كان جمهور الفن الرابع بسوسة على موعد مساء السبت الفارط مع جديد مجموعة «مسرح البلاد» في مسرحية «عايلة» نص وإخراج الصادق حلواس وذلك بتنظيم من طرف جمعية التنشيط الثقافي لفاقدي السمع بسوسة. عكس عرضها الأول بمهرجان سوسة الدولي فإن الإقبال الجماهيري لم يكن في مستوى الانتظارات حيث لم يغط الجمهور الحاضر بالمسرح البلدي ثلث المقاعد! وما ان انطلقت المسرحية حتى كانت المفاجأة في انتظار الحاضرين والتي تمثلت في غياب الممثل يحيى الفايدي (وهو من ركائز المسرحية) وتعويضه من طرف المخرج الصادق حلواس! حرفية وارتباك...! «ظرف خاص لا أستطيع البوح به» هكذا أجابنا الممثل السعدي الجيلاني حول سبب غياب يحيى الفايدي، نفس الاجابة كانت على لسان هذا الأخير من خلال اتصالنا به عن طريق الهاتف، وإن كان الصادق حلواس كاتب النص صاحب الخبرة في التمثيل فإن ذلك لم يصدّه عن بعض الاخلالات من قبيل عدم التمسّك باللهجة المنطوقة والأخطاء اللفظية وبعض حالات الارتباك التي طبعت أداءه وخلّفت بعض المساحات الارتجالية التي أوحت بضرورة تأجيل العرض حفاظا على صورة هذا المبدع وأيضا على رسمه الفني للشخصية الموظفة في المسرحية هذا دون الدخول في المجال القانوني الخاص بالتغييرات الطارئة على العرض المسرحي الأصلي. «عايلة» ولكن خاصة جدّا ! الأم «ذهبية» (نعيمة الجاني)، الابن «المولدي» (الصادق حلواس)، البنت «فتحية» (درصاف مملوك) وزوجها «عليّ» (السعدي الجيلاني) اضافة الى شخصيات أخرى افتراضية حاضرة بالاسم فقط (الرضيع «عزيز» صديقة الزوج «كوثر» صديقها «شكيب» الجارة «مباركة» صديق المولدي «الناصر بن القيومية») نسجوا أحداث المسرحية التي كتبت بالمنحى السردي الكلاسيكي في شكله الخطّي بطابع كوميدي تنوّعت وضعياته وعكست مدى تعمّق المؤلف في هذا المجال مثلما عكست حرفية أداء هذا الطابع خاصة من طرف الممثل السعدي الجيلاني والذي كان متشبّعا كما ينبغي من الشخصية المتقمصة في دور زوج البنت التي دفعتها اللهفة المادية الى تسويغ منزلهما والإقامة في بيت أمها صحبة أخيها المولدي العاطل عن العمل صاحب الطبع الانتهازي والعنيف الذي وصل به الجشع لا إلى ابتزاز أمّه وزوج أخته ومساومته بعد ان اكتشف انه يخرج مع زميلته في العمل كوثر فحسب بل طال ايضا اخته بالضغط عليها للاشتغال كراقصة في أحد المطاعم رغبة في الربح السريع والمريح حسب تقديره مما جعل الزوج يتجاوز خوفه منه ويثور عليه... وإن كانت المسرحية قد عكست بعض القضايا الاجتماعية فإنها تميّزت بالسطحية الى حد التهميش في عدة مواضع وطغى الاضحاك على حساب أبعاد هذه القضايا والتي انحسرت في وضعية عائلية خاصة جدّا وشاذة قد تكون الاحداث قد تجاوزتها مثلما انحسرت في إطار مكاني وحيد هو بهو المنزل بديكور بسيط في مجال سينوغرافي جاف نوعا ما. أداء متفاوت في لقاء ب «الشروق» بعد العرض عبّر لنا الممثل السعدي الجيلاني عن أسفه قائلا: «للأسف وللمرة الثانية وبعد عرض مهرجان سوسة الدولي لم تحضر العرض الحقيقي للمسرحية أدعوك لمتابعة المسرحية قريبا في دار الثقافة ابن رشيق سيكون عرضا متميّزا حينها يمكنك التقييم الحقيقي. إضافة الى الأداء المهزوز للصادق حلواس والذي له اسبابه فإن البقية تفاوت أداؤهم وكان التميّز من نصيب الممثل الشاب السعدي الجيلاني والذي أبدى حرفية ملفتة للانتباه لا تستنقص من عمل المخرج وتوجيهاته لهذا الممثل التي بدا أثرها جليا فيما تقمصت نعيمة الجاني دورا مركبا وطريفا وهو الأم العجوز ولكن الى جانب أدائها المشحون والذي طغى عليه الصياح لم تحافظ على الخصائص الشكلية لهذه الشخصية من حيث اللهجة المعتمدة والصوت والوضعية الجسدية فأحيانا توحي بالوهن والضعف الناتج عن الكبر وفي مواضع أخرى أبدت عكس هذه الخصائص اضافة الى بقائها في نفس النمط الذي يعكس «المرأة الغبية» والتي تستعمل اللهجة الريفية كمطية للاضحاك. أما درصاف مملوك فبقيت أسيرة أداء نمطي جاف طوال المسرحية في وقت اقتضت عدة وضعيات منها التفاعل اكثر والتنويع في الشحنات التعبيرية وكل هذه الملاحظات لا تعتبر تشكيكا في القدرات التمثيلية لهؤلاء الممثلين الذين راهن عليهم «مسرح البلاد» في أكثر من عمل رغم ضرورة إثراء الزاد البشري في خصوص الممثلين في هذا الهيكل الانتاجي المحترم الذي لا يجعلنا ننفي أيضا حجم الجدية والمجهود المبذول من طرف القائمين عليه.