الجدل الذي أثاره تسريب وثائق سرية أمريكية عن عملية غزو العراق والجرائم المتصلة بهذه الحرب، مما اقترفته القوات الأمريكية الغازية لهذا البلد، لن يكون الأول ولا الأخير... كما لن يكون حكم التاريخ على تلك الجرائم يسيرا... فقد أثارت الزوبعة التي حدثت في الولاياتالمتحدةالأمريكية حول الوثائق السرية التي تسرّبت بخصوص الحرب على العراق، عديد التساؤلات، منها: كيف يمكن محاسبة الجريمة الاستعمارية وكل جرائم الحرب الأمريكية في العراق، عندما تكون هذه الجرائم مثبتة بالوثائق والقرائن؟ ومن هي الجهة التي يمكن ان تحاسب هذه الجريمة، وقد طالعتنا صور ووثائق من المفترض ان يندى لها جبين الانسانية قاطبة؟ «البنتاغون» الذي بدأ يتحرى في الأمر، عبر تعيينه 120 خبيرا للتدقيق في عملية التسريب هذه لم نلمس ان همه تجاه المسألة يشمل الجانب الأخلاقي مثلا... او يعنى بحقوق العراقيين من المدنيين الذين قضوا تحت نيران الطائرات والقنابل التي ألقيت على رؤوسهم إبان الغزو وخلاله بل لمسنا حرصا من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) حرصا من نوع آخر، يتمثل في السؤال التالي: الى أي حدّ يمكن ان يتسبب الافراج عن الوثائق السرية حول حرب العراق، في أذى الأمن القومي الأمريكي؟ وهنا لابدّ وان نشير الى أن السؤال لا يشمل هاجس العقاب لجريمة موصوفة وموثقة، بل يهم كشفا ممكنا لعملاء أمريكا (المخابرات) في العراق! هكذا هي الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن قبلها كل «الامبراطوريات» التي استعمرت بلدان عديدة تقترف جرائم الحرب، وهي تعلم جيدا بأن لا عقاب سيلاحق جرائمها.. لماذا؟ لأن لغة الاستعمار هي الأقوى... وإمكانات الجلاّد في التأثير على القانون الدولي الانساني أقوى... وإلا كيف يمكن للمجموعة الدولية ان تحدث المحكمة الدولية تلو الأخرى، وتطبّق قوانين وأحكاما تكون الولاياتالمتحدة وراءها ولكنها (أمريكا) لا تجدها طرفا ممضيا على هكذا محاكم، ومنها محكمة الجنايات الدولية حتى لا تدخل واشنطن ولا قواتها الغازية دائرة المحاسبة والمحاكمة.. لكن الافراج عن الوثائق الآن، حول غزو العراق، سواء أخضع قوات الاحتلال الى المحاسبة والمحاكمة والعقاب على الجرائم التي اقترفوها بالعراق، أم لا، فهذا غير مهم.. الأهم ان تخضع كل الجريمة من ألفها الى يائها... الى حكم التاريخ..