بنى عقبة بن نافع المسجد الجامع في قلب مدينة القيروان بين عامي (50 55 هجريا). ومازال جامع «عقبة» أكبر مسجد جامع في القيروان حتى الآن. امتد جامع عقبة منذ تأسيسه على مساحة واسعة، وكان في هيئة هندسية معمارية متطورة، حتى قيل: «لم يبن عقبة مدينة لها جامع، بل بنى جامعا له مدينة» ولا يستبعد هذا لأنه عندما أسست مدينة القيروان كانت عمارة المساجد في البلدان الاسلامية قد انتقلت من مرحلة التأسيس والتكوين الى مرحلة إعادة البناء والتوسيع، بل والزخرفة أيضا. ولقد أجهد عقبة بن نافع نفسه في تحديد قبلة المسجد لأن أهل المغرب سيضعون قبلتهم عليها، فأقام وأصحابه ينظرون الى مطالع الشتاء والصيف من النجوم، ومشارق الشمس الى أن انتهى الى وضع المحراب واتجاه القبلة برؤيا رآها في منامه لذلك قدس أهل القيروان محراب عقبة وحافظ عليه الولاة ومن أتى بعدهم. وجدد حسان بن النعمان الغساني (سنة 84ه)، الجامع الأعظم وبناه بناء حسنا، وحافظ على محراب عقبة وجلب له العمودين الأحمرين. أما بشير بن صفوان، فقد كتب (سنة 105 ه)، إلى الخليفة هشام بن عبد الملك يعلمه بأن المسجد يضيق بأهله، وأن ب«شماليه» بستان لقوم من «فهر»، فأمره هشام بشرائه، وأن يدخله المسجد ففعل، وبنى في صحنه ماجلا، وبنى المئذنة في بئر البستان، ونصب أساسها على الماء، واتفق أن وقعت في نصف الحائط الشمالي إذن في العصر الأموري، لا في العصر العباسي، وصل المسجد الى مساحته التي هو عليها اليوم والتي تمتد من «محراب عقبة» الى «مئذنة بشر»، أي أصبح ممتدا من الشمال الى الجنوب، وهذا ما حتمته طبيعة الموقع الذي بني فيه، وعدم وجود امكانية لتوسيعه إلا في اتجاه الشمال. وفي (سنة 157ه) هدم يزيد بن حاتم المهلبي جامع عقبة، ما عدا المحراب وبناه. وفي (عام 221ه) جدد زيادة اللّه بن الأغلب جامع عقبة وهم بهدم المحراب، فعارضه أهل القيروان لما له من القدسية في نفوسهم، فألح في ذلك، فاقترح عليه أحد البنائين أن يدخل «محراب عقبة» بين حائطين (حائط أمامه وحائط خلفه)، فلا يظهر في المسجد أثر لغير «زيادة اللّه»، ويرضي في الوقت نفسه المعارضين، فاستصوب رأيه. أما أبو ابراهيم أحمد بن الأغلب، فلقد جدد قبة المحراب (عام 248 ه) وأنشأ الرواق أمام القبلية. وجعل سقف الفتحة وسطه قبة مماثلة ومناظرة لقبة المحراب. كما كسا المحراب برخام أبيض مزخرف بزخارف نباتية جميلة، جلبه من العراق، وجلب من العراق أيضا ألواح (القاشاني) التي كسا بها واجهة المحراب وجعل كسوة طاسة المحراب خشبية، دهنت باللون الكحلي، وزينت برسوم نباتية ذهبية اللون. وجلبت لأحمد بن الأغلب أخشاب الساج من بغداد وعمل منها منبرا يتألف من ألواح مستطيلة ومثلثية عليها زخارف نباتية وهندسية تجمع بينها صفائح النحاس ومازالت حتى الآن قبة المحراب والمنبر والمحراب باقية ومحافظة على الوضع الذي أنشئت به أيام أحمد بن الأغلب، أما قبة البهو (وسط الرواق الجنوبي)، فقد هدمت أثناء الترميمات التي أجريت (عام 1962م) وأعيد بناؤها، وكانت قد هدمت قبل هذا التاريخ وجعلت محززة من الخارج ومعصبة من الداخل، وبنيت بالآجر. وتنسب المقصورة الموجودة حاليا الى «المعز بن باديس» (عام 406 440ه)، وذلك استنادا الىالشريط الكتابي بالخط الكوفي المحفور بأعلى سياج المقصورة، ومما ورد فيه: «بسم اللّه الرحمان الرحيم وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما، مما أمر بعمله أبو تميم المعز بن باديس بن المنصور وسلام اللّه عليه وبركاته»، ولكن هذه الكتابة لا تحدد بدقة تاريخ إنشاء المقصورة. جامع الزيتونة ذكرنا أن حسان بن النعمان بنى مسجدا في تونس (عام 79ه) واتفق المؤرخون على أنه كان في الموضع الذي بني فيه جامع الزيتونة شجرة زيتون فنسب إليها. فعندما ولي عبد اللّه بن الحبحاب على افريقيا من قبل هشام بن عبد الملك، هدم المسجد ووسعه وبناه جامعا ضخما (عام 114ه) ثم إن أحمد بن الأغلب جدده وبنى له قبة المحراب وقبة البهو (عام 249ه) مماثلتين لقبتي «جامع عقبة بالقيروان». وقد كانت مئذنته التي تقع في الجهة الشمالية الغربية من الصحن برجا قديما. ثم زاد في ارتفاعه الأميرمحمد باي المرادي (عام 1063ه)، فصار ارتفاعها (30م) وتهدمت هذه المئذنة وسقطت، فأعيد بناؤها على ماهي عليه اليوم (عام 1309ه) أما الرواق أو الواجهة الشرقية للجامع (خارجه) الذي يصعد إليه بإدراج فقد بناه إمام الجامع الشيخ «محمد البكري» (عام 1037ه). أنشأه الأمير الأغلبي محمد الأول أبو العباس (عام 236ه)، كانت القبلية الأصلية مؤلفة من (3 مجازات) في كل منها (13 فتحة)، تشكل الفتحة الوسطى مجازا قاطعا، فوق المحراب قبة مشابهة لقبة المحراب في جامع عقبة ولكنها أبسط منها. وكان يحيط بالصحن (3 أروقة) في الشرق والغرب والشمال، يمتد على واجهاتها وعلى الجهة القبلية للصحن شريط كتابي بالخط الكوفي يؤرخ الجامع. أزيل المحراب الأصلي وانشأت قبة أخرى فوق المحراب الجديد، فصار للجامع قبتان وجعلت سقوف بقية الفتحات في القسم الجديد قبوا متقاطعا أما الرواق أمام القبلية فقد أضيف (عام 1086ه)، يرتفع برج دائري قصير تعلوه قبة في الزاوية الشمالية الشرقية من الصحن ويصعد عليه بدرج من الصحن، ولهذا البرج وظيفتان فهو للآذان (مئذنة) وللمراقبة وللحراسة، إذ أقيم الجامع قرب باب البحر في الزاوية الشمالية الشرقية من المدينة. كما يوجد برج آخر لا ينتهي بقبة في الزاوية الجنوبية الشرقية من القسم المضاف للقبلية، يستعمل للحراسة أيضا.