ما أن يقترب الاحتفال برأس السنة الجديدة، حتى ينطلق موسم التنبّؤات! فإذا الكلّ يقرأ الغيب! وإذا الكلّ يُنجّمُ! وإذا الكلُّ يتبجّح بمعرفة المستقبل وكأنّ المستقبل صفّر له في أُذْنه! استنتاج يفرض نفسه على كلّ متابع للتصريحات الفلكيّة التي يتبرّع بها علينا نجوم التنجيم هذه الأيّام، وكأنّ الغيب فوّضهم للتحدّث باسمه جنبًا إلى جنب مع نوستراداموس! ويبدو أنّ هذه المهنة (أو الهواية) استهوت حتى السياسيّين! وإلاّ فكيف نفهم تنبّؤات أوباما بخصوص السلام؟! وتنبّؤات وليم هيغ بخصوص لبنان والسودان؟! قد يسأل أحدنا: مادامت هذه الحمّى التنبُّؤيّة تنتابنا كلّ سنة، فلماذا لا نتذكّر تنبّؤات السنة الماضية؟ ولماذا لا نقترح وقفة تأمّل لمحاسبة المتنبّئين ومُجابهتم بأخطائهم؟ هنا لابدّ من الإشارة إلى أمرين: الأمر الأوّل أنّ المتنبّئين محترفون في الردّ على المشكّكين. ولو أنّك واجهتهم بالدليل والبرهان، لأقنعوك بأنّهم كانوا على صواب لكنّ المستقبل هو الذي أخطأ! والأمر الثاني أنّ سؤال الحقيقة أصبح جزءًا من الثقافة المهمّشة، التي أقصاها زمنُ التهريج! زمن هبطت أسهم الحيرة والشكّ فيه. أهلُه يبحثون عن اليقين ولو في الوهم. والكاذب المؤمن بأكاذيبه، يبدو لهم صادقًا أكثر من الصادق المتشكّك في حقائقه!!