هل سرق مارك زوكربرغ فكرةَ «الفيس بوك» من زملائه في جامعة هارفارد لمجرد أنه حاول أن ينتقم من حبيبته السابقة، أو على الأقل يُشعرها بأنه مميز وليس نكرة؟، وهل ابتكر أشهر موقع اجتماعي لمجرد أن يضيف حبيبته السابقة إلى قائمة أصدقائه؟. سؤالان سعى صناع فيلم «الشبكة الاجتماعية the Social Network» الى الإجابة عنهما خلال الأحداث، ليكشفا أسرار الموقع الاجتماعي أمام رواده، بل إنهم انحازوا في السيناريو إلى فكرة أن مارك قد سرق بالفعل فكرة «الفيس بوك»، وأنه لولا ذلك ما اضطر إلى دفع تعويض للأخوين ونكلفوس اللذين ادعيا أنهما أصحاب الفكرة. لماذا اختار السيناريو أن يبدأ الفيلم من خلال مشهد حواري طويل بين مارك وحبيبته أريكا؟ لأنه ببساطة أراد أن يشرح لنا طبيعة شخصية مارك. إنه شاب دون العشرين من عمره، يدرس علوم الكومبيوتر في جامعة هارفارد، ويتحدث 500 كلمة في الدقيقة، ويعمل عقله بذكاء وسرعة أكثر من أي شخص عادي. على المستوى النفسي والشخصي؛ أظهر الفيلم مارك وكأنه أحمق، وفي نهاية المشهد يكون المتفرج قد اقتنع مثلما اقتنعت إريكا بأن مارك لا يستحق أن يكون الشاب الذي ترتبط به، وتقرر تركه، فيذهب إلى غرفته، ويقوم بشتمها على مدونته. في نفس الليلة؛ ابتكر مارك موقع تسلية على شبكة جامعة هارفارد من أجل الاختيار بين أكثر فتيات الجامعة سخونة، ليس ذلك لأن الأمر مثير جنسيا، ولكن -على حد قوله- لأن الإثارة تكون على أشدها عندما تقارن بين فتاتين معروفتين بالنسبة إليك!. وفي اليوم التالي يكون قد دخل الموقع 22 ألف شخص، مما يلف نظر الأخوين ونكلفوس له، وهما طالبان استثنائيان بالجامعة؛ لأنهما متفوقان علميا ورياضيا، إضافة إلى أنهما ابنا أحد أشهر المحامين الأمريكيين. هنا يكشف السيناريو عن جزء جديد من شخصية مارك، وهو الحقد الطبقي الدفين في داخله، فهارفارد هي أعرق جامعة أمريكية، وتضم عددا من النوادي الاجتماعية التي من الصعب على طالب نكرة مثله أن ينضم إليها. إن مارك كما نراه شاب ضعيف البنية، لا يجيد التواصل الاجتماعي، ويعاني من حقد طبقي، كما أنه «مهجور عاطفيا» من الفتاة الوحيدة التي أحبها.. هذه هي ملامح الشاب الذي أطلق أشهر شبكة تواصل اجتماعي في العالم. «فلاش باك» أحداث الفيلم تدور من خلال «فلاش باك» متوازٍ عبر حدثين؛ أولهما القضية التي رفعها الأخوان ونكلفوس على مارك بحجة سرقة حقوق الملكية الفكرية للفيس بوك، والثانية التي رفعها إدواردو سفارين زميل مارك وشريكه ومموله للحصول على نسبته من الشركة. هذا الفلاش باك منح المخرج حرية الحركة داخل الحكاية وخارجها دون الإخلال بالتطور الزمني للأحداث، أي منذ تعرف مارك على فكرة الشبكة الاجتماعية وحتى أطلقها واستطاع أن يحصد مليون مشترك في عام واحد. هذه الحركة في الزمن سواء عبر الفلاش باك أو المونتاج المتوازي بين القضيتين استدعت أن يكون مع المخرج «مونتير» محترف قادر على ضبط إيقاع المشاهد واللقطات لأنه في بعض الأحيان كان السؤال يتم طرحه في الحاضر، وتأتي الإجابة عنه بمشهد «فلاش باك» من الماضي. وينتهي الفيلم بما يدعم فكرة التعارف والصداقة؛ وهو جلوس مارك أمام «بروفيل» إريكا على «الفيس بوك» وطلب إضافتها إلى قائمة أصدقائه، فرغم أنه حقق 25 مليار دولار ربحا من وراء «الفيس بوك»، ودفع 65 مليون دولار كتعويض لأصحاب الفكرة الأصليين؛ إلا أن المكسب الحقيقي من وراء كل هذا هو أن تضيفه الفتاة الوحيدة التي أحبها، وكأن العالم قد خلق من أجل فتاة!. «الجنس والمال» هذا الطرح «الفلسفي» يشتبك مع طرح آخر اجتماعي وأخلاقي يناقش الكثير من أفكار المجتمعات الحديثة؛ فرغم التطور المعنوي والتكنولوجي لا يزال البشر يتمحورون حول شيأين «الجنس والمال»، وكلاهما حاضر بقوة في الفيلم، فأغلب نقاشات مارك وأصدقائه تتركز حول كون الهم الأساسي لأي شبكة اجتماعية انطلقت على الإنترنت هو أن يتعرف الشبان على الفتيات، ويمارسون معهم الجنس؛ وهو السبب الرئيسي وراء انتشار شبكة «الفيس بوك» في العالم قبل أن تصبح له قيمة مادية. ويعترف الجميع بهذه الحقيقة، بل ويؤكد عليها الفيلم من خلال مشاهد جنسية تجمع الشبان بالفتيات من خلال التعارف على «الفيس بوك». أما المال؛ فهو المحور الثاني الذي يدور حوله الصراع بين إدواردو ومارك من ناحية، وبين إدواردو وشون بيكر من ناحية أخرى؛ حيث يريد إدواردو أن يجلب إعلانات للموقع، بينما يريد شون أن يستغله للاستثمار، في الوقت نفسه لا يعني مارك من كل هذا سوى أن يطفئ نار حقده الطبقي، وأن تعلم إريكا عنه أنه صار مليارديرا مشهورا.