بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي ما إن طالب النائب المسيحي «يواديم كنّه» باستحداث محافظة مسيحية تجتزأ من سهل نينوى، وتكون تابعة للإقليم الكردي إلا وقوبل هذا المطلب التقسيمي بالرفض، ولم نستغرب أن يؤيده الطالباني رغم أنه يحمل لقب «رئيس الجمهورية» إذ أنه لا يخرج من جلده كزعيم قبلي ورئيس لحزب رغم أن نفوذ هذا الحزب آخذ بالتقلّص، وبدلا من تأييد هذا «اليواديم» كان عليه أن لا يبدي رأيا تقسيميا وهو المطالب بالحفاظ على وحدة الوطن على الأقل في القسم الذي أداه. أقول ما إن أطلق يواديم تصريحه حتى تأكد بأن الزعيمين القبليين الكرديين البرزاني والطالباني غير بريئين مما حصل للمسيحيين خاصة في شمال العراق وكثافة قراهم ومدنهم حوالي مدينة الموصل الحدباء أو أم الربيعين كما اصطلح العراقيون على تسميتها، لأن الزعيمين الكرديين لا يتوقفان عن اطلاق تصريحاتهما التي يرحبان فيها بتحول المسيحيين الى مناطقهم وتقديم نفسيهما كحاميين لمسيحيي العراق رغم أنه لا أحد يشكّ بأنهما يريدان تحويل المسيحيين الى و رقة ليست الى الداخل فقط بل الى أوروبا وأمريكا أيضا. ورغم رفض العراقيين لحشر المسيحيين في مكان واحد وهذا ما شبّهه البعض بعقلية «الفيتو» اليهودية التي لم تغادرهم حتى بعد أن شكلوا (دولة) فعملوا على احاطتها بالجدران العازلة التي فرّقت شمل الأسر العربية الفلسطينية واعتدت على القرى والمزارع. لكن من المؤسف أن تصريحات «يواديم كنّه» وجدت من يسمعها، وقد سمعنا أحد الأئمة المعروفين في محافظة ديالى وسط العراق وهو يخطب بالمصلين مطالبا بإقامة إقليم الوسط السنّي على اعتبار أن السنّة هم الخاسرون فالأكراد لهم إقليم والشيعة سيطروا على الجنوب وبعض مناطق الوسط الى آخر هذه النغمة التي وجدتني مضطرّا الى إيرادها بمسمياتها كما تطرح هناك في العراق المبتلى بعد أن غرس اللعين بريمر المحاصصات الطائفية والعرقية في بلد لم يكن مواطنوه يؤمنون بها رغم وجودها في تركيبة المجتمع العراقي حيث كانت المواطنة لا تقاس بمقياس طائفي والدليل أن أسرا وشخصيات كردية مثلا كانت تتقلد أعلى المناصب من رئاسة الوزراء الى الوزراء فالسفراء وكذلك المديرون العامون إضافة الى المواقع القيادية في الجيش كل شيء كان مقبولا ولا أحد يعترض عليه (قادة الجيش من عائلة صدقي والعسكري مثلا من الأكراد وغازي الداغستاني من الأسر الشيشانية وعمر علي من تركمان العراق وكان أحد أبطال الجيش العراقي في حرب 1948 مع الصهاينة) والأمثلة كثيرة. وجاء أحد نواب مجلس المحاصصات الحالي من منطقة الوسط ليدلي بتصريح يؤيد فيه ما ذهب إليه إمام الجامع. هذه الدعوات تأتي في فترة أعيد فيها من جديد طرح موضوع إقليم البصرة بعد أن رفضه البصريون الشرفاء عندما طرح للاستفتاء. إن دستور بريمر الدائم (يسمح) لكل هذه التقسيمات و(أحلام) صغار العملاء بتحويل العراق الموحد الى (ضيعات) بائسة هزيلة ولكم أن تعلموا أن هذا الدستور يسمح لكل محافظة بإرسال من يمثلها في السفارة العراقية بأي بلد من بلدان الدنيا. هل سمعتم بشيء كهذا من قبل، ولكن في دستور العراق المحتل هناك العجب العُجاب. ثم يأتينا القرار الأخير من الحكومة الحالية يمنع بيع الخمور وإغلاق البارات، ورغم أنني لست من زبائن هكذا بارات إلا أن هذا العمل لن يشمل إقليم الأكراد الذي له قوانينه الخاصة به، بل هو يعني المناطق التي تقع خارج الاقليم الكردي، وقد وجدت شخصيا أن عملا هكذا يشكّل اعتداء على الناس. فالذي لا يريد تعاطي الخمور لا أحد يجبره على تعاطيها، ومن يتعاطاها سيبتكر ألف وسيلة لإنتاجها محليا. وهذا قد يعرض حياة الناس للخطر، ثم ان بارات ومطاعم الشراب ببغداد هي جزء من شخصية هذه المدينة المتسامحة المتفتحة قبل أن يسطو عليها الغرباء وأعداء هويتها. كما أن عملا كهذا سيسرّع في هجرة المسيحيين إن لم يكن خارج العراق فإلى المناطق الكردية مادام تعاطي الخمور جزءا من الثقافة المسيحية وأروع الأنبذة المعتقة توجد في مخازن الأديرة المسيحية. كما ان القانون العراقي في عهود ما قبل الاحتلال كان يعطي حق تجارة الخمور وإنتاجها وبيعها الى المسيحيين، وليس هناك بار يديره أو يمتلكه مسلم! والقرار الجديد يحول الآلاف من المسيحيين الى عاطلين عن العمل. إذ هناك مئات الأسر المسيحية تتوزع في مدن العراق ومصدر رزقها بيع الخمر وكلهم يأتون من قرى المسيحيين المحيطة بالموصل. ومن هنا فإن عملا كهذا ليس بريئا بالمرة ويبدو أن ذخيرة الحكام الحاليين لم تنفد بعد، ومازال لدى الحواة أرانب أخرى لم يخرجوها من عبّهم.