لم تسع الفرحة، ليلة أول أمس، الفنانة سنيا مبارك، لما وجدت في استقبالها بكواليس المسرح البلدي بالعاصمة مجموعة من محبيها جاؤوا لشكرها ومدحها، لما قدمته في عرضها «وجد 2»، المبرمج في الدورة 28 لمهرجان المدينة بتونس. تفاعل الجمهور مع المطربة سنيا مبارك لم يكن في الكواليس فقط، فالتصفيق الحار، تكرّر مرارا، تفاعلا مع ما قدمته سنيا مبارك ومجموعتها الموسيقية التي ضمّت ثلة من خيرة عازفينا، أثروا عرض «وجد 2»، وهزّوا صحبة المطربة سنيا مبارك وجدان الجمهور طربا، وإنشادا. «سنيا مبارك» اعتلت ركح المسرح البلدي بالعاصمة بفستان أخضر اللون وأغلبنا يعلم الدلالات الرمزية لهذا اللون في سهرة فنية رمضانية، تؤثثها الأغاني الدينية أو الأشعار الصوفية والابتهالات الدينية التونسية والشرقية، فانقسم عرض «وجد 2» الطربي لحنا وتوزيعا الى قسمين كبيرين وهما التغني بحب الذات الالهية والاخلاص في مدح الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم. تصور طربي جمالي الرؤية الفنية لعرض «وجد 2»، ارتكزت أساسا على العنصر الطربي في التلحين والأداء والتنفيذ الموسيقي، عبر مجموعة من الآلات الموسيقية كالناي والكمنجة والقانون والعود وآلات الايقاع وفي هذا الاطار لا يفوتنا التنويه بالعزف الرائع أو التقاسيم كما هو مصطلح عليه موسيقيا، فقد أبدع العازف المتميز على آلة العود بشير الغربي وأمتع شقيقه التوأم محمد الغربي على آلة الكمنجة، كما أقنع العازف المتميز نبيل عبد المولى على آلة الناي وأطرب الأستاذ سليم الجزيري على آلة القانون، كل ذلك الابداع والتميز في تقاسيم منفردة لكل منهم على الآلة التي يعشق وبها يبهر. نشوة فنية ولأن الطرب من المقومات الأساسية في اللون الصوفي، فإن «سنيا مبارك» أطربت الحضور بصوتها وبأدائها وأقنعت بتلاحينها فسنيا مبارك لم تغنّ الأغاني المعروفة أو القديمة، فقط، بل سجلت حضورها بقوة في «وجد 2» حين لحّنت صحبة الملحن «رشيد يدعس» قصيد «قصدت بابك» لمحيي الدين خريف، وحين لحنت قصيد «أنت في الموضع البعيد قريب» لأبي سعيد الأندلسي، وهي التي توّجت حفلها بآخر لحن لها شمل قصيد «ما العشق إلا كلام اللّه» وهو قصيد للشاعر الباكستاني «محمد إقبال» قام بترجمته محمد محمود الزبيري. جديد سنيا مبارك في عرضها «وجد 2»، كذلك «وصلة نور الأنوار» وهي من كلمات خالد وغلاني ومن ألحان الأستاذ فتحي زغندة. جديد صوفي في لونه، طربي في لحنه وإيقاعه، ألحان وأنغام هزّت الوجدان ولاقت استحسان الجمهور الحاضر الذي قال بعضهم لماذا لا تواصل سنيا مبارك التلحين، فلها من الكفاءة والخبرة والعلم والثقافة الموسيقية ما يؤهلها لتكون ملحنة من الطراز الرفيع. تكريم وتحية وما يمكن أن يلمسه المتفرج في عرض «وجد 2»، هو الحب الكبير من قبل الفنانة سنيا مبارك لما تقدمه من قصائد وألحان، هذا الحب جسّدته كذلك بتكريم الشيخ العروسي بن خميس التركي، لما غنّت له في عرضها أغنيتي «النبيّ ومشاله» و«قد أشرق البدر المنير». سنيا مبارك أبت إلا أن تخرج عن برنامج عرضها «وجد 2»، لتقدم تحية الى روح الفنانة «لوردا كاش» عبر أدائها لأغنية «آمنت باللّه»، علما وأن هذه الأغنية كانت موجودة في برنامج عرض «وجد 1» الذي قدمته سنيا مبارك بمهرجان المدينة سنة 2004. إذن في «وجد 2» توفرت كل ظروف النجاح والتميز للفنانة سنيا مبارك فالعازفون مميزون وصوتها لا يختلف حول جماله عاقلان وأداؤها مقنع، والمجموعة الصوتية المرافقة لها، بعضهم من الرشيدية والبعض الآخر من السلامية، كل هذه العوامل جعلت العرض متناسقا، فيه تكامل بين كل مكوناته، ليهزّ بذلك «وجد 2» وجدان الجمهور الحاضر بأعداد محترمة بفضاء المسرح البلدي بالعاصمة، في سهرة رمضانية طربية لا تنسى.