لا يزال ملف بطالة أصحاب الشهائد العليا وخرّيجي التعليم العالي يلقي بأضوائه على المشهد الاقتصادي والاجتماعي الوطني بحكم صعوبات الادماج المهني وولوج سوق التشغيل وتطارحت عدة جهات وأطراف رسمية وغيرها خلال الفترات الأخيرة زوايا هامة متعلّقة بهذا الملف الحيوي الذي كان مرارا محلّ متابعة المجالس الوزارية تحت إشراف رئيس الدولة. وتبقى عديد الأسئلة والاستفسارات متداولة في باب البحث أساسا عن أسباب عطالة أصحاب الشهائد العليا وسبل خفض عدد هؤلاء وضمان اندماجهم في سوق الشغل وحصولهم على موارد رزق تُبعد عنهم شبح البطالة المخيف. هذا الى جانب تتالي الدراسات وخاصة الاحصائية والعددية حول طبيعة هؤلاء العاطلين عن العمل ونوعية التكوين الذي تحصّلوا عليه خلال دراستهم الجامعية ومدى مردودية وفاعلية شهائدهم. توزيع عددي وقطاعي وفي هذا المجال أكدت معطيات رسمية حصلت «الشروق» على بعض تفاصيلها أن عدد العاطلين عن العمل من أصحاب الشهائد العليا يمثلون اليوم ما يُناهز ربع عدد الباحثين عن شغل في تونس، وإذا ما علمنا أن رقم العاطلين عن العمل يُقارب اليوم نصف مليون (500 ألف) ثبت لدينا أن أصحاب الشهائد العاطلين عن العمل هو حاليا في حدود 125 ألفا. وبالعودة الى قراءة المعطيات التي حصلت عليها «الشروق» فإن العدد الأهم من العاطلين عن العمل من أصحاب الشهائد العليا يحملون «شهادة تقني سام» الذين تناهز نسبتهم ال40٪ (حوالي 52 ألفا)، يليهم أصحاب الإجازات في الانسانيات (العلوم الانسانية) ويتوزع البقية على عديد الاختصاصات والمجالات. وفي الاختصاصات التعليمية الدقيقة والهامة ومنها خاصة الهندسة والطب والصيدلة يمكن ملاحظة أن المؤشرات تؤكد تعافي قطاع الهندسة بمختلف فروعه وتخصّصاته من ظاهرة بطالة خرّيجيه في حين أثبتت آخر الاحصائيات العددية وجود 1100 من الأطباء والصيادلة العاطلين عن العمل والذين أتمّوا جميع مراحلهم الدراسية والتكوينية وحصلوا بعد على شهائدهم العليا. ملاحظات وإجراءات يُذكر أن دراسات تقييمية أجرتها لجان في وزارة التعليم العالي أكدت أن «بورصة الشغل» تذهب الى إدانة صريحة لنوعية التكوين وطبيعة الشهائد العليا المتحصل عليها في مجال صعوبات ولوج سوق الشغل والحصول على وظيفة، وذكرت مصادر مطّلعة ل«الشروق» أن العديد من المستثمرين اشتكوا من ضعف تكوين أصحاب الشهائد خاصة في مجال اللغات بالاضافة الى تلميحهم بوجود تخصّصات معقدة ودقيقة تُصعب سرعة الادماج والتشغيل. وقد بادرت هياكل التوجيه الجامعي بداية هذا العام الى إقرار جملة من الاجراءات لتفادي هذه السلبيات عبر حذف ودمج ما يزيد عن 140 شعبة من شعب التعليم العالي وهي أول خطوة في مجال التفاعل مع متطلبات وحقائق سوق الشغل وتجاوز الهنات الحاصلة في منظومة إمد وفتح الطريق مجدّدا أمام مقاربة جديدة للشهائد الجامعية العليا بغاية ملاءمتها مع حاجيات السوق وملاحظات المستثمرين وأصحاب المشاريع.