...ويسكن فريانة والأراضي التابعة لها إداريا من الشمال والشرق منذ القديم فرِق من أولاد وزّاز الذين هم فرع من قبيلة الفراشيش. ولا شك في أن النواة الأولى لقبيلة الفراشيش من البربر الذين بسطوا نفوذهم على مجال الأرض الذي يشغلونه بعد أن قضى الرومان على القرطاجيين، إذ كان الفراشيش من القبائل البربرية التي تعاطفت مع الرومان في حربهم ضد قرطاج، فاقتسم فرقها الثلاث (أولاد وزاز، وأولاد ناجي، وأولاد علي) الأراضي التي احتلتها عنوة ومساحتها نحو مائة وثلاثين كيلومتر من الشمال إلى الجنوب، وسبعين أو ثمانين كيلومترا من الشرق إلى الغرب. وتجدر الإشارة إلى أن وزّاز وناجي وعلي المشار إليهم هم من جند عقبة ابن نافع الفهري الذي قاد سنة 668م حملة فتح بالأراضي التونسية نشرا للإسلام الحنيف، فأسس القيروان وبنى جامعه بها، وأنفذ هؤلاء القادة إلى جهة الوسط الغربي التونسي بما لبثوا أن تحالفوا تدريجيا مع الأهالي معتنقي الدين الجديد، واختلط أعقابهم مؤلفين قبيلة واحدة هي قبيلة الفراشيش. وأولاد وزاز هم: البعاصة، وأولاد عسكر وأولاد موسى بن عبعوب والفُرضة والزعابة والافيال وأولاد بولعابة والقصارنية. على أن فِرقَ البعاصة والفرضة والزعابة والافيال هي التي لها وجود بارز ودائم في فريانة وفي الأراضي التابعة لها إداريا. ثم وفي أزمنة مختلفة لاحقة استوعبت فريانة داخل ساكنيها عائلات من جهات وقبائل مختلفة، حتى بلغ عدد سكانها سنة 2007 نحو خمس وعشرين ألف ساكن، وقد كانت تعد في سنة 1862 مثلا ستمائة ساكن. التوسّع العمراني أسّس الهرامسة وأولاد سعد في أول الأمر مساكن لهم بالناحية الغربية من القرية الناشئة، في شكل تجمع، جعلوا له سورا من الطين يحمي الدور ومطامير خزن محاصيل الحبوب من السراق والنهابة زمن انعدام الأمن بالبلاد التونسية وقد عُرف تجمعهم هذا ب(البْلد) بسكون الباء وهو ربض سكني ما فتئ يتوسع وتزداد أهميته الأمنية حتى بالنسبة للعشائر البدوية المتواجدة بنواحي فريانة الذين كانوا لكثرة تنقلهم يودعون له الفراينة محاصيلهم من الحبوب للخزن والحفظ بأجر متفق عليه. وببناء جامع سيدي عباس ثم الزاوية أنشئ وتوسّع القسم الشرقي للبلدة بتجمّع عديد المنازل قرب الزاوية وظهور بعض الدكاكين في سوقها الجديد الذي ما لبث أن توسع بجهة الشمال الشرقي أين بنى الفرنسيون ثكنة لهم هناك. شيئا فشيئا تنامت في البلدة أحياء أخرى كحي الأحواش والمحلة (بسكون اللام الأولى والميم) والمحطة، تزامنا مع تزايد الدكاكين بحومة السوق وغيرها بفضل النمو الديمغرافي وحركة البيع والشراء التي جعلت من التجارة رافدا مهمّا لموارد أهل البلدة بعد الفلاحة. وبمرور سكة الحديد على فريانة سنة 1897 وتفطّن الدول الأوروبية الاستعمارية لأهمية نبات الحلفاء الذي تنتجه الجهة طبيعيا في الاقتصاد، استوطن فريانة بعض اليهود والفرنسيين من غير الرسميين، وأسهموا في تنشيط تجارتها وحركة عمارتها فكان أن بنوا عديد الدور والمتاجر التي منها نزل فريانة.