التحفت بالسواد وقد احمرّ بياض عينيها وتورّم جفناها من حرقة الدموع وهجر النوم وكانت تتأفّف بين الفينة والأخرى وكأنها تنبّأت بقرب حلول الكارثة هكذا كان حال والدة الطفل المفقود عمر الذي اختفى فجأة مخلفا وراءه تساؤلات عدة.. لحظات فقط قبل أن تتلقى خبر الفاجعة التي اهتزّ لها كافة متساكني منطقة شبدّة أبدت لنا السيدة سعيدة الرياحي (والدة عمر) التضارب في احساسها الذي تعيشه منذ فراقها لابنها بين أمل رجوعه الى أحضانها شأنه شأن الرضيعة «سارّة» و«منتصر» وبين احتمال فقدانه الى الأبد على غرار الطفل «ربيع» الذي قتلته إحدى النفوس المريضة في غضون الأسبوع الفارط بمنزل بورقيبة. تلك هي اللحظات التي واكبتها «الشروق» قبل دقائق من بلوغ الخبر اليقين، خبر العثور على جثة عمر في قاع بئر عميقة تبعد عن محل سكناه حوالي كيلومترين اثنين وقد بدت عليها آثار التعفّن. انتفضت والدة «عمر» فجأة من مكانها غير مصدقة لعبارة ردّدها أحد أقربائها بعد أن جثا على ركبتيه قائلا: {إنَّا للَّه وَإنَّا إلَيْه رَاجعُونَ} وأخذت تلطم وجهها حينا وتضرب صدرها حينا آخر وتصيح بأعلى صوتها وقد التفّ حولها حشد كبير من النساء فاختلطت أصوات العويل بالنحيب حتى بات مشهدا تقشعرّ له الأبدان. أما «فاتن» فقد احتضنت صورة صغيرة لشقيقها تقبّلها تارة وتضمّها الى صدرها طورا آخر مردّدة العبارة ذاتها: «خويا صغير آش عمل» ثم أطلقت عقيرتها بالصياح بعد أن احتضنت والدتها لتسقطا معا مغشيا عليهما فيتم نقلهما الى المستشفى. «فردة الشلاكة» كشفت الجثة أمام غياب «عمر» تظافرت الجهود للبحث المتواصل في كامل أنحاء منطقة شبدّة وما جاورها ليعثر أحد أفراد عائلته مساء أول أمس داخل احدى الضيعات على «فردة شلاكة» تمّ التعرّف عليها من كونها تابعة لعمر فتمّ اعلام أعوان الأمن الذين انتقلوا على عين المكان مرفوقين بكلاب حراسة وقاموا بعملية تمشيط للمكان فلفحتهم رائحة كريهة تنبعث من بئر عميقة مهجورة بالمنطقة وبإعلام أعوان الحماية المدنية انتقل فريق منهم مختصّ في الغطس ونزلوا الى قاع البئر بعد عملية شفط لكمية من المياه الراكدة داخله فعثروا على جثة عمر وقد بدت عليها آثار التعفّن. وبحضور ممثل النيابة العمومية بابتدائية بن عروس وأعوان الحرس الوطني بنعسان وأعوان الشرطة الفنية والعلمية أجريت المعاينة الموطنية للجثة ومكان تواجدها قبل نقلها الى قسم الطب الشرعي بمستشفى شارل نيكول لعرضها على التشريح والتأكد من سبب الوفاة، فيما تعهدت الفرعية للقضايا الاجرامية بالبحث في ملابسات هذه القضية التي خلفت نقاط استفهام عديدة لدى كافة متساكني الجهة حول السبب الحقيقي للوفاة إن كانت فعلا ناتجة عن غرق عمر داخل البئر والتي استبعدها أهالي الجهة لبعد البئر عن مقر سكناه أم أن الوفاة كانت بفعل فاعل ووجود جثة داخل البئر انما فيه تضليل ومحاولة طمس لآثار الجريمة. شكوك حول الوفاة مثلت وفاة عمر لغزا محيرا أرهق تفكير أهالي منطقة «شبدّة» الذين استبعدوا امكانية ذهاب «عمر» بمفرده الى ذلك البئر خاصة أنه لم يسبق له أن غادر منزل والديه بمفرده حيث يقول السيد عبد القادر الرياحي ابن عمّ الضحية بنبرة حزينة: «بأي ذنب قتل عمر لا يمكنه الذهاب بمفرده الى ذاك المكان المهجور فحتى لعبه كان يقتصر على بضعة أمتار عن المنزل». يصمت محدثنا قليلا متجولا بنظراته بين ثلّة من الأطفال كانوا مجنّدين أمام الباب الرئيسي لمنزل رفيقهم الراحل وقد رسمت على وجوههم علامات حزن وأسى لفراق قرينهم ثم أشار الى أحدهم ويدعى «نادر» قائلا إنه الصديق الحميم لعمر، اقتربنا منه فلمسنا في نظراته البريئة تساؤلا عما يحدث من حوله، سألناه عن صديقه عمر فأجابنا بصوت خافت «يوم الحادثة لعبنا معا ثم تركته ودخلت منزلنا لتناول الغداء وعند رجوعي لم أجده ولا أعرف أين ذهب». أما السيد حسين الرياحي (47 سنة) وهو خال الضحية فقد أكد لنا بنبرة حادة فيها من الغضب الكثير بأن وفاة عمر كانت بفعل فاعل وأن مثل هذه الأفعال الشنيعة وراءها مجرمون خطيرون لا بدّ من الوصول إليهم. تشكيات في خضم الفاجعة وأمام هول الكارثة التي حلّت بهم أبدى أهالي «شبدّة» خوفهم من إمكانية تكرّر مثل هذه المأساة معربين عن معاناتهم اليومية من مشاكل «البراكاج» والسرقة وطالبوا بضرورة تدخل السلط المعنية لإنشاء مركز أمن بالمنطقة مع ضرورة تكثيف الدوريات الأمنية لضمان سلامة متساكني الجهة.