قد تتواصل عواصف الاحتجاجات والاعتصامات في الحوض المنجمي... وقد تركع شركة الفسفاط والحكومة الوقتية لمقترحات المنجميين من المطرودين عن العمل والمعطلين الذين دفعوا ضريبة قمعهم واقصائهم وتهميشهم الكثير قبل ثورة 14 جانفي الخالدة التي كانوا قد أشعلوا شرارتها وفتيل نيرانها منذ 2008 خاصة أن بعض الأطراف النزيهة و«غيرها» أيضا تسعى الى البحث عن حلّ سريع يساهم في عودة نشاط شركة الفسفاط الى الوضع «الطبيعي» خاصة أن الدورة الاقتصادية في البلاد ككل تفقد المليارات في «تعطيل» العمل لمدة يوم واحد فما بالك بالاسابيع وربما الامتداد وإدراك الشهر وأكثر. مثل هذه الوضعية لانقاذ الموقف الصعب فإن البعض الآخر يصرّ على مزيد الاحتجاج ومواصلة الاضراب والاعتصام وذلك بسبب انعدام الثقة وعمق الجرح الذي يشكونه على مرّ السنين والذي تركب صهوته بعض الاطراف لتخلف عنصر المزايدات فيه قبل الاستفادة منه بصفة شخصية دون أن تتجاوز المسألة الحلول الترقيعية وبعض المسكنات والوعود الوهمية الكاذبة سيما وأن التجارب كانت قد ترجمت ذلك لتتغير أسماء الاطراف المتدخلة فقط وتبقى الظروف على حالها حينا وأحيانا أخرى تتغير بقرارات الوعيد والتصفية والاقصاء حين تهدأ الأوضاع. جهة محرومة ومنسية؟! وإذا تم تقسيم ولاية قفصة في السبعينات الى ثلاث ولايات (قفصة وسيدي بوزيد وتوزر) فإن الظروف الحالية أصبحت أعسر على أكثر الواجهات لتجبر السلطة على اعادة النظر في الخريطة الجغراسياسية والجغرا اقتصادية وبالتالي الجغرا إدارية ومن خلالها يتم بعث ولاية بالمناجم قد تكون أكبر من بعض الولايات الحالية على غرار ڤبلي وتوزر الشامختين وغيرهما سيما وأن الحوض المنجمي ظل وعلى مرّ السنين منسيا ودون أي اهتمام ولا مبالاة لخصوصياته ولمجهودات أبنائه ولثرواته الباطنية التي ظلت مستغلة ولا حتى لكفاءاته وطاقاته الشبابية وغيرها مما جعل هذه المناجم مهمشة الى أبعد الحدود بسبب ا لسلطة الوطنية وأيضا الجهوية التي أكّدت أنها لا تريد الخير ولا الصحوة ولا حتى التنمية لمناطق المتلوي والرديف وأم العرائس والمظيلة التي قزموا حتى تعدادها السكني وحرموها من أبسط سبل الحياة قبل اقبارها في سلة المهملات وتجاهلها تماما في الخيارات والقرارات حتى اعتقد الكثيرون من المنجميين أنهم آلات انتاج فقط من جهة وغير «تونسيين» بالمرة من جهة أخرى. ولاية التمرّد ضد الفساد... ولأن الكرامة والشهامة والمروءة تبقى قبل الخبز فإن المنجميين كانوا سباقين للانتفاضات والاحتجاجات ورفض الظلم والاستبداد ولذلك لم يترددوا هذه المرة أيضا وبكل اصرار على وضعهم ومنحهم «لولاية» خاصة قد ينسبون اليها اسم ولاية التمرّد ضد الفساد أو ولاية مقاومة الاستبداد أو حتى ولاية «المرفوضين في العهدين السابقين» والمتعلقين بالعمل النقابي والنضال من أجل العيش والحياة عسى أن يتم رد الاعتبار اليهم والاهتمام بهم كبقية شرائح المجتمع التونسي في المراحل القادمة خاصة أنهم يصرّون على ذلك وينادون ببعث هذا الهيكل الاداري الذي يسيّر شؤون التنمية على مختلف واجهاتها وذلك بداية من التشغيل وفي مختلف القطاعات ولا في شركة الفسفاط فقط وأيضا في الجوانب الحياتية الأخرى وخاصة الصحية منها التي تعتبر مجرد بنايات بلا صيانة وتفتقر لأبسط الضروريات فما بالك بالاختصاصات وأيضا الاجتماعية والثقافية والتعليمية والشبابية سيما وأن المنطقة المنجمية محرومة ومنسية وغير معتبرة في خريطة الاهتمامات في البلاد. أرقام ودلالات؟ ومن غرائب هذا الزمن الرديء ومن المضحكات المبكيات أنه وكلما احتج عمال المناجم وأضربوا عن العمل أو اعتصموا الا وتذمرت الشركة (شركة الفسفاط) والسلطة ككل وأكّدت أن الخسائر مفزعة على غرار اعتصام الايام الاخيرة الذي قالوا عنه أنه خطير ويحرم صندوق أو خزينة الدولة ما قدره ثلاثة مليارات يوميا لتتجلى حقيقة قيمة الفسفاط ومن ورائه قيمة ما كان يقدمه أبناء الحوض المنجمي وبكل سخاء للخزينة ككل دون ان ينالوا منه شيئا والحال أن الشركة والسلطة عامة كان بامكانها أن تمنح مرابيح يوم عمل فقط كل شهر لتنمية الجهة المنجمية مقابل تسلمها مرابيح (29) يوما كاملا للمساهمة في تحريك الدورة الاقتصادية الوطنية وتنمية المشاريع الوطنية والجهوية الأخرى خاصة أن هذه القيمة تبقى من مجهودات عمال المناجم الذين امتدت إليهم أيادي الحرمان والخصاصة طيلة (54) سنة بأشهرها وأيامها ولياليها أي (1204500)يوم منها (503700) يوم في عهد بن علي المخلوع والبائد ولكن دون أن يلتفت اليهم أحد وربما وفي بعض الأحيان يصرحون بأن الشركة مفلسة رغم كل تلك الجهود وتلك الظروف الصعبة والقاسية جدا، قبل أن تتضح عصابات الفساد والاستبداد سنة 2008 حين انتفض الحوض المنجمي وبعدها وبكل تجلياتها في ثورة 14 جانفي المجيدة والخالدة. دار لقمان تهترئ... والحكومة في سبات عميق ولأن الخصاصة تولّد الانحراف في ظل انحرافات شركة الفسفاط فإن ظواهر الحرقان والكحول للشعول والعروشية وحتى «البراكاجات» وغيرها من الظواهر برزت خلال السنوات الأخيرة على الرغم من تعدّد أصناف «البوليس» في الجهة كما تجاوز أغلب أبناء الحوض المنجمي وعيهم الحسّي ليدركوا الوعي الثوري الذي أعلنوا من خلاله ثورتهم التي وبقدر ما تتلاحم الصفوف فيها أكثر فإنها تبقى أخطر على الشركة وعلى السلطة طالما أن دار لقمان تهترئ أكثر ولم تبق حتى على حالها الصعب... والصعب جدا... وطالما أن التنمية مفقودة والبطالة منتشرة وموجودة والسلطة في سبات عميق ولا تستفيق وكانت تخشى من العصابات التي هي داخلها وخارجها لتستجيب لعناصر الاستبداد والفساد فقط وترسل آلات القمع والاضطهاد للمنجميين الذين لا يخشون وعلى مرّ السنين النار والحديد حتى وإن ظلوا بمفردهم دون مساندة ولا دعم من أي طرف الا إذا تدخل الاتحاد العام التونسي للشغل على غرار ما حدث في صائفة 2008.