«لا تخافي يا أمي، سأذهب لأحرس الحي مع بقية الأهالي... وحتى إن أصابني مكروه فسأموت شهيدا» بهذه العبارات الموزونة التي تنمّ عن إحساس رجولي قد تلحّف بوازع الوطنية، ودّع الشهيد عادل المانع الحنشي (32 سنة) صبيحة الأحد 16 جانفي 211 والدته السيدة بشرى التي كانت كسائر بقية النسوة خائفة على فلذة كبدها من رصاصة طائشة قد تصيبه في خضمّ ما تواتر حينها من أخبار وشهادات حيّة عن وجود عصابات مسلّحة لا يتورّع أفرادها عن الحاق الأذى بكل من أعترض سبيلهم من مواطنين أبرياء، لكن حصل ما كانت تخشاه السيدة بشرى وبقية أفراد اسرتها حين تلقوا في صبيحة نفس اليوم خبر إصابة ابنهم برصاصة غادرة في رأسه كانت كافية لتزهق روحه الطاهرة وتضيف رقما جديدا لقافلة شهداء ثورة الياسمين. «الشروق» زارت بيت الشهيد عادل في أحد أحياء منطقة الكبارية جنوب العاصمة وسط أجواء خيّم عليها الحزن المطبق وقد لمسنا ذلك في أول مصافحة مع بعض الأجوار الذين بدا أسفهم واضحا على رحيل أحد أبناء الحي ممن عرفوا بدماثة اخلاقهم وحسن معشرهم. رغم طبيعة الزيارة وظروفها فقد استقبلنا والد الشهيد السيد المانع الحنشي (عون بلدي متقاعد) الذي تحامل على مشاعر الحزن وسرد علينا تفاصيل ما حصل لابنه حيث ذكر لنا انه في صبيحة يوم الاحد 16 جانفي استفاق على صراخ بعض اصدقاء المرحوم الذين هرعوا لإخباره بنبإ وفاة ابنه وبمجرد تحوّله الى المكان الذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن منزله وجد ابنه ممدّدا على الأرض وسط بركة من الدماء وبجانبه كان قاتله موثوق اليدين تحت حراسة مشددة من أهالي الحي. وأضاف السيد المانع قائلا: «لا يمكن ان أصف الحالة النفسية التي كنت عليها وأنا أشاهد ابني في تلك الوضعية لم أقوى على فعل شيء ارتعدت فرائصي وارتعشت أطرافي توجهت مباشرة لقاتل ابني الذي حال دوني وإياه الأجوار وصرخت في وجهه «شنوّه عملّك ولدي يا... علاش قتلتو؟». لكنه لم ينطق بحرف واحد وواصل النظر اليّ حتى وصلت وحدات الجيش وتسلّمته من أيدي الأهالي. «ابني اعتبره شهيد هذا الوطن، وإن كان يصعب علينا فراقه فإن وفاته وهو يدافع عن هذه الارض الطيبة كانت بمثابة البلسم لجروحنا» بهذه العبارات قطعت والدة عادل السيدة بشرى صمتها وتحدثت الينا بنبرة الأم الملتاعة حيث قالت «عادل غادرنا على حين غفلة بعد ان قطعت انفاسه رصاصة غادرة، لقد كان يستعد حثيثا لاتمام مراسم زواجه بعد اشهر قليلة بعد ان عقد قرانه قبل فترة قصيرة، عادل بالنسبة الينا هو العائل الوحيد فالأب متقاعد والراتب الذي يتسلّمه لا يكفي مؤونة أسبوع فقط بالنسبة الى عائلة وافرة العدد وجميع الابناء عاطلين عن العمل، نحن نعيش ظروفا اجتماعية صعبة وكل الخوف ان تتأزم وضعيتنا أكثر بعد رحيل عادل... سامح الله من كان السبب. العائلة الحاكمة والرئيس المخلوع يفرّون بالأموال ونحن نتحمّل تبعات ما اقترفوه». ويتدخل السيد جلول المانع شقيق المرحوم والذي كان شاهدا على بعض تفاصيل ما حدث حيث ذكر انه كان متواجدا غير بعيد عن مكان الحادثة بصدد حراسة احد المفترقات المرورية حين استمع الى طلق ناري ثم سرعان ما انتبه الى ان شقيقه قد كان المستهدف ولمح عن بعد القاتل وهو يشهر مسدسه فلحق به. وبجرأة كبيرة انقضّ عليه وحاول افتكاك المسدّس وكان من الطاف الله ان بعض الرصاصات قد انطلقت في الهواء ولم تصبه وبحكم التحاق بعض الاهالي فقد تمكن جلول من شلّ حركة القاتل والسيطرة عليه قبل شد وثاقه بحبل الى حين قدوم وحدات الجيش. وقد روى على مسامعنا ان القاتل قد ترجّل قبل ذلك من سيارة إسعاف تحمل لوحة منجمية سوداء بغاية قضاء شأن خاص ليجد نفسه حسب رواية بعض الشهود في مواجهة مباشرة مع شقيقه الذي ارتاب في الامر لكن القاتل باغته وأمسكه من عنقه ثم صوّب فوهة مسدسه على ناظر شقيقه وأطلق الرصاص عليه فأرداه قتيلا. ويضيف جلول «لقد تسلّحت في تلك اللحظة برباطة الجأش وأحكمت العقل عوضا عن ردّة الفعل والانتقام وحرصت ان يبقى قاتل شقيقي على قيد الحياة حتى ينال جزاءه وتنتزع منه اعترافات قد تفيد الجهات الامنية للقبض على ما تبقى من هذه العصابات المسلّحة..». ظروف اجتماعية صعبة يكفي ان ننظر الى الوجوه والى جدران المنزل الصامتة وغرفة المرحوم عادل لندرك من دون الحاجة الى أي تعليق حقيقة الوضع المادي الصعب الذي تعيشه عائلة السيد المانع الذي رجانا ان نبلّغ صوته عبر جريدة «الشروق» الى المسؤولين في الدولة للنظر في الوضعية الاجتماعية لعائلته التي قد تتأزم أكثر بعد رحيل العائل الوحيد لها... وقد أمدّنا السيد المانع قبل مغادرتنا بنسخة من بطاقة علاج صحي على ملك القاتل التي تدلّ صفته على أنه ضابط شرطة وتحمل صورته.