انطلقت يوم أمس بأحد نزل مدينة الحمامات الجلسة العامة الثالثة والستون للمنظمة العالمية للمياه المعدنية وعلم المناخ بحضور السيد المنذر الزنايدي وزير الصحة العمومية قرابة 120 خبيرا ومختصا في العلاج بالمياه المعدنية ومياه البحر. واختار منظمو الجلسة الذين وضعوا هذه التظاهرة تحت سامي إشراف رئيس الدولة ووجهوا إليه برقية شكر لما يوليه من عناية لدعم وتطوير هذا القطاع في تونس، أن يكون موضوع المؤتمر العلمي لهذه الدورة تحت شعار: «التقاليد، التجديد والجودة في قطاع الاستشفاء بالمياه»، وهو ما جلب الكثير من المستثمرين والمعنيين بمستقبل هذا المجال في تونس وخارجها بالإضافة إلى الخبراء الذين سوف يستعرضون آخر التطورات الطبية والتقنية في العلاج بالمياه المعدنية ومياه البحر. نجم واستعرض السيد المنذر الزنايدي تاريخ تونس العريق في مجال استعمال المياه المعدنية في تونس ثم النقلة النوعية التي عرفها هذا القطاع على مدى العقدين الأخيرين بدعم من رئيس الدولة بما جعل تونس تحصل على المرتبة الثانية عالميا في مجال العلاج بمياه البحر والمياه المعدنية. كما تطرق إلى الخطة الوطنية لإعداد المؤسسات الوطنية للمطابقة مع أرقى المقاييس العالمية في الجودة. وتداول عدد هام من الخبراء الدوليين على تقديم تجارب بلدانهم في مجال العلاج بالمياه سواء كانت بحرية أو معدنية، مبدين إعجابهم بالتجربة التونسية، فيما كان نجم هذه التظاهرة العالمية هو رائد الفضاء الروسي غينادي بادالكا، الذي قام بثلاث رحلات إلى الفضاء الخارجي والذي يحمل معه أحد أهم البرامج المستقبلية للسياحة العلاجية بالماء في تونس. وكان الرائد بادالكا قد اشتهر بقضائه أكثر من نصف عام في الفضاء الخارجي في المحطة الفضائية الدولية عام 2009 وأجرى عدة تجارب علمية شهيرة في مجال الطب. ونذكر أن المنظمة العالمية للمياه المعدنية قد دعت هذا الرائد إلى جلستها في الحمامات لوجود تعاون وثيق بين خبرائها والمسؤولين عن علاج رواد الفضاء في مدينة النجوم الروسية بواسطة المياه المعدنية ومياه البحر. ويقول الخبير أمبرتو سليمان الأمين العام للمنظمة إن رواد الفضاء يحتاجون علاجا مطولا من مخلفات فقدان الجاذبية يقوم أساسا على العلاج بالمياه المعدنية ومياه البحر. وفي نفس السياق، قال السيد فرج الدواس المدير العام لديوان المياه المعدنية للشروق إن مفاوضات تجري مع المسؤولين عن مدينة النجوم الروسية لاستقدام رواد الفضاء الروس والأوروبيين للعلاج في تونس والاستفادة من تطور هذا الميدان في بلادنا. ومن شأن هذا الاتفاق إذا تم أن يقدم دفعا كبيرا للسياحة العلاجية التونسية التي تحتفظ بالمرتبة الثانية عالميا بعد فرنسا. وهكذا وجد الرائد بادالكا نفسه أحد أهم نجوم هذه التظاهرة حتى لمجرد التقاط الصور التذكارية معه مثيرا للفضول حول العلاقة بين رواد الفضاء والعلاج بالمياه المعدنية. الروس في تونس وفي تصريح خاص للشروق قال الرائد بادالكا إنه سعيد جدا بوجوده ضيفا على تونس حيث اكتشف التطور الكبير في العلاج بمياه البحر. أما عن تطورات الاتفاق بين مدينة النجوم الروسية ومحطات الاستشفاء التونسية، فيقول إنه ما يزال قيد البحث وأن زيارته إلى تونس تأتي في هذا المجال، لكنه أبدى إعجابه بما حققته تونس في هذا المجال. ومن جهة أخرى، كشف لنا السيد فرج الدواس عن تقدم مشروع الاتفاق بين الطرفين تحت إشراف خبراء المنظمة العالمية للمياه المعدنية لما يمثلونه من مصداقية عملية في مجال العلاج بالمياه. وكانت الجلسة الأولى في هذه التظاهرة فرصة لنكتشف مع الدكتور وحيد البدري، الذي درس الطب في روسيا ويفهم إلى حد كبير أسرار اهتمام رواد الفضاء الروس بما توفره تونس في مجال العلاج بالمياه المعدنية. يقول الدكتور البدري إن الروس قد حققوا في العهد السوفياتي تقدما كبيرا في مجال العلاج بالمياه المعدنية، حتى أصبح ذلك تقليدا شعبيا، عموميا، وكانت الجمهوريات السوفياتية تعج بمحطات العلاج المخصصة للعمال. غير أن الروس يعانون من نقص في أشعة الشمس، بحكم جغرافيا الشمال حيث تكون السماء غائمة أغلب الوقت، حتى أنهم أصبحوا من رواد ما يسمى بالعلاج بالشمس «héliothérapie»، ذلك أن أشعة الشمس ضرورية لتوازن الجسد البشري بدنيا ونفسيا. وفي هذا المجال، يضيف الدكتور البدري ينظر الروس بكثير من الإعجاب إلى طقس تونس لما يجمعه من توفر المياه المعدنية الحارة ومياه البحر واعتدال الطقس من حيث توفر الشمس أغلب أيام العام. قربص ينشط الدكتور وحيد البدري الذي هو طبيب مباشر في مستشفى بني خلاد بولاية نابل في مجال العلاج الطبيعي وأساسا العلاج بالمياه وخصوصا المياه المعدنية. وفي هذا المجال يقول لنا: «يمكننا في تونس أن نستقطب السوق الروسية الضخمة والواعدة، لكنها ليست سوقا سهلة لما لدى الروس من خبرة طويلة في هذا المجال، لكنهم يفتقدون إلى الشمس والعلاقات الإنسانية التي تتوفر للسائح في تونس». ومع الحديث، يكشف لنا الدكتور البدري أنه قد اشتغل مع مجموعة من الأطباء المختصين لإعداد دراسة علمية حول الفوائد الصحية للمياه المعدنية في قربص، أحد أشهر مصادر المياه المعدنية في تونس. ويضيف الدكتور البدري أن قربص استفادت عبر التاريخ من السمعة الشهيرة لمنابع المياه الحارة والباردة ومن الإطار الطبيعي الخلاب الذي توجد فيه لكن آن الأوان لكي يتم إثبات قيمتها العلاجية من الناحية العلمية للجميع. «ما تم إثباته علميا في مياه قربص هي فوائدها المؤكدة في علاج أمراض البرد، ثمة تجارب عديدة حول فوائدها في علاج الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي والصدفية، لكن ذلك يتطلب المزيد من الأبحاث العلمية والإكلينيكية». وبالنظر إلى أن محطة قربص تكاد تكون معطلة منذ انهيار الطريق إليها في البحر عام 2000، فإنها تمثل فرصة هامة للاستثمار في العلاج الطبيعي في تونس في انتظار أن تتم تهيئة طريق مناسبة. وفي هذا المجال يقول السيد فرج الدواس المدير العام لديوان المياه المعدنية للشروق إن جهة قربص في قلب اهتمامات الدولة التي أعدت برنامجا عمليا للنهوض بها بدءا من سيدي الرايس إلى عين كالاسيرا مع الحفاظ الصارم على الموقع الطبيعي بخصوصياته البيئية على مساحة 1300 هكتار. سوف يشمل ذلك طبعا تهيئة طريق مناسبة وكل المرافق الضرورية لتطوير الجهة التي سوف يكون قلبها النابض قرية قربص حفاظا على تاريخها الكبير في العلاج الطبيعي في تونس.