سائق سيارة الأجرة (تاكسي) والحريف بقدر ما يبدو أنهما صديقان فإنهما عدوان أيضا، وحتى علاقتهما وإن بدت في الظاهر ناعمة وأنيقة يتخللها الغموض وأحاسيس مليئة بالاحتمالات والمخاطر ولمَ لا الطرائف. مواقف عديدة محرجة وطريفة تستيقظ في نفس بعض سواق التاكسي إذ يحكي السيد عبد اللّه (وهو يعمل في هذه المهنة منذ ما يزيد عن 22 سنة) وقد استجمع كل أفكاره: «طلب مني ذات يوم حريفان صغيران لا يتجاوز عمرهما 17 سنة (ولد وبنت) حملهما الى حي الزياتين.. وعندما وصلنا الى أحد الأزقة الضيقة طلبا مني التوقف وطلب الولد الذي كان يجلس بجانبي من البنت النزول لجلب الأموال من خالته بعد نزولها بدقائق غابت فيها عن الأنظار وفي لحظة التفت فيها الى الجانب الآخر استغلّ الولد الفرصة لفتح الباب والهروب.. في يوم آخر كان فيه الوقت ليلا صعد معي حريف من باب سويقة متأنّق الهندام ماسكا في يده صحيفة وقال لي إنه سيتجه الى أحد الأحياء لحمل زوجته والاتجاه نحو منطقة منوبة عندما وصلنا الى الحي طلب مني بكل لطف الانتظار قليلا ريثما يصطحب زوجته من بيته الذي كان يدّعي أنه موجود خلف العمارة.. مرّت لحظات ودقائق شعرت فيها ملل الانتظار ونزلت من السيارة لأسأل أحد متساكني الحي الذي صعقني بالقول انه لا يوجد أي بيت خلف هذه العمارة. ويسترسل السيد عبد اللّه ممضيا في استحضار أطرف وأغرب حكاياته مع الحرفاء: «حملت معي احدى الحريفات من باب الجديد الى المنار وفي الطريق وبالتحديد في «الروتيكس» لمحت الحريفة قطة ملقاة صدمتها على ما يبدو احدى السيارات حينها انتابها الفزع وأصبحت تصيح وتصرخ وطلبت مني انزالها على الفور لتبعد القطة من وسط الطريق مخافة أن تصدمها سيارة أخرى لم أملك إلا أن استجبت لطلهبا وأبعدت هذه القطة الميتة من وسط الطريق لكنها لاحظت قبل أن تصعد مرة أخرى أحد المارة وقف بجانب القطة فقالت لي انه سيعيدها الى وسط الطريق وما كان منها إلا أن رجعت لتحملها معها ولتصعد بها للسيارة ملطخة بالدماء. حدثت لي طرائف مع بعض السائحين فبحكم أنني لا أتقن اللغة التركية صادف أن صعد معي حريف تركي من المنار الى المرسى مسافة حوالي 2 كلم تعطب العداد (الكونتار) ولم أشعر بذلك إلا بعد أن وصلنا للمرسى إذ اكتفى بتسجيل 700 مليم.. عائق اللغة منعني من تفسير الأمر للسائح الذي بادر بإعطائي دينار وأرجعت له 300 مليم لأسجل بذلك أرخص سفرة في تاريخ سواق سيارات الأجرة (التاكسي). **أعضاء بشرية الأسوأ من كل هذا أن تتحول رحلة التاكسيست الى رحلة مليئة بالغموض والمخاطر إذ يحكي سائق التاكسي وقد استيقطت في نفسه لحظات الخوف: «أشتغل دائما بالليل وساعات العمل في هذه الفترة لا تخلو من مخاطر.. مخاطر تأتيك من السكران الذي تلتزم بإيصاله الى بيته ولا يعطيك الأجرة، ومخاطر تأتينا من بعض متسكّعي الأحياء فبعضهم يستعمل أدوات حادة لإرغامك على تسليم النقود.. أذكر أنني أوصلت طفلا في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل الى أحد الأحياء الشعبية وطلب مني انتظاره ريثما يأتيني بالنقود.. بقيت أنتظر وسط سكون الليل المظلم الى أن أتى الطفل ولم يكن يحمل النقود ولكنه أتى بقارورة غاز صغيرة وحاول الاعتداء عليّ. وفي ذات الاتجاه يقول أحد السائقين (السيد العربي) بمقدار كبير من السخط قائلا: «لحظات الخوف لا نستشعرها في الاحياء الشعبية فقط بل نستشعرها في الأحياء الراقية، تصوّر أنني حملت حريفة كانت رفقة ابنتها في ساعة متأخرة من الليل الى منطقة المنزه السابع بعد أن أوصلتها الى بيتها طلبت مني الانتظار قليلا ولكنها رجعت لتقول لي زوجي غير موجود بالمنزل وطلبت مني الرجوع غدا لاستلام الأجرة من أغرب الأحداث أنك قد تكون واقفا بسيارتك في محطة التاكسي لكن تفاجأ بأن الشنال ينقضّ عليك في حين يتغافل عن سيارات أخرى كان يفترض ألا توجد في مثل هذه المحطة الخاصة بسواق التاكسي فقط». أحد سواق التاكسي الآخرين وهو السيد طارق مطماطي استحضر بعض لحظات غريبة يقول «طلبت مني إحدى الحريفات أن أوصلها إلى إحدى ضواحي العاصمة وكان احد الممرات الممنوعة ألزمتني القيام «بدورة كاملة» هنا اسيتقظت على صوت الحريفة تقول لي «لماذا تدور بي كل هذه الدورة»؟ لماذا لم تدخل من ذلك الطريق؟ حاولت إقناعها بأنه ممرّ ممنوع على كل السواق لكنها أخرجت هاتفها الجوال وهاتفت شرطة النجدة وأصبحت تصرخ وتبكي وتقول «إن التاكسيست تهجم عليّ»؟! عندها قصدت أقرب مراكز الأمن لأنظر في أمر هذه الحريفة التي اتضح على ما يبدو أنها مخبولة. ولعلّ هذه الحادثة بسيطة مقارنة بحوادث أخرى تحدث لأي سائق تاكسي كل يوم أحدثك عن حادثة وقعت لأخي وهو سائق تاكسي اذ صعد معه احد الحرفاء وجلس في المقعد الخلفي وكان يحمل معه يدا بشرية كان قد سرقها على ما يبدو من أحد القبور وكانت رائحة هذه اليد دفعت بأخي الى التوجه به إلى أقرب مركز أمن. خلافا لذلك فإن بعض الحرفاء يبدون بلاهة مزعجة إذ أضطرّ أحيانا لقضاء بعض الحاجات الخاصة فأضع علامة بطاقة الطريق التي تعني أن سيارة الأجرة ليست في وضع استخدام لكن رغم ذلك تفاجأ بردات فعل غريبة من الحرفاء». تبقى الحاجة دائما أم الاختراع وهي التي تولد ابتداع حيل فبعض الحرفاء من يستدرّ عطف التاكسيست ليعرض عليه خاتم خطوبته عوض النقود. البعض الآخر من الحرفاء على ما يُروى عرض على سائق التاكسي حفنة من الحمص المالح عوض حفنة من النقود ولكن هذه الصور السلبية نادرة وأغلب العلاقات بين السواق والحرفاء يسودها الاحترام وأصحاب التاكسيات آمنون بشكل تام ماعدا بعض الاستثناءات وهذايحدث في أفضل المجتمعات.