تتسارع عقارب الأيام نحو عيد الاضحى الذي لا يفصلنا عنه الا أيام أربع... ورغم ذلك لا تزال عدة عائلات تونسية لم تظفر بعد بالاضحية التي تتماشى ومقدرتها الشرائية رغم الحركية الكبيرة التي تشهدها بعض البطاحي ضمن سوق العرض والطلب. غلاء الأسعار وتداول المناسبات الدينية وغيرها من الأعياد على جيب المواطن دفعت بالكثير من الأسر التونسية الى التداين من أجل العيد والضغط على باقي المصاريف العائلية الضرورية الأخرى. أيام قبل عيد الاضحى رآها الكثير من التونسيين أنها أيام عصيبة جعلتهم بين مطرقة المحافظة على التقاليد وفرصة للعودة الى مسقط الرأس لقضاء يومي العيد مع العائلة الكبرى والأقارب وبالتالي تمتين أواصر القربى وبين سندان ارتفاع الأسعار الذي أثر سلبا في نظام الانفاق الأسري. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بالحاح شديد اذا كان تقديم الاضحية يوم العيد عبادة وشعيرة من شعائر الاسلام وسنة مؤكدة على من استطاعها فلماذا يتداين البعض الى درجة الاخلال بميزانية الأسرة أو صرف صكوك دون رصيد قد تؤدي بصاحبها الى السجن؟. قد تختلف الاجابات بين من تحدثنا اليهم... بين مؤكد على ضرورة الاحتفال بالعيد حتى وان اضطر رب الأسرة الى التداين لما لعيد الاضحى من قيمة مادية ومعنوية خاصة في نظر الاجوار والأصدقاء ضمن منظومة السكن العمودي وبين آخرين معتبرين الاضحية عبادة دينية لا يمكن التخلي عن ممارستها ابدا شأنها شأن الصلاة وهي فرصتهم للتصدق ولتوطيد أواصر التقرب من الله وتقريب الأسر من بعضها. ابني يداعب كبش الجيران تقدم بخطى ثقيلة مصحوبا بابنه الصغير الى داخل رحبة بيع الاغنام التي احتلت كامل المساحة الخضراء ب«طريق الشنوة» بالمسيهلة «غرب العاصمة»... السيد نبيل موظف بنكي وزوجته تعمل هي الأخرى باحدى الشركات الخاصة، اضطر للحصول على راحة بنصف يوم للتفرغ لعملية شراء العلوش تفاديا لارتفاع آخر في الأسعار بحلول نهاية الأسبوع. لم يكن سعيدا وهو يدخل الرحبة فبدا متجهما معلقا على حالته النفسية بالقول: «أنا مثل أي مواطن تونسي آخر له أبناء أدخل الرحبة «مفجوعا» من الثمن الذي سأدفعه الا أني مكره على الدفع بسبب أبنائي... فطفلي الأصغر يريد خروفا يداعبه وأنا أقطن داخل شقة في عمارة بها 6 عائلات فهل يعقل أن يشتري الجميع الاضحية الا عائلتي وهل يعقل أن أقبل على نفسي كموظف محترم أن يمنحني أجواري البعض من اللحم يوم العيد أو أن يذهب أبنائي لمداعبة خرفان الجيران اذا سمحوا لهم، لذلك فإني مجبر تحت طائلة كل الظروف أن اقترض من عملي لتوفير الاحترام لي ولأسرتي. نظرة دونية ما جاء على لسان السيد نبيل شاطره فيه السيد منذر الطرخاني موظف وأب لثلاثة أطفال بالقول: «احمد الله أننا كعائلة ميسورة لا نشتاق الى اللحوم الحمراء فأنا ابن الجنوب ولا يحلو لي الكسكسي والمقرونة دون قطعة لحم الخروف، لكن للعيد نكهته الخاصة جدا لسببين رئيسيين الأول أن الأضحية سنة مفروضة وأنا أحمد الله أنه باستطاعتي شراء العلوش لكن بسعر غير الذي يباع به في العاصمة، والدي حفظه الله يشتري لي الخروف من مسقط رأسي قبل شهرين من العيد حيث الأسعار عادية والسبب الثاني أنه من العيب وأنا أعيش وسط عمارة أن يقوم كل أهل الحي بعملية الذبح الا عائلتي وأبنائي يشاهدون الموقف، ثم انه وحين يعلم الجيران أني لم أشتر خروفا من الممكن أن يمنحوني البعض من اللحم من خرفانهم وهذا في نظري عيب قد يجعلني أخجل من نفسي». مكره أخاك... «مكره أخاك... والله لا بطل...» هكذا علق السيد منتصر البكاري تقني سام في الصحة على موضوع التداين من أجل الأضحية معبرا بدوره أن الأمر أضحى عند التونسي مجرد عادة ليس الا بدليل أن أغلب العائلات تأكل الخروف وتستهلكه لخاصة نفسها ولا تهب منه شيئا كما هو مفروض بخصوص الأضحية مضيفا: «الغريب اليوم أن التباهي بكبر الاضحية هو الطاغي في المعاملات بين الاجوار... هذا خروفه صغير الحجم والآخر كبير وغيرها من التعليقات غير المحبذة خاصة حين يلتقي الصغار معا للعب بخروف العيد شخصيا اعتبر نفسي ملزما بالشراء حتى وان مقدرتي أو ظروفي لا تسمحان لي بالشراء في ظروف مريحة، لكن من واجبي توفير الاحترام لأسرتي للأسف الشديد حتى لا تضطر زوجتي الى تبرير وجهة نظرها للجارات بكوننا قد لا نضحي هذا العام لقد تحول الأمر الى عادة لكنها عادة مؤكدة واجبارية». أين قيمة الاضحية «جاري اقتنى خروفين ولم يتصدق منهما بشيء فأين السنة هنا وأين قيمة الاضحية»... هكذا استهل السيد منذر الجويني كلامه معتبرا أن عيد الاسلام تحول الى فرصة للتباهي على الغير وهو ما يحرمه ديننا الاسلامي مضيفا: لا يمكنني نسيان هذه الحادثة بصراحة، تصوروا أن أحد اجواري اقتنى خروفين الأول للأضحية والثاني للقديد.... والحال أن جارا آخر لنا ظروفه المادية سيئة للغاية وهو عاطل عن العمل وله أبناء... أليس من الاجدى لو أن هذا الشخص تبرع أو وهب خروفا لجاره لكان ثوابه كبيرا جدا، اليوم وبفضل السكن العمودي الذي جعل حال العائلات مكشوفا لبعضهم البعض أضحى شراء الخروف موضة وليس قناعة بقيمة عيد الاضحى.» قد تختلف الآراء الا أنها تصب في واد واحد وهو أن المواطن اليوم أضحى مضطرا للتداين من أجل «علوش العيد» وان اختلفت الأسباب فالغاية واحدة عدم الشعور بالاحراج من الأجوار والتظاهر بالقدرة الشرائية حتى ان لزم الأمر التداين من أكثر من جهة». سميرة الخياري كشو أمام الضغط المهول على الأضاحي: شركة اللحوم تعتمد البيع ب «الوصولات»، وأسعار «البطاحي» في تراجع تونس «الشروق»: علمت «الشروق» أن بورصة «العلوش» شهدت مع بداية العد التنازلي نحو عيد الاضحى منعرجا جديدا حيث تضاعفت الضغوط على نقاط البيع المنظمة فيما تراجعت أسعار الاضاحي ب«البطاحي». ولم يكن متوقعا أن يشهد الاقبال على نقاط البيع المنظمة لبيع «العلوش» بشركة اللحوم هذا الحد من الضغط حيث قررت الادارة العامة اتخاذ قرار البيع عن طريق «الوصولات» وذلك بمد كل مواطن يرغب في الشراء بوصل يضمن شفافية المعاملة ويحترم حق الأولوية ويجنب الضغط والتدافع أمام الباب. ويذكر أنه تم الانتهاء من توزيع «الوصولات» بشركة اللحوم يوم أمس على الساعة السابعة صباحا لبيع حوالي 400 خروف كمعدل يومي تعتمده الشركة لتغطية أقصى ما يمكن من حاجيات المواطن. ويبدو حسب معطياتنا أن الضغط الذي حدث بشركة اللحوم هو ناتج لا فقط عن الرغبة في الشراء بالميزان وضمان أضحية تتوفر على مواصفات صحية بل كذلك عن غياب بعض النقاط المنظمة عن البورصة وعدم فتح أبوابها بالتاريخ الذي تم الاتفاق عليه. ويبدو أن هذه النقاط وجدت صعوبة هذه السنة في التزود ب«العلوش» لأن الأضاحي خرجت من أيادي الفلاح وتحولت الى التجار الذين تحول بعضهم الى «قشارة» يلهبون الأسعار ويستغلون الظرف للربح الفاحش. تراجع الأسعار: وأمام عزوف المستهلك عن الشراء من «البطاحي» ودعوة بعض الهياكل المعنية الى الأضحية الجماعية في حال عدم الاستطاعة وتحرك المراقبة الاقتصادية نحو اقصاء «القشارة» تتجه أسعار «العلوش» نحو الانخفاض بالبطاحي. وتتوفر الامكانية لمزيد التراجع خاصة في حال حدوث تغيرات في الطقس في اتجاه نزول الأمطار كما لا ننسى أنه توجد معادلة يجب أخذها بعين الاعتبار وهي أن الفلاح ليس في صالحه الابقاء على «البركوس» لأنه تكبد ما يكفي من المصاريف؟ كما أن «القشارة» ليست لديهم الامكانيات اللازمة للحفاظ على الأضاحي المتبقية لا من حيث المكان ولا من حيث وفرة الأعلاف. وفي هذه الحالة يستطيع المستهلك أن يقلب «البورصة» الى صالحه فيصبح فعلا «الحريف الملك» ويتحكم في السوق بمزيد مقاطعة «البطاحي» التي تلهب الأسعار.