من الأشياء المتوارثة في الدراما العربية تلفزيا وسينمائيا شخصية الشرير ذاك الذي يتميز بالقسوة والشدة ذو الطباع الحادة والمجرد من كل إنسانية، فهو فظ، غليظ القلب، منزوع العواطف. وقد التصق به الشر على امتداد تاريخ الدراما في الوطن العربي ومنذ زمن الأسود والأبيض، حتى بات من شبه المستحيل أن نراهم في غير تلك الأدوار إلا نادرا... أدوار الطيبين والخيرين أصحاب القلوب الرحيمة والبشاشة تعلو وجوههم، بل منهم من لم يكتف بأدوار الشرير وإذا به يضيف إليها لقبا يعزز ما اشتهر به من شراسة وخبث وما إلى ذلك... فمن منّا لم يشاهد وحش الشاشة العربية الممثل العربي الكبير فريد شوقي، وهو يكشّر عن أنيابه ويبطش بأعدائه ومناوئيه بل كنا في شوق لمتابعة أفلامه سواء على الشاشة الصغيرة حين كانت قناة تونس7 تمرّر إلى مشاهديها بعض الأشرطة المصرية الهادفة والمشوقة في سهر السبت أما اليوم فلا سينما ولا هم يحزنون. ومحمود المليجي أحد رؤوس الشر ورموزه هل يغيب هذا الاسم عن ذاكرة البعض منا؟ فكم شاهدناه يتزعم عصابات المافيا والقتل والإجرام والمتاجرة بالمخدرات والتحيّل وتبييض الأموال، وإعداد أوكار «الحشيش» والبغاء إلى غيرها من مرادفات الفساد الأخلاقي والاجتماعي حتى أننا عندما نرى صورته يخيل إلينا منذ الوهلة الأولى أنه شرير وحرامي... فيكفي النظر إلى عينيه والتدقيق فيهما لندرك أنه ولا جدال ينتمي إلى فئة المجرمين المحنكين والمتحرفين. لقد دأب هذا الممثل العملاق طيلة مسيرته الفنية المتقلبة والمليئة بعديد التناقضات والصراعات على تجسيد أدوار الانحراف بكل أنواعه حتى ترسخت في أذهان المشاهدين العرب هيأته وهيكلته وهو عبوس قمطرير يتطاير الشرر من أحداقه، الملامح نفسها بقيت محفورة في ذاكرتنا ونحن نستحضر واحدا من خيرة ما أنجبتهم الدراما العربية طوال الحقبة الماضية ونعني الممثل القدير تفويق الذقن فهذا الفنان المبدع فاق في العديد من الأعمال والمواقف منافسيه في هذا الاختصاص حتى خلنا الشر مجسدا فيه منذ الطفولة، في المقابل أجمع النقاد في مصر وغيرها من البلاد العربية على غرار المرحوم كمال النجمي وكل من عايش هؤلاء وعاصرهم أنهم ممثلون أشبه بالحملان الوديعة في حياتهم العامة لكثرة طيبتهم وإنسانيتهم وقد أجمع هؤلاء أن محمود المليجي هو الأروع في أخلاقه وحبه للآخرين ومما يروى عن هذا الأخير طلبه من الحكام العرب للوقوف بجانب مصر لإعدام اتفاقيات كامب ديفيد والزام بلاده بالتخلي عنها حيث وصفها بوثيقة العار الكبير... في تونس، أشرار لكننا نحبهم وإذا كانت مصر وغيرها من بلدان المشرق العربي عرفت ولادة نجوم من هذا النوع والقبيل فإن تونس لم تكن بمنأى عن هذه المنظومة باعتبار أن لها قدما راسخة في صناعة الدراما التلفزيونية والسينمائية وإن كانت شحيحة. وحتى تكون منح الدعم على «قدر المقام» فقد تقمص أكثر من ممثل دور الشخص المتوحش الشرير، ومن تابع مسلسل «صيد الريم» لعلي منصور خلال رمضان السنة المنقضية قبل إعادة بثه المدة الفارطة. لا بد أنه أعجب أيما إعجاب بالممثل القدير فتحي الهداوي في دور «رئيف» أما الرائع حسين المحنوش فقد كان بارعا أيما براعة في تقمص دور «العاتي» في مسلسل «الدوار» الذي يمثل أجمل الأعمال التي شاهدناها على الفضائية التونسية حتى أن الناس مازالوا إلى اليوم يستحضرون صورا من ذلك العمل الدرامي القيم جدا. عليا لخميري ابن جندوبة ومثقفها الذي عرفناه ممثلا أكثر من ممتاز كان كما عهدناه في دور «نور الدين الأسمر» في مسلسل «عاشق السراب» وتفوقه في تقمص هذه الشخصية قد يصبح صديقنا العزيز علي الخميري أول من يفكر فيه مخرج يبحث عمن يجيد دور «الشرير» ولم يكن صعبا على «الزعيم» هشام رستم أن يؤلب عليه المشاهدين في مسلسل «نجوم الليل» والواقع أن من كان بمثل حرفية هشام وقدرته على التماهي مع مختلف الأدوار لا يعجز أبدا عن تجسيد أية شخصية مهما كانت معقدة أو مركبة فهشام رستم فنان عالمي وهو أيضا مدرسة تقدم الدروس لكل الممثلين دون استثناء. كبير هؤلاء الذي علمهم «الشر» و«القسوة» والغلظة هو الممثل القدير المرحوم الحطاب الذيب الذي كان كل شيء فيه يساعده على تجسيد الشراسة في أبشع مظاهرها. فوجوده ضمن الطاقم التمثيلي يعطي للعمل الدرامي نكهة خاصة لا يقدر أحد على إعطائها للمسلسل لذلك كانت جميع الأعمال التي قدمها الراحل ناجحة. كل هؤلاء الذين أتينا عليهم «أشرار» بحق في التمثيل ورغم ذلك نحبهم ونعشقهم، نعم قد نثور عليهم خلال مشاهدتنا لفيلم ومسلسل ولكن بمجرد الانتهاء من الفرجة ترانا نثني على إبداعاتهم بلا حساب وبراعتهم في الفن الذي يمارسونه... وفضلا عن ذلك فنحن نفرق بين التمثيل والواقع ولا جدال في أنهم طيبون إلى أقصى درجات الطيبة في الحياة فبحكم ما نعرفه عنهم أنهم ممثلون متميزون على مستوى علاقاتهم بالغير وبأسرهم وبوسائل الإعلام... وللأمانة أنه خلال تغطيتنا لمهرجان جندوبة السنة الماضية سألنا فئة من الجمهور عن علي الخميري ودليلة المفتاحي فأجمع كلهم بأن أخلاقهما فوق حدود الوصف والتعبير أما هشام رستم وحسين المحنوش وفتحي الهداوي فلهم من الطيبة والتواضع وحسن المعاشرة ما يعد فخرا وشرفا لنا ولهم...