بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي ست سنوات مرّت على استشهاد القائد الرمز أبو عمار، وللمرء أن يتساءل: هل يظن القتلة أنهم باغتيال الرموز الكبيرة ينهون قوة الرمز فيهم؟ هل يظنون أنهم باغتيال الجسد يغتالون الفكر؟ لو ظنوا ذلك فهم أغبياء وحمقى، فالرموز العظيمة في تاريخ أي شعب من الشعوب تتجدد وتزداد تألقا بغيابها أجسادا وبقاء معانيها. هم نجوم يهتدي بها الساري حتى في الليالي المظلمة الطويلة. قتلوا من قبل لوركا فبقي حيا، بقي اسمه علامة إدانة لكل الفاشست. وقتلوا تشي غيفارا وبقي الرمز حيا، بقي تميمة وبقي أيقونة وبقي فكرة، وما انتشار صوره وطبعها حتى على قمصان الشباب إلا الدليل بأن المعنى لم يذهب وأن الاغتيال كان فضيحة لكل الجبناء الذين لا وسيلة لهم لمواجهة الفكرة بالفكرة ولذا يلجؤون الى أحط الوسائل وأكثرها اشمئزازا متمثلة في الاغتيال الذي ينفذه جبناء مذعورون أحسّوا بهزيمتهم أمام معنى الرمز وقوة دلالته. وكان الاغتيال وسيلة الصهاينة لذا لاحقوا به عددا كبيرا من رموز الشعب العربي الفلسطيني، لاحقوهم حتى وهم خارج وطنهم، وكم من شهيد تمّت تصفيته وإذا أردنا أن نذكر الأسماء فهي كثيرة، من يجرؤ على اغتيال مبدع شفّاف حالم بغد أجمل لشعبه الذي تناهبته المنافي مثل غسان كنفاني؟ أومثل الشاعر والمفكر كمال ناصر؟ ومثل الفنان الفذّ ناجي العلي؟ وتكبر قائمة الشهداء الميامين الذين لاحقهم القتلة بكواتم الصوت، هنا أو هناك، من ينسى أبا إياد وأبا الهول وأبا جهاد وغيرهم وغيرهم؟ كأن الشعب العربي الفلسطيني مكتوب عليه أن يقدم أجمل رموزه شهداء تمتدّ إليهم أيادي الغدر الملوثة، أيادي الصهاينة الذين يظنون أن مشروعهم سيكون في مأمن، وأنه سيتواصل كلما نجحوا في اغتيال هذا الرمز أو ذاك. لكنهم يتناسون أن كل وليد هو مشروع ثائر، هو رمز آت مادامت القضية في الضمير، مادامت في الدم لأنها دفاع عن وطن، عن عرض، عن كرامة، وشعبنا العربي الفلسطيني هو شعب الجبارين كما لقّبه قائده الرمز ورمزه القائد شهيد الانسانية كلها أبو عمار. فالثورة الفلسطينية رغم أن هاجسها الأول كان استعادة حق مغتصب، شاركت قوى وبلدان كبرى في تشريده وجلب قطعان المستوطنين المتناقضين أصولا وملامح ليجعلوا منهم وبالتلفيق شعبا يسيّره وهم انه عائد الى أرضه الموعودة رغم أن هذه الأرض هي أرض لأهلها، لمن هم فيها، وفي ثراها دفنت أجيال من حقب مضت. لقد أراد أبو عمار أن يجعل من الثورة الفلسطينية ثورة لكل الشعوب المضطهدة التي تعاني مرارة الاحتلال، لذا تحولت هذه الثورة الى مدرسة في المقاومة، مرّ بها ثوار وحالمون من كل بلدان الدنيا. وصار أبو عمار الدليل والمثال الحي، كان الملاذ الأمين، وكان الحريص والمؤمّن على مستقبل الشعب الذي اختاره قائدا له. في المصطلح هناك الجاذبية في الشخصية التي تسمى «الكاريزما»، وقد امتلك أبو عمار هذه الكاريزما الهائلة والجميلة بحيث أصبح من حوله مهما كانت خلافاتهم معه يختارونه هو رمزا لهم، يسلمونه قيادهم دون تردد لأنهم واثقون كل الثقة بأنه لن يخذلهم. ولم يخذل أبو عمار شعبه، ولم يبع مصير هذا الشعب لذا ارتأى الصهاينة إزاحته بأن حاصروه ثم سمّموه ليموت كما أراد أن يموت شهيدا، وهذا قدر الثوار العظام إذ أن في موتهم حياة لشعوبهم، في موتهم يتألق الرمز ويشعّ على مساحة أكبر. في الذكرى السادسة لاستشهاد أبي عمار نتذكره وهو على تلك الحيوية النادرة، من بلد الى آخر ومن قارة الى أخرى، هو وكوفيته الخالدة وعلامة النصر التي كان يرسمها في أحلك المواقف، رسمها حتى وهو يغادر أرض وطنه ووطن أجداده في رحلة العلاج الى فرنسا وهو يعلم بأن ما به قد يودي بحياته. ظلّ مبتسما حتى في موته، مات الجسد مسموما وبقي الرمز يتوالد آمالا وأحلاما ونضالا ومقاومة ورسالة وضوءا. رحمك اللّه يا أبا عمار فكم كنا نحبك لأنك كنت قريبا منا، تعيش الكفاف مكتفيا بالكوفية الخالدة والبدلة الكاكية وحلم انتصار فلسطين الذي سيكون رغم كل مكائد الصهاينة! لك المجد، ولهم الذلّ. أما البناء الذي شيّدته فرفاقك يواصلون استكماله رغم كل الصعاب، لتتحرّر الأرض وتقوم الدولة ويرفرف علمها الذي كان حلمك أن تراه مرفرفا على أسوار القدس العاصمة العتيدة لدولة فلسطين العربية. رفاقك الأمناء ها هم يواصلون طريقك رغم كل العنت والصلف الذي يواجههم به الكيان الصهيوني اللقيط.