والسلام. أقوال على مذكرات السياسي أحمد بن صالح ٭ الوجه المشرق في أحمد بن صالح: لمّا ظهر أحمد بن صالح كأمين عام للاتحاد العام التونسي للشغل تبيّن للشعب التونسي فيه عناصر هامة في شخصيته، إنه جميل الوجه، تعلو رأسه قصّة من شعر بهاؤها أفضل من بهاء تاج، ولذلك لمّا حدثت له حادثة الاصطدام وذكرت الصحف أن الحادثة مست وجهه بجرح خاف الناس من أن يذهب الجرح بجماله، فينقص عنصرا من شخصيته.. وعلماء النفس يرون جمال الوجه من عناصر الشخصية. ولكن اللّه سلّم. أحمد بن صالح كان فصيح اللسان، قادرا على أن يشد إليه السامع بسمعه وقلبه، شارك في صفاقس في ذكرى استشهاد الزعيم المرحوم الهادي شاكر، وكان أن توالى على منصة الخطابة عدد كبير من الخطباء مما جعل الناس يملون ويحاولون مغادرة الاجتماع، فلما أعلن منشط الذكرى عن اسم الخطيب أحمد بن صالح رجعوا ووقفوا واستمعوا. أحمد بن صالح صاحب قلم يقدم في مقاله الجوهر ولا يتيه في الهوامش، يقسم مقاله الى فقرات فإذا هي عقد منتظمة حباته... أحمد بن صالح جريء، ولذلك تجاسر لما كان في سنواته الاولى أمينا عام للاتحاد العام التونسي للشغل فأيد العمال الذين كانوا يعملون في ضيعة رئيس وزراء التفاوض المرحوم الطاهر بن عمار، وامتنع عن قبول منصب الوزارة لما عرضه عليه الزعيم الحبيب بورقيبة في الوزارة الأولى التي شكلها وقال بن صالح: كيف يمكن أن أكون لسان العمال أدافع عنهم وأطلب حقوقهم من السلطة وأنا على كرسي السلطة؟ (هذا ما جاء وراج في صحف الاشاعة عند صدورها). أحمد بن صالح هو الذي حقق بسياسة التعاضد بداية نهضة صناعية، فقد دفع التجار الى التعاضد كرها فرأى بعضهم أن يتخلوا عن التجارة ويؤسسوا مصانع ففعلوا ووجدوا من وزارة بن صالح التشجيع. أحمد بن صالح هو الذي يذكره أهل الصاغة في الذهب بالخير لأنه ميزهم عن تجار الحلي وأعطى الصائغ الذي يثبت كفاءته بامتحان مهني حق الحصول على كمية من الذهب لصياغتها وبيعها وليس لأحد ذاك الحق غيره. وكم من صائغ كان فقيرا فأغدق الله عليه الخير والرزق الواسع، (فيما مضى). أحمد بن صالح هو الذي أنصف حاملي شهادة العالمية الزيتونية فاتفق مع عميد الكلية الزيتونية المرحوم الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور على أن يفتح في وجوههم الباب ليواصلوا الدراسة سنة وليتحصلوا بالامتحان على (الاجازة) ويعترف بهم كمجازين يكون لهم الحق في التعليم الثانوي كأساتذة وتم هذا. أحمد بن صالح والتعاضد وبورقيبة: أحمد بن صالح دخل سياسة التعاضد ودفع لذلك بورقيبة ووزراء بورقيبة وسخر كافة اطارات الدولة التونسية للمناداة بها وفرضها دون أن يعد لها قانونا دستوريا واضحا تصادق عليه السلطة التشريعية والدليل على ذلك: أنه لما «سقط» بن صالح وتقرر التوقف عن المناداة بالتعاضد تبارى نواب الشعب في السلطة التشريعية في نقدها والقدح فيها وفي صاحبها... وقد ظهرت في صفاقس اشاعة تقول: ان الاستاذ المحامي المرحوم الحبيب اللوز لما طالبه الوالي الاستاذ الهادي البكوش في مكتبه بولاية صفاقس بالانخراط في التعاضدية بضيعاته كفلاح قال له المحامي: اذا كان لك في الطلب نص قانوني فسوف ترى مني السمع والطاعة أما اذا لم يكن بيدك هذا فلا سمع ولا طاعة وسكت الوالي. وأنا أشهد أن بورقيبة كان من المقدرين المباركين لأحمد بن صالح في سياسته فقد رأيت بورقيبة بأم عيني وهو يطل على الجماهير المحتشدة في صفاقس من نافذة بدار الولاية في زيارة من زيارات بورقيبة، وكانت الجماهير تهتف بحياته واذا ببورقيبة يمسك أحمد بن صالح الذي كان بجانبه ويشير اليه بيده ليدعو الجماهير للهتاف بحياته فهتفوا. وفي اجتماع آخر انعقد بالمسرح البلدي بصفاقس وقف بورقيبة يخطب في الجماهير ويدعو الى سياسة التعاضد ويقول قولته المشهورة التي لا ينساها الصفاقسيون وهي قوله مهددا من يرفضون التعاضد (المشنقة يا كلاب) وصفق له الجمهور بكل سذاجة وبلادة وانبطاح. أحمد بن صالح وصفاقس والتعاضد: جاء في مذكرات أحمد بن صالح أنه لما زار صفاقس لقي استقبالا كبيرا عظيما مما يدل على أن صفاقس قبلت سياسته وسارت فيها ورحبت بها واقتنعت في الوقت الذي رفضتها تونس العاصمة. وأنا أقول له، كصفاقسي، عشت كعضو في شعبة دستورية قريبا من قافلة هذه السياسة ومتصلا بأهالي مدينتي وهم يكاشفونني لأنهم يعرفون صراحتي. أنا أقول للسيد أحمد بن صالح: ان صفاقس كان واليها الاستاذ المناضل الشاب الهادي البكوش وقد شاع أنه فيلسوف سياستك ومشاريعك، هذا الوالي ومعه الاستاذ المناضل قاسم بوسنينة الكاتب العام للجنة التنسيق آنذاك هما اللذان كان لهما الفضل وبسوط السلطة في اعداد ذلك الاستقبال العظيم لك والذي حسبته دليلا على تأييدك، وأنا أعجب لذكي مثلك كيف لا يعرف أن الاجتماعات والاستقبالات الجماهيرية الشعبية التي يعدها الولاة في ولاياتهم لاستقبال القادة والوزراء هي صورة مزيفة مفبركة؟ ان صفاقس لم تكن راضية عن سياسة التعاضد وعن السياسة التي تمت بها ادارة ضيعات المعمرين وقد وقفت أنا في اجتماع بالمسرح البلدي بصفاقس رأسه السيد الوالي الهادي البكوش وكان ضيفه كاتب الدولة الاستاذ عبد الرزاق الرصاع فوجهت النظر والنقد الى نقائص في سياسة التعاضد الفلاحي فصفق لي جميع من في المسرح البلدي واذا بالسيد الوالي يدعو اثنين للرد علي ردا يرضاه فصفق لهما الجمهور خوفا ونفاقا بدليل أنهم بعد الاجتماع شدوا على يدي وأيدوني وعلق السيد الهادي البكوش على كلامي فقال: ان السلامي وهو منا يلتقط معلوماته من المقاهي، وعاداني الوالي منذ ذلك اليوم بعد أن كان يقدرني والواقع أنني جمعت معلوماتي من الواقع المشاهد، ولعل السيد أحمد بن صالح لم يبلغه ما جرى للسيد قاسم بوسنينة بسبب التعاضد وكيف قوبل بالحجارة بساقية الداير، ولولا أن بورقيبة بلغه رفض صفاقس لسياسة التعاضد ما قال بورقيبة قولته التهديدية لأهالي صفاقس (المشنقة يا كلاب). هل وصل الى السيد أحمد بن صالح وهو في الوزارة أن أرباب المواشي خافوا من سياسة التعاضد فتسابقوا لذبح خرفانهم وبيعها لحما بثمن رخيص؟ هل وصل إلى السيد أحمد بن صالح أن ثمن الأرض وشجرة الزيتون تدنّى لأن الفلاحين رأوا أن بيع الأرض والزيتونة بالثمن الرخيص أفضل من المشاركة بها في التعاضد الفلاحي؟ هل وصل إلى علمه أن فلاحا صفاقسيا مات كمدا وغمّا خوفا من ضياع أملاكه في التعاضد؟ هل يقبل السيد أحمد بن صالح أن أخبره أنني زرت ليلة الإعلان عن توقف سياسة التعاضد فلاحا كبيرا في بيته فوجدته فرحا وقد كان مسؤولا عن تعاضدية فلاحية وأخبرني أنه كان من المساهمين في إسقاط التعاضد وذلك أنه كان يأخذ المال ليعمل العمّال في الضيعات فحبس المال ولا يعمل العمّال وتبور الأرض وتعلو أصوات النقد ضد التعاضد؟ أليس من أخطاء الولاة أنهم كلفوا بالتعاضد التجاري والتعاضد الفلاحي أناسا لم يكونوا يؤمنون بالتعاضد؟ قبل أن أضع نقطة النهاية أقول: لقد علمت من أهل الصدق مثل المرحوم سالم بن حجل أن المواطن أحمد بن صالح طاهر نظيف اليد، اجتهد، وكل مجتهد يخطئ ويُصيب..