ميسي يعترف بأنه تلقى علاجا نفسيا بسبب برشلونة    آلاف المتظاهرين يطوقون البيت الأبيض مطالبين بوقف الحرب على غزة    تعليق مثير للأسطورة زيدان على انتقال مبابي إلى ريال مدريد    بوسالم.. حريق يأتي على 13 هكتارا من صابة الحبوب    بتهم فساد مالي واداري.. بطاقة إيداع ضد الرئيسة السابقة لبلدية حلق الوادي    الشركة التونسية للبنك STB ...مؤشرات مرضية وآفاق واعدة    جندوبة: السيطرة على حريق أتى على حوالي 13.5 هك قمح صلب    حفوز.. إماطة اللثام عن عملية سرقة    وزير الشؤون الدينية: أكبر حاجة هذا الموسم عمرها 104 سنوات    قيس سعيّد خلال لقائه برئيس هيئة الانتخابات ...يجب احترام كل أحكام العملية الانتخابية    مباحثات حول إعادة فتح المعبر    وفاة عامل بناء إثر سقوطه من أعلى بناية في المنستير..    الفنان وليد الصالحي يعلن عن تنزيل اغنية جديدة    الصحة العالمية تدعو للاستعداد لاحتمال تفشي وباء جديد    على متنها 261 حاجا: الوفد الرسمي للحجيج التونسيين يغادر في اتجاه البقاع المقدسة    القيروان: الاحتفاظ بعنصر إجرامي مفتش عنه    قفصة: مباشرة أبحاث مع أستاذ بشبهة تسريب امتحان باكلوريا إلى مترشحين    غدا ناميبيا تونس: المنتخب الوطني يختتم التحضيرات واللقاء دون حضور الجمهور    أبو عبيدة: العدو أنقذ بعض أسراه وقتل آخرين والعملية ستشكل خطرا كبيرا على الأسرى وظروف حياتهم    وزارة الداخلية توفّر الحماية لمربي الماشية    ارتفاع إنتاج دجاج اللحم بنسبة 3,7 % خلال شهر ماي الفارط    عاجل/ نشوب حريقين بنفزة وباجة الشمالية وحالة تأهب بداية من اليوم..    يوم 10 جوان.. انطلاق موسم الحصاد بمعتمديتي بلطة بوعوان و فرنانة    نقطة بيع الأضاحي بالميزان في وادي الليل و هذه التفاصيل    عاجل/ هذا ما تقرر في قضية الحطاب بن عثمان..    وزيرة الإقتصاد تتباحث مع وفد من الشركة السعودية الصينية SABATCO فرص الإستثمار والشراكة.    تطاوين الديوانة تحبط محاولة تهريب كمية هامة من السجائر بقيمة تفوق ال1.2 مليون دينار.    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 8 جوان 2024    في هذه الجامعة : تؤدي مناسك الحج وتكلف زميلتها باجراء الامتحان بدلاً منها    عمليات التوجيه الجامعي : وزير التعليم العالي يقدم هذه التوصيات    كأس تونس للكرة الطائرة: الترجي الرياضي من أجل الفوز بالثائي .. والنجم الساحلي لإنقاذ موسمه    رئيس الجمهورية يثير مجددا ملف الشيك دون رصيد    طقس: بعض الامطار المتفرقة بعد الظهر على المناطق الغربية بالشمال والوسط    وفاة رائد الفضاء وليام أندرس في حادث تحطم طائرة    موعد جديد لنزال تايسون و'اليوتوبر' جيك بول    عاجل/انتشال 11 جثة مهاجر غير شرعي من البحر قبالة سواحل ليبيا    الفلبين: تحظر واردات الدواجن من أستراليا لهذه الأسباب    جندوبة تحتفل باليوم العالمي لسلامة الأغذية تحت شعار "تأهّب لغير المتوقع "    وزارة التربية توضّح مسألة تمتيع المتعاقدين بالتغطية الصحية    محمد كوكة أفضل ممثل في مسرحية كاليغولا بالمسرح البلدي بالعاصمة    الفنان والحرفي الطيب زيود ل«الشروق» منجزاتي الفنية... إحياء للهوية بروح التجديد    علي مرابط يشيد بدور الخبرات والكفاءات التونسية في مجال أمراض القلب والشرايين    مريم بن مامي: ''المهزلة الّي صارت في دبي اتكشفت''    يوم تحسيسي حول المستجدات الدولية والوطنية في مجال مكافحة المنشطات    مسؤول بال"شيمينو": هذا موعد عودة نقل المسافرين بالقطار بين تونس والجزائر    قبلي: انطلاق فعاليات المنتدى الاقليمي حول فقر الدم الوراثي بمناطق الجنوب التونسي    تشيلسي يتعاقد مع مدافع فولهام أدارابيويو    الإعلان عن موعد عيد الاضحى.. هذه الدول التي خالفت السعودية    مناسك الحج بالترتيب...من الإحرام حتى طواف الوداع    موعد صيام يوم عرفة...وفضله    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    المنتخب الوطني التونسي يصل إلى جنوب إفريقيا    اكتشاف السبب الرئيسي لمرض مزمن يصيب الملايين حول العالم    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    الإعلان عن الفائزين في المسابقة الوطنية لفن السيرك    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    عاجل/ قرار قضائي بمنع حفل "تذكّر ذكرى" المبرمج الليلة    اليوم رصد هلال شهر ذي الحجة 1445    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلام في الثقافة: صليحة كوكب الغرب
نشر في الشروق يوم 12 - 11 - 2010

هاتفني منذ أيام صديقي الأستاذ الحبيب العوادي مندوب الثقافة بولاية الكاف ليعلمني باعتزام الإدارة الثقافية بالجهة تنظيم مهرجان الفنانة «صليحة» في غضون شهر أفريل المقبل. وزاد ما أثاره هذا الخبر من سرور في نفسي اضافة مهاتفي أن المهرجان المزمع سيكون ذا بعد مغاربي وستدعى له فرق ذات قيمة وفنانون ذوي صيت.
الصديق العوادي يعلم مدى ولعي بالفنانة «صليحة» ولعلّ ذلك ما دفعه الى مهاتفتي، لكني لا أظنّه قد نسي أني كنت من افتتح أول دورة من المهرجان الذي خصّص لتخليد ذكرى هذه الفنانة الكبيرة بمحاضرة عنونتها «صليحة صوت تونس العميق» أبرزت فيها الخصال التي كانت لهذه المغنية والتي بوأتها أن تكون سيدة الغناء في تونس بل وفي كامل مغربنا العربي. كان ذلك منذ ما يزيد عن العشرين سنة لكن مهرجان «صليحة» لم يلبث أن سقط منذئذن في الرتابة وتراجع مضمونا وتنظيما.
«صليحة صوت تونس العميق». لو كان لي أن أعيد هذه المحاضرة لما أضفت إليها شيئا إذ لازلت شديد الاعتقاد بأن لا أحد من أهل الفن في تونس استطاع مثل «صليحة» أن يختزل في صوته جميع خصوصيات الغناء التونسي فتصالح بذلك أهل البدو بالحضر بإنشاد يجمع بين الاندفاع الحرّ والالتزام باحترام القوالب، بين لوينيات اللهجة المحلية ودلالات الجملة الموسيقية الوطنية. لقد كانت البداوة «مركوزة» في صوت «صليحة» فلم تغادرها أبدا لكنها نجحت في التدرج بصوتها كما بحياتها إلى مراتب من التهذيب والتهذّب لم يبلغها أحد قبلها ولا بعدها قطّ.
وأنك لتجد إلى اليوم في صوت هذه المغنية الفذّة ما يوحي لك بتجذّر بلادنا في عمقها التاريخي وبأصالة ثقافة شعبها ذات المنابع المتعددة وبوحدة وتكامل الشخصية التونسية، وأنك لترى إلى اليوم في صوتها خغرافيات تونس المختلفة هضابها وتلالها وصحاريها وأزقة مدنها الضيقة الخفية، ثم إن «صليحة» عاشت حياتها عرضا وطولا وكانت فنانة حقيقية جامحة متضرّمة هوى اشتعلت لتُضيء وعانت لتسعد. وإذا أضفنا إلى كل مميزات هذه الفنانة تلك البحّة التي يراها الرزقي في كتابه «الأغاني التونسية» من محاسن الصوت العربي الكامل يكون النصاب قد اكتمل وتكون «صليحة» سيدة الغناء العربي في المغرب بلا منازع».
طبعا لست بغافل عما يهدف إليه صديقي العوادي حين أعلمني بتنظيم مهرجان «صليحة» المقبل في بعده المغاربي وفهمت فورا أنه يريد رأيي في الأمر. فإذا كان ما فهمته صحيحا فإني أنصح الصديق أن يتوجّه توّا ودون تردّد إلى صيغة تنظيمية تجمع بين السهولة في التنفيذ والإفادة في الانجاز.
إني أنصحه بأن يخصّص هذا المهرجان المرتقب لأداء أغاني «صليحة» فيجتمع حول هذا الصوت التونسي الخالد أجمل حناجر تونس وبلدان الغرب العربي لأداء أغاني الفنانة الراحلة فتضخ في أنغامها دماء جديدة وتنطق بترجيفات انشادها أصوات شابة تحيي الماضي وتغذي الحاضر.
إن فن الأداء الغنائي فن كامل ومحاسنه كثيرة، فهو في أسمى حالاته ترجمة شخصية للأثر الأصلي تضيف له وتثريه وتمدّد في حياته، وهو في أسوإ الحالات تمرين وتدريب يفيد صاحبه ولا يضرّ بالأصل،
ولأداء الأعمال الغنائية الثابتة مزايا أخرى منها تربية أذن الناشئة على مغان نوعية تهذّب ذوقها وتزرع فيها حبّ الجمال وتشدها إلى مرجعياتها التراثية التي هي من شخصيتها وحبها للوطن.
ولعلنا اليوم في أشد الحاجة إلى إعادة احياء تراثنا الغنائي والانشادي والموسيقي الأكيد أمام الزحف الجارف للرداءة مغربيها وخاصة مشرقيها الذي يزيد كل يوم في تسطيح فكر شبابنا وإفساد ذائقتهم وتعميق تشتت ذهنهم.
وانه لمن المؤسف حقا أن نرى اذاعاتنا وتلفزاتنا الوطنية تفتح أبوابها على مصراعيها وتمد الزرابي الحمر أمام المتاجرين بأذواقنا الغنائية من اخواننا المشارقة ومن تبعهم من شبابنا، وتتغافل عن تراثنا وتتجاهل كنوزه حتى لكأن الصلة بدأت تتقطع بين التونسي وغنائه الأصيل فلم نعد نسمع الا ترديدا باهتا لأنغام ممجوجة على مر الساعات.
يقول «الدلاب» والدلاب هو قالب موسيقي غنائي تونسي سائر الى الاندثار «الذهب يزداد حسنا اذا انتقش» وهي في نظري صورة تنطبق تماما على صوت «صليحة» التي آتت الى الحاضرة بمعدن نفيس فصاغه صائغون مهرة من أمثال خميس ترنان وصالح المهدي وبلحسن شعبان وعبد الرزاق كرباكه... وحولوه الى جوهرة ثمينة .
لم تبحث صليحة عن الانتشار والشهرة خارج بلادها ولم تغن غير أغان تنطق بأنغام ومعاني بلادها فكان ذلك سبيلها الى البقاء في ذاكرة بلادها.
كانت صليحة مولعة بترديد أغاني «كوكب الشرق» وكانت كثيرا ما تقوم بآداء أغانيها في حفلات خاصة أو عائلية، لكننا لم نسمع أبدا أن أم كلثوم أدت مرة واحدة أغنية تونسية لصليحة أو لغيرها من المغنين العرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.