تعكس الطبيعة الفنية لأغلب المعالم القائمة بجهة بنزرت أهمية التلاقح الحضاري الذي شهدته «هيبو» على مر العصور وبعيد الفتح الإسلامي خاصة ومنها مرحلة استقرار الأندلسيون بها الذين كما اتفق على ذلك الباحثون في علم الآثار والتراث قد تركوا بصمات هامة بها في مختلف المستويات والقطاعات. الحقبات التاريخية التي عاشت على وقعها بنزرت يشير الباحث ابن الجهة «رشيد الذوادي» في مؤلفه «هذه بنزرت» إلى أن هذا الأثر يبرز خاصة في المأثورات الشعبية وفي أنواع الزراعات وفي وسائل النقل القديمة كالكريطة والبرويطة والكروصة والشريط وفي نمط البناء والهندسة المعمارية أيضا... كما تتفق عديد الدراسات أيضا في هذا الصدد على أن من أهم إنجازات هؤلاء الوافدين على عروس الشمال بتاريخ 898ه 1492 على الأرجح تأسيس «حي الأندلس» أو بالأحرى «حي حندلس» وتحديدهم بعيد تلك الهجرة لأقدم الجوامع بالمدينة وأروعها على الاطلاق «جامع الأندلس». طابع فني مخصوص! وهذا المسجد الجامع مالكي شهد عدة تحسينات في فترة استقرار الأندلسيين ببنزرت لمعظم أركانه على غرار توسيع الصحن وبعض أجزاء الصومعة ولعل من أبرز الإضافات الفنية هنا حسب بعض الباحثين تلك التي شملت السقف الذي اعتبر غاية في الإبداع الفني علاوة على محرابه، المتميز بنقوشه الجميلة والفريدة الطابع الأندلسي... ولعل من أطرف التعاليق ضمن الدراسات المتعلقة بتأثير الأندلسيين بجهة بنزرت ما ذهب إليه الباحث «رشيد الذوادي» في ذات المرجع المذكور آنفا من أن لهؤلاء المهاجرين دور هام في تنشيط الحياة الدينية والاجتماعية... ضمن هذه الولاية حيث سكن الكثير من هؤلاء مدن بنزرت منزل جميل ومنزل عبد الرحمان... واشتغل بعضهم بالتدريس في الجوامع وانتمى الكثير منهم إلى المذهب الحنفي بسبب ارتباطهم بالأتراك... علاوة على تألق أبناء العائلات الأندلسية الأصول على غرار «بلانكو» و«النيقرو» و«الترنان» و«الصوابني» في عديد المجالات الثقافية والفنية بصفة خاصة...