تلوث أحرق المحاصيل... صعوبة تسويق المنتوج... «قشارة» بلا رقيب يتلاعبون بأقوات الفلاحين... زحف العمران على الغابة... تلك أبرز الاشكاليات والصعوبات التي تواجه فلاحي الواحات بقابس ممن التقتهم «الشروق» في هذا التحقيق. يبلغ عدد الواحات بقابس 49 واحة منها 36 واحة ساحلية والبقية واحات داخلية تنتج كميات هائلة من البلح و«الكنتة» الى جانب الرمان والزيتون والمشمش والعنب والبقول والباكورات وغيرها من المنتوجات الفلاحية الا انها في السنوات الاخيرة شهدت تراجعا ملحوظا يرجعه فلاحو قابس الى عدة اسباب منها التغيرات المناخية وانحباس الامطار لسنوات متتالية والتلوث البيئي وصعوبة ترويج المنتوجات. اصطحبنا احد الفلاحين الى غابته عبر مسلك فلاحي ضيق متعرج ترتفع على جنباته حدود ترابية لا تحجب النظر الى غابات بعضها لازالت الخضرة تعلوها والبعض الاخر اصفر لونها وتحول تدريجيا الى لون اديم الارض وكان جليا من خلال المباني التي زحفت عن اليمين وعن الشمال مدى توغل العمران على حساب مساحات واسعة من الغابات التي كانت تعد في ما مضى جنة على الارض تحول بعضها الى اراض بور تكثر احراشها ونباتاتها الشوكية معلنة عن اهمال اهلها لها. تلوث أحرق الغرس والزرع تحدث رشيد المسعودي عما يعانيه الفلاح في قابس من صعوبات جمة للعناية بفلاحته وغابته مع ارتفاع المصاريف والعجز عن ترويج المنتوج مما جعل البعض امام خيارين احلاهما مر فاما ان يواصل العناية بغابته وفلاحته مع تكبد المصاريف وأمله ضعيف في تعويضها بعد بيع منتوجاته او اهمالها لتصبح بورا يرتادها ارباب السوابق وقد تصبح نهبا لبعضهم فيستخرجون منها «اللاقمي» ويواصل فلاح بوشمة حديثه «تتمثل اولى الاشكاليات التي يواجهها الفلاح في جهة قابس وخاصة في المناطق القريبة من الميناء التجاري في تأثير «البخارة» على غابات النخيل والزراعات والبقول فقد تضررت الفلاحة وخاصة في بوشمة الشرقية من قربها للميناء فأحرقت الانبعاثات الغازية منتوجاتنا و لك ان تعاين بنفسك ما لحق الفلفل والرمان والنخيل من اضرار جلية للعيان وقد سبق ان جاءت لجنة مشتركة بين ممثلين عن الميناء وخبراء فلاحيين لتحديد الاضرار الناجمة عن الانبعاثات الغازية والتلوث واقرت المحكمة حقنا في تعويض ما لحق غاباتنا وفلاحتنا من خسائر ولكننا الى حد الان لم نتحصل على شيء. صعوبة الترويج ويضيف رشيد المسعودي «ومن ناحية أخرى نواجه اشكالية ترويج منتوجاتنا في الاسواق المحلية و اسواق الجهات القريبة ويمكن ان نفسر احجام تجار الولايات المجاورة عن التزود بمنتوجاتنا بخوفهم من تلوثها فتبقى غابة النخيل محملة «بعراجينها» ومع اول قطر تتعرض الثمار للتلف فيضطر الفلاح الى قطعها وتقديمها علفا للحيوانات فيذهب تعب ومصاريف سنة كاملة هباء منثورا فتزداد وضعيتنا تأزما، وما يزيد من تعميق الاشكالية تلاعب «القشارة» باقواتنا في ظل غياب رقابة صارمة فتراهم يستقبلون المنتوج ويكدسونه في مخازنهم ويسوقونه حسب اهوائهم ويفرضون على الفلاح اسعارا بخسة او يطالبونه برفع منتوجه فحبذا لو نتمكن من تكوين هياكل وتجمعات مهنية تساعدنا على ترويج منتوجنا وعدم الرضوخ «للقشارة» واغلب الفلاحين مستعدون للمساهمة في مصاريفها ومتطلباتها ما دامت ستعود بالنفع عليهم». تحولات اجتماعية الى فترة غير بعيدة كان المجتمع القابسي مجتمعا غابيا تحتل غابة النخيل في حياته قطب الرحى باعتبارها مورد الرزق الاساسي فتعمل المرأة في الغابة الى جانب زوجها الا انه وفي السنوات الاخيرة كما يقول الفلاح الصحبي الحاجي «هجر القابسي نخلته وتركها نهبا للسوقة يقيمون بها جلساتهم الخمرية ويحولونها الى مصدر ل «اللاقمي» واصبح من المستحيل على الفلاح اصطحاب زوجته وأبناءه الى الغابة لاعانته على اعمال الفلاحة وزاد التلوث في الابتعاد عنها وهجرها فلم تعد النخلة تعطي صاحبها ما يغطي المصاريف التي يتكبدها على امتداد سنة كاملة وقد اصبح الوضع الذي تعيشه الغابة خطيرا فعلا و ينذر باندثار النخلة...رئة الجهة» مصاريف ولا أرباح صعوبة ما يعانيه الفلاح في قابس يذهب اليه كذلك علي مرزوق مؤكدا انه «يخسر الكثير من المصاريف على غابة نخيله من حرث وتنظيف و«ذكار» و«جردان» وسقي و غيرها من المصاريف لينزل عليها بعد ذلك «الامونياك» فيحرقها ويذهب باتعابه وهو ما جعل العديد من الفلاحين يهجرون غاباتهم ويتركونها بورا تجنبا لمصاريف لا تؤتي اكلها واذا سلم المنتوج من آفة التلوث جابهت الفلاح مشكلة اخرى أصبحت عويصة ولم يجد لها حلا وهي ترويج منتوجه خاصة وانه سريع التلف ويتطلب ترويجا واستهلاكا سريعا ولعل ذلك من اسباب عدم اقبال المزودين والتجار على التعامل مع هذه النوعية من البلح فيكون الفلاح المتضرر الاول ومن ورائه غابة النخيل ولا نرى من حل سوى انشاء تجمعات مهنية تساعد على انتاج تمور وبلح بجودة عالية وتساعد على ترويجه» تراجع انتاج الرمان يعود تراجع انتاج الرمان كما يذهب الى ذلك كمال الخليفي رئيس مجمع التنمية الفلاحية ببوشمة الى ان «المصالح الفلاحية لم تعتن هذه السنة بالرمان كما هو الحال في السنة الفارطة التي كان انتاجها قياسيا وانجر عن نقص العناية انخفاض الانتاج الى الثلث بالاضافة الى انتشار ظاهرة سرقة الرمان قبل موعد قطافه الذي لا يكون قبل 10 و15 أكتوبر وقد حاولنا في السنة الفارطة ترويج منتوجاتنا في الاسواق الخارجية ولكننا اصطدمنا بشروط مجحفة وتعجيزية من المصدرين كدنا معها ان نخسر ما لدينا في المخازن من كميات كبيرة من الرمان بعد ان بقي اكثر من اسبوع فاضطررنا الى بيعه باسعار بخسة فالحل اذن حسب رأيي يتمثل في انشاء هياكل تجمع الفلاحين وتساعدهم على تطوير منتوجهم ليتمكن من المنافسة في الاسواق العالمية خاصة وان لنا علاقات باطراف ماليزية وليبية والمانية ترغب في ترويج «رمان قابس» كما توفر هذه الهياكل من ناحية ثانية الدعم الضروري والتكوين اللازم وتحرس منتوجات الفلاحين من السرقة. وللمحافظة على غابات الرمان من التهرم فلا بد من تجديدها و تساهم المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية و مجمعات التنمية الفلاحية سنويا بغراسة مشاتل جديدة من الرمان والزيتون لتعويض ما يهرم منها او ما يموت بفعل التلوث الذي قضى على عدد كبير من الاشجار عموما و بقيت غابات النخيل والرمان والزيتون تقاوم هذا التلوث وتمد الاهالي بالغلة من ناحية وبالهواء النقي من ناحية ثانية فاذا انتهت هذه الغابات انتهت الفلاحة في قابس ومن بين المشاريع الجديدة التي يمكن ان تساهم في تطوير الفلاحة مشروع انشاء سواقي اسمنتية بتمويل ياباني تبلغ تكلفته مليارين سينطلق السنة المقبلة (2011) لتجديد سواقي الري وترميمها للمحافظة على الثروة المائية من ناحية و التعجيل بنسق الدورة المائية لتصبح 11 يوما بعد ان كانت 22 يوما حاليا وسيتمتع بهذا المشروع 400 فلاح ومثل هذه الاجراءات الى جانب العمل على الحد من تاثير التلوث يمكن ان تساهم في تطوير الانتاج ليعود كما كان سابقا»