تنتهي يوم 31 أوت السهرات السينمائية لمهرجان قرطاج الدولي بعد ان انتهت السهرات الفنية يوم 22 أوت وهي سهرة الاختتام بتكريم الراحلة والمأسوف على شبابها ذكرى محمد. دورة 2004 رافقها جدل كبير حول نجاعة اختيار التعاقد مع «روتانا» التي فرضت نجومها علىإدارة المهرجان بمقابل مادي ارتأت إدارة المهرجان أنه لا غنى عنه لمجابهة المصاريف الكبيرة التي تتحملها الوزارة كل عام في تنظيم دورات المهرجان الذي يبقى من العلامات المميزة تونس بما تمثله من رصيد حضاري ومن دور كبير في تنشيط الحوار بين ضفتي المتوسط. اجتهدت إدارة المهرجان في هذا الاختيار لكنه كان اختيارا غير موفق في جزء كبير منه إذ أفقد المهرجان قيمته الثقافية وحوّله لمجرد ركح يعتليه نجوم كل رأس مالهم الدعاية والكليبات إذا استثنينا كاظم الساهر وقد تبين هذا الخواء الثقافي من خلال «المعارك» بين النجوم التي لم تقتصر على الكواليس بل ظهرت بعض تداعياتها حتى على الركح في سهرة نور مهنا وباسكال مشعلاني مثلا. فهل المطلوب من المهرجان هو الربح بغض النظر عن المضمون الثقافي الذي ميز مهرجان قرطاج طيلة تاريخه؟ أعتقد أن هذا سؤال مركزي والاجابة عنه تحدّد مضمون المهرجان فإذا كانت الوزارة حريصة على الطابع الثقافي للمهرجان فلابد من اعادة النظر كليا في تصور المهرجان وأهدافه ومضامينه اما إذا كان المقصود منه التنشيط والربح المالي فإن اختيار نجوم روتانا رهان صائب وممتاز اما إذا كان المقصود من المهرجان هو استقلال الرصيد الحضاري لقرطاج ومسرحها وتدعيم سمعة تونس الثقافية في العالم فإن إدارة المهرجان لم توفق في هذه الدورة الا بنسبة ضئيلة جدا إذ ان العروض التي تندرج في هذا السياق قليلة منها اروا من كندا والفلامنكو الاسباني وروزا سركوزا من اسبانيا إلى جانب بعض السهرات السينمائية التي يبقى التساؤل عن جدواها إذا اعتبرنا أزمة القاعات خلال الموسم الثقافي تساؤلا منطقيا. الفن التونسي وخلافا لكل الدورات السابقة تميّزت دورة 2004 بغياب المطربين والمسرحيين التونسيين.. ففي الغناء اقتصرت الادارة على اختيار ثلاثة مطربين تونسيين هم الهادي حبوبة وعلياء بلعيد وأمينة فاخت وهو عدد كان من المفروض أن يكون أكثر أما سهرة الافتتاح والاختتام فقد خصّصت للاحتفال بعلمين خميس ترنان وذكرى محمد وكلاهما غادرنا وأعتقد ان هذا الاختيار الذي اتبعته الوزارة منذ فترة: الجموسي علي الرياحي تحت السور الجويني.. لابد من مراجعته لأن الأحياء أولى بالتكريم إضافة إلى ان هذه الأعمال تنتج بعشرات الملايين ثم تقبر بعد عرض أو عرضين. ويبقى غياب الأعمال المسرحية عن مهرجان قرطاج سؤالا كبيرا فإذا كانت أغلب المسرحيات التونسية تجريبية ولا تصلح لركح قرطاج فإن مسرحية: أحبك يا شعب مثلا لعبد القادر مقداد جديرة بمهرجان قرطاج وكذلك مسرحية: حسونة الليلي لصابر الحامي وكلاهما من انتاج مؤسسات الوزارة كما نتساءل لماذا تخلت إدارة مهرجان قرطاج عن استضافة الأعمال العربية الكبرى مثل أعمال الرحابنة وأحدثها «حكم الرعيان» فمهرجان قرطاج الدولي كان دائما على موعد مع الأعمال الكبيرة وإذا كانت تكلفتها غالية فبالامكان التقليص من عدد المطربين العرب لخلق التوازن في البرمجة فحضور نجوم الغناء ضروري في قرطاج لكن المشكلة حين يلغي حضورهم أي لون آخر من الفن فالفشل الكبير لمهرجان قرطاج الدولي لهذا الصيف هو إنعدام التوازن في البرمجة. إعادة نظر ورغم هذه النقائص والثغرات التي تبدو للمتمعن في برنامج الهرجان وتاريخه فإن الجمهور له رأي آخر إذ حققت سهرات المهرجان أو الأصح أغلب سهرات المهرجان عددا كبيرا من الجمهور وهو ما يطرح سؤالا مركزيا حول مقاييس النجاح. فالجمهور ليس مقياسا للنجاح وان كان لابد منه كمتقبل للفن وللانتاج الثقافي فالمهرجانات أيضا قادرة على تربية الذوق وخلق التقاليد في الفرجة والاستماع.. وفي الأخير لابد من مراجعة جوهرية لمهرجان قرطاج الدولي حتى لا يتحول إلى قاعة أفراح في معلم تاريخي في الهواء الطلق.