الرائد الرسمي.. صدور تنقيح القانون المتعلق بمراكز الاصطياف وترفيه الأطفال    الرئيس الايراني.. دماء أطفال غزة ستغير النظام العالمي الراهن    "حماس" ترد على تصريحات نتنياهو حول "الاستسلام وإلقاء السلاح"    ماذا في لقاء وزير السياحة بوفد من المستثمرين من الكويت؟    القيروان: حجز حوالي 08 طن من السميد المدعم    تصفيات كأس العالم 2026.. الكشف عن طاقم تحكيم مباراة تونس وغينيا الإستوائية    6 علامات تشير إلى الشخص الغبي    هام/ مجلس وزاري مضيّق حول مشروع قانون يتعلق بعطل الأمومة والأبوة    البرمجة الفنية للدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي محور جلسة عمل    ذبح المواشي خارج المسالخ البلدية ممنوع منعًا باتًا بهذه الولاية    عاجل/ قتلى وجرحى من جنود الاحتلال في عمليتين نوعيتين نفّذتهما القسّام    اختفى منذ 1996: العثور على كهل داخل حفرة في منزل جاره!!    شوقي الطبيب يُعلّق اعتصامه بدار المحامي    وزير الفلاحة يفتتح واجهة ترويجية لزيت الزيتون    للسنة الثانية على التوالي..إدراج جامعة قابس ضمن تصنيف "تايمز" للجامعات الشابة في العالم    عاجل : مطار القاهرة يمنع هذه الفنانة من السفر الى دبي    دراسة : المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    هل الوزن الزائد لدى الأطفال مرتبط بالهاتف و التلفزيون ؟    تونس تصنع أكثر من 3 آلاف دواء جنيس و46 دواء من البدائل الحيوية    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    بن عروس: جلسة عمل بالولاية لمعالجة التداعيات الناتجة عن توقف أشغال إحداث المركب الثقافي برادس    العجز التجاري يتقلص بنسبة 23,5 بالمائة    تعرّف على أكبر حاجّة تونسية لهذا الموسم    عاجل/ السيطرة على حريق بمصنع طماطم في هذه الجهة    نبيل عمار يشارك في الاجتماع التحضيري للقمة العربية بالبحرين    الإعداد لتركيز نقاط بيع نموذجية للمواد الاستهلاكية المدعمة بكافة معتمديات ولاية تونس    منطقة سدّ نبهانة تلقت 17 ملميترا من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    أعوان أمن ملثمين و سيارة غير أمنية بدار المحامي : الداخلية توضح    تفاصيل القبض على تكفيري مفتش عنه في سليانة..    سوسة: تفكيك شبكة مختصّة في ترويج المخدّرات والاحتفاظ ب 03 أشخاص    الخميس القادم.. اضراب عام للمحامين ووقفة احتجاجية امام قصر العدالة    كل التفاصيل عن تذاكر الترجي و الاهلي المصري في مباراة السبت القادم    وادا تدعو إلى ''الإفراج الفوري'' عن مدير الوكالة التونسية لمكافحة المنشطات    كأس تونس: تحديد عدد تذاكر مواجهة نادي محيط قرقنة ومستقبل المرسى    فتح تحقيق ضد خلية تنشط في تهريب المخدرات على الحدود الغربية مالقصة ؟    مطار قرطاج: الإطاحة بوفاق إجرامي ينشط في تهريب المهاجرين الأفارقة    الرابطة الأولى: الكشف عن الموعد الجديد لدربي العاصمة    منحة استثنائية ب ''ثلاثة ملاين'' للنواب مجلس الشعب ...ما القصة ؟    أول امرأة تقاضي ''أسترازينيكا''...لقاحها جعلني معاقة    باجة: خلال مشادة كلامية يطعنه بسكين ويرديه قتيلا    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    مدنين: انقطاع في توزيع الماء الصالح للشرب بهذه المناطق    تونس: 570 مليون دينار قيمة الطعام الذي يتم اهداره سنويّا    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    مبابي يحرز جائزة أفضل لاعب في البطولة الفرنسية    برشلونة يهزم ريال سوسيداد ويصعد للمركز الثاني في البطولة الإسبانية    أخبار المال والأعمال    مع الشروق ..صفعة جديدة لنتنياهو    الاحتفاظ بنفرين من أجل مساعدة في «الحرقة»    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عشرات القتلى والجرحى جراء سقوط لوحة إعلانية ضخمة    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رشائيات: من ذكريات الرحباني
نشر في الشروق يوم 03 - 12 - 2010

في الطفولة الأولى كانت أحوال عائلة الرحباني مرتاحة، كان «مقهى الفوا» في عز شهرته والزبائن كثيرين، ورغم أن أبا عاصي كان ذواقة فن فقد كان ينهى أولاده عن تعلم الموسيقى، ويغضب اذا اقترب أحدهم من البزق أوحاول العزف عليه، ولم يكن يهتم بدراسة أبنائه بقدر ما كان يخشى على صحتهم، لذلك كان يقلع عن ارسالهم الى المدرسة في منتصف الربيع ويبقيهم حوله في الفوار. وذات يوم قرر أبو عاصي بيع مقهى الفوار واشترى مقهى صيفيا في منطقة الينابيع وسماه «مقهى المنيبيع»، كان عاصي في الحادية عشرة ومنصور في التاسعة من العمر، كانا قد كبرا كفاية ليساعدا والدهما على خدمة الزبائن، تعلما الصيد ورافقا الصيادين، ومن ناس تلك الفترة ولدت شخصيات سبع ومخول وبو فارس والست زمرد وسائر شخصيات اسكتشات الرحباني الضيعوية. ورغم أن أبا عاصي كان أمياً لكنه كان يحب الشعر وخاصة شعر عنترة وكان يروي قصائد كاملة لعنترة، حتى أنه باع يوماً طنجرة من المقهى ليشتري بها ديوان عنترة بتحقيق ابراهيم اليازجي. وربما كان لذلك تأثير على عاصي ومنصور، فبدآ بقراءة الشعر القديم وحفظه مما ساعدهما في ما بعد على انتهاج أوزان خاصة تتناسب وموسيقاهما، ومما زاد في اتجاهما الى الفن الشعبي وأزجاله، أن الجدة غيتا كانت تحرضهما على قول الزجل وحفظه، وفي أماسي المنيبيع المقمرة كانت العائلة تجلس حول الأب لتغني الموشحات القديمة «لما بدا يتثنى» و«يامن يحن اليه فؤادي» و«يالور حبك» و«زوروني كل سنة مرة» التي أعاد الأخوان توزيعها في ما بعد، وحين غنت فيروز أغنية زوروني كل سنة مرة بالتوزيع الجديد، فوجئ أولاد سيد درويش وخاصة ابنه محمد البحر أن هذه الأغنية للسيد درويش ولم يعرف ذلك الا من الرحابنة، فمن المفارقة أن أغاني سيد درويش كانت شائعة أكثر في لبنان وسوريا أكثر من مصر.
ورغم شدة أبي عاصي في ابعاد الموسيقى وعزف البزق عن أولاده، وقعت حادثة طريفة يسميها عاصي حادثة الكمان، فذات يوم من صيف 38، وجد عاصي ورقة من فئة عشرة ليرات على أرض المقهى، أخذها إلى والده فزجره وقال «هذه لها أصحاب، علقها على الحبل حتى يعود صاحبها فيستردها، وبقيت الورقة ترتعش في الهواء أياماً ولم يأت أحد لأخذها، عندها أخذها عاصي، نسخها على ورقة وعلق النسخة على الحبل من جديد، وأخذ الأصلية ونزل الى بيروت فاشترى كماناً عتيقاً بسبع ليرات ونصف كي يتعلم العزف عليه، وبالبقية ذهب هو ومنصور لمشاهدة فيلم.
وفي تلك المرحلة بدأت مواهب عاصي الكتابية تتفتح، وكانت البداية في مجلة «الرياض» المدرسية، كتب الشعر والمقالات الأدبية والنقد ومشاهد مسرحية وخواطر وجدانية ومسلسلات بالفصحى والعامية، لكن الوالد بقي خارج هذا «النجاح» الصحافي لأنه لم يكن يؤمن بأن هذه الأعمال تطعم خبزاً في المستقبل، اضافة الى أن كل شعر غير شعر عنترة لم يكن يستهويه، كان ما زال ينهى عن البزق، لكنه يعجب برندحات يسمعها له أولاده، وشاء القدر أن لا تبقى محاولات الأخوين متخفية، ففي خريف 38 وصل الى أنطلياس الأب بولس الأشقر الأنطوني وهو مؤلف موسيقي متظلّع ومعروف بأنه حيثما يحل يؤلف فرقة يدربها على الموسيقى والتراتيل، جمع نفراً من شباب الضيعة وكان من بينهم منصور رغم أن صوته كان عادياً، لم يأخذ عاصي لأن صوته بدأ «يرجل» وفي نبرة متوسطة بين الخشونة والنعومة، كان عاصي يذهب مع منصور ويقف قرب الهارمنيوم يراقب وفي قلبه حسرة لأنه لم يتمكن من التعلم. وصادف يوماً أن كان الأب بولس يشرح نظرية «التيتراكود» وكان عاصي يصغي بانتباه وحين فرغ الأب بولس من الشرح سأل التلاميذ ليمتحن مدى استيعابهم، فلم ترتفع أي يد، لكن صوت عاصي أتى من الخلف قائلاً «أنا أعرف يا بونا» فوجئ الأب أن يكون هذا الفتى الواقف بعيداً قد التقط النظرية بذكاء، فدعاه قائلاً «اذا استعدت شرح النظرية سأعلمك الموسيقى» شرحها عاصي فأعجب الأب بولس ومن يومها بدأ يعلم عاصي ومنصور خاصة بعد أن اكتشف فيهما تميزاً عن سائر الرفاق في الجوقة، فانفرد يلقنهما أصول الموسيقى على الأرغن والبيانو. وصار وقت الأخوين كله مبهوراً بالموسيقى في الكنيسة، ولكثرة ما كانا يعزفان على الأرغن والبيانو، ذهب من يشي الى الوالد أن الأولاد حولا الكنيسة الى تياترو، وكان الأب متديناً فهرع الى الكنيسة وانتشل أولاده من ذلك العالم السحري وأعادهما الى الدكان، لكنهما عادا خلسة الى الأب بولس الذي ذهب الى أبي عاصي وطيب خاطره بأن مايقوم به لا يسيء الى الدين فهنأ أبا عاصي على كلام الأب وبدأ التحول في حياة الأخوين الموسيقية، تعلما المقامات الشرقية والأنغام العربية وكتابة النوطة، واطلعا على مراجع موسيقية نادرة في مكتبة الأب بولس مثل الرسالة الشهابية في قواعد ألحان الموسيقى العربية. وكتب الفارابي والكندي. وبقيا يدرسان مع الأب بولس طوال ست سنوات، ووفاء له كانت أول قطعة من تأليفهما معاً هدية في عيد ميلاده، وفي تلك الفترة كان عاصي يلحن وحده قطعاً أو مزامير، ومنصور يلحن لوحده، بدآ في ما بعد التلحين بتوقيع «الأخوين رحباني».
٭ من كتاب بدأت بكتابته رفقة منصور رحباني الله يرحمه وان شاء الله سيتم نشره قريباً


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.