الزيارة النادرة التي قام بها رئيس حكومة الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أيام الى اليونان تحمل دلالات وإشارات قوية على أن اسرائيل تعمل بامتياز على الاستفادة من الأزمات الاقليمية وتتقن تغيير خارطة تحالفاتها بالشكل الذي يخدم مصالحها الآنية وأهدافها البعيدة. زيارة نتنياهو تندرج وفق معظم القراءات ضمن مخطط وضعته رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية الاسرائيليتين يقضي بعزل تركيا وتضييق الخناق على قيادتها ومحاصرتها و«اللعب» في ساحتها المحيطة بها (ومن ضمنها اليونان). وقد كشفت مصادر سياسية اسرائيلية في هذا السياق أن تل أبيب شرعت مؤخرا في العمل على تكثيف التعاون مع الأحزاب الكردية المناوئة لأنقرة والعمل مع جورجيا ومدّ جسور التعاون مع الأرمن واليونان لمحاصرة الأتراك وإعادتهم الى «بيت الطاعة» الأمريكي الاسرائيلي بدعم من واشنطن والاتحاد الأوروبي. ويبدو أن حكومة الاحتلال قد اختارت الوقت المناسب لتنفيذ هذا المخطط بأبعاده المختلفة، فإذا اشتدّ التوتر مع الأكراد لعبت اسرائيل هذه الورقة وإذا أثيرت قضية الأرمن كان الصهاينة حاضرين بقوة للتحريض ولتزوير الحقائق والدفع نحو خلق مزيد من العداوات بين الأرمن والأتراك، وإذا ما واجهت أنقرة صعوبات في التواصل مع فضائها الأوروبي بسبب العراقيل التي تضعها بعض الأطراف للحيلولة دون انضمامها الى الاتحاد أو ما عرفت ضعف ثقة في علاقاتها بواشنطن كانت اسرائيل أيضا حاضرة بقوة للتدخل وسدّ الفراغات التي ما ينبغي أن يسدّها إلا الأتراك أنفسهم. واليوم، ورغم التحسن الكبير الذي شهدته العلاقات التركية اليونانية فإن إعلان تل أبيب عن «تأسيس» حلف استراتيجي مع اليونان سيضرب ذلك التقارب بين أنقرةوأثينا وسيعيد البلدين الى مربّع التناحرات القديمة، وسيخلق للإسرائيليين حليفا جديدا يحتاجونه في منطقة المتوسط بعد الشرخ العميق الذي أصاب علاقتهم بالأتراك على خلفية العدوان على «أسطول الحرية» ومن قبله المواقف المشرفة لأنقرة والمساندة للقضايا العربية. ورغم أن الجانبين اليوناني والاسرائيلي حاولا بديبلوماسية زائفة استبعاد الربط بين المسألتين حيث قال مساعد وزير الخارجية اليوناني ان «تقاربنا مع اسرائيل لا يتناقض مع علاقات الثقة التقليدية الاستثنائية مع العالم العربي» وإن «فتور العلاقات بين تركيا واسرائيل لا يشكل سببا للتقارب السياسي مع تل أبيب» فإن التصريحات والتعليقات التي أعقبت زيارة نتنياهو الى أثينا كانت تصبّ في اتجاه أن هذه الخطوة ليست سوى رسالة الى تركيا أو لعلها «إجراء عقابي» لأنقرة التي تبدي مظاهر تقارب مع إيران ومحيطها الشرقي وبدأت تفقد شيئا فشيئا تحالفها مع تل أبيب التي بات من البديهي أن تبحث عن بديل يسدّ الفراغ والأهم من ذلك يترك خصومها في صراع مع جيرانهم.. هو تقارب يدل بوضوح أن تركيا وإسرائيل لم تعودا على نفس القارب!