اسرائيل لا تريد تسوية. وكل مواقفها تؤكد ذلك باستمرار، وآخر تلك المواقف، ما قدمته من شروط جديدة بعد قبول الادارة الامريكية منحها ضمانات اضافية إذا ما قبلت تجميد الاستيطان لمدة ثلاثة اشهر بما يسهل استئناف عملية المفاوضات. اسرائيل لا تريد التفاوض أو التنازل، أو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية. وعبثا يحاول المحاولون، من عرب وأوروبيين او أمريكيين، دفعها لاستئناف المفاوضات و الالتزام بتحقيق تسوية، تضمن الحد الادنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية. وفي حقيقة الامر، لا تواجه اسرائيل ضغطا حقيقيا من شأنه أن يثنيها عن تعنتها و تسويفها و مماطلتها. العرب أوكلوا مهمة الضغط الى الادارة الامريكية، بل إن البعض منهم بات يرى أن عدم قبول الطرف الفلسطيني باستئناف المفاوضات دون شرط، سيجعل اسرائيل تواصل الاستيطان. واسرائيل بصدد مواصلة الاستيطان في أشكاله المختلفة، دون حاجة الى مبرر. والعرب أعطوا الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة فرصا متتالية متنازلين في ثوابتهم وفي كل محطة، أكثر فأكثر. والعرب، في تفاوضهم مع اسرائيل، تعاملوا مع تعنتها ومماطلتها، دون استراتيجية حقيقية تحفظ الثوابت والحقوق، وتحدد السقف الذي لا يمكن النزول تحته. كما تعاملوا مع هذا الكيان على أساس قرار معلن بأن المفاوضات هي البديل الاول والاخير... وأقصى ما يمكن التهديد به بعد حوالي عشريتين من التفاوض العقيم، هو نقل ملف القضية الى مجلس الأمن الدولي. وهم يدركون انهم يخرجون الملف من يد أمريكية الى يد أخرى، أمريكية أيضا، ولكن داخل مجلس الأمن الدولي المنحاز ضد القضايا العربية حتى النخاع... أما الامريكيون، فإنهم لا يضغطون ولا يتصرفون كوسيط حقيقي محايد في نزاع خطير يهدد أمن واستقرار منطقة حيوية لهم و للعالم، انما يتصرفون مع مختلف الادارات الاسرائيلية المتعاقبة كالولد المدلل الذي لا يرفض له طلب، والذي يزيد في التعنت كلما تم تفهم مزاجه في لحظة ما. وربما يعتقد الطرفان الامريكي و الاسرائيلي أن من شأن تأزم الاوضاع و عدم التقدم على طريق الحل، أن يخدم الامر الواقع الاسرائيلي على الأرض، غير أن الانحياز الامريكي و التعنت الاسرائيلي، يقضيان تدريجيا على أي أمل للتعايش مع اسرائيل مستقبلا، كما يرسيان القناعة أكثر فأكثر، بأن ما أخذ بالقوة لا يستعاد بغير القوة.