إن إرساء منظومة إمد وتعميمها على مختلف مؤسسات التعليم العالي في بلادنا لا يهدف فقط إلى توحيد شهائدنا الجامعية مع نظيراتها في البلدان المتقدمة بما في ذلك تيسير تنقل الطلبة أو تسهيل قراءة الشهائد باستخدام نظام الأرصدة، بل إنما هو يرمي بالأساس إلى ربط الجامعة بمحيطها الاقتصادي والاجتماعي بغية توفير يد عاملة ذات كفاءة عالية تستجيب لمتطلبات الجودة التي فرضتها العولمة. وإن كان لزاما على الجامعة التونسية بتقاليدها الأكاديمية الصرفة أن تتأقلم مع شروط المهننة (Professionnalisation)، فإنه من الطبيعي أن يواجه هذا التغيير الجوهري في مهمة الجامعة التونسية بعض الصعوبات خاصة إذا لم يتم إقراره بصفة تشاركية تضمن انخراط العدد الأكبر من الأساتذة، أما إذا أضفنا إلى ذلك التطابق اللاّفت في برامج التكوين بين الاجازات الأساسية والتطبيقية من ناحية وغياب ثقافة الانفتاح على المحيط بما يفعل جديا التربصات المهنية من ناحية أخرى، فإننا لم نعد في حاجة إلى عملية تقييم واسعة للإقرار بهشاشة المسالك التطبيقية الحالية بمختلف المؤسسات الجامعية. في المقابل شكلت المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية بحكم تموقعها الأصلي وخصوصية تكوين المدرسين التكنولوجيين رافدا هاما في ربط وتوثيق الصلة بين منظومة التعليم العالي وسوق الشغل (اتفاقيات الشراكة، متابعة التربصات، التكوين المستمر...)، لذا كان من المنطقي أن تكون المعاهد التكنولوجية أول المنخرطين في منظومة إمد كما وجب استغلال الرصيد الهائل من الخبرة الميدانية في عديد الاختصاصات في تحيين برامج التكوين الخاصة بالمعاهد التكنولوجية وملاءمتها مع حاجيات سوق الشغل، وبالتالي فإن انخراط المعاهد التكنولوجية في منظومة إمد (سبتمبر 2008) وإن أتى متأخرا بعض الوقت، فإنه جاء ليكرس خصوصية المعاهد في التكوين التطبيقي مثلما يدل على ذلك عدد الاجازات ذات البناء المشترك المنجزة حاليا والتي تضمن تشغيلية كاملة للطلبة المنتدبين. إن هذا التوجه وإن دلّ على شيء فهو يدلّ على أن المهنيين تفاعلوا إيجابيا مع تمديد فترة التكوين (من 5 سداسيات إلى 3 سنوات) بما يوفر مزيد التربصات ويدعم التكوين العام للذين لا يتسنى دونهما تملك الكفايات الميدانية التي تستوجبها الاختصاصات الدقيقة لسوق الشغل وعليه فإني استغرب ما جاء في الشروق الموقرة بتاريخ 15 أكتوبر 2010 من حيث «شبه الإقرار بأن دمج المعاهد التكنولوجية في منظومة إمد أفقدها خصوصيتها وقلص من تشغيلية خريجيها» والحال أنه لم يتخرج إلى حد الآن أي طالب حامل للإجازة التطبيقية من هذه المعاهد (أول دفعة في جوان 2011). إن الخلط الحاصل بين محتوى ونوعية التكوين في المعاهد التكنولوجية وسائر الجامعات الأخرى وإصرار بعض الأكاديميين القريبين من دوائر القرار على تقزيم خريجي المعاهد التكنولوجية لا يمكن إلا أن يضر بمصداقية العملية التقييمية لمنظومة إمد. ختاما فإن أي تقييم شفاف وموضوعي للمنظومة الحالية لا يعتمد على احصاءات دقيقة من حيث تشغيلية كل مسلك وربطه بمؤسسة التكوين في مختلف الجهات ولا يأخذ بعين الاعتبار رأي أهل الاختصاص من أساتذة ومهنيين من شأنه أن يضر بمستقبل بعض المؤسسات على حساب أخرى ويحرم منظومة الإصلاح من بلوغ أهدافها الاستراتيجية.