يخلط أغلبنا بين جرائم القتل فلا يفرق بين أنواعها ويجهل شروط كل واحدة منها ويضطرب بالتالي في استشراف عقوباتها وقد يحتار في تفسير أحكام المحاكم. وسعيا منا الى تحقيق التثقيف القانوني نشرع في هذا الركن في استعراض جرائم القتل انطلاقا من القتل العمد (المجرد) اي الخالي من عناصر التشديد. ورد في الفصل من المجلة الجنائية النص التالي : «يعاقب مرتكب قتل النفس عمدا بالسجن بقية العمر في غير الصور المقررة بالفصول المتقدمة». وقبل الشروع في تحليل هذا النص القانوني نشير الى ان الصور المقررة بالفصول المتقدمة تنص على عقوبة الاعدام وهذه الصور (التي نتناولها لاحقا) تتمثل في توفر سابقية القصد او الاضمار (الفصلان و) وقتل القريب أي أحد الأسلاف (الفصل ) وجريمة القتل المرتبطة بارتكاب جريمة أخرى (الفصل ). فإذا انعدمت هذه الصور تتحول العقوبة من الاعدام الى السجن المؤبد فقط شريطة ان تتوفر العناصر التالية الواردة بالفصل . نية القتل يعتبر هذا العنصر عنصرا جوهريا في الفصل وهذا ما نكتشفه من صريح العبارة «قتل النفس عمدا. وقد فسرت محكمة التعقيب هذا العنصر في عدد من قراراتها نذكر منه ما ورد في قرارها الصادر يوم فيفري تحت عدد من ان «فقه القضاء (استقر) على ان جريمة القتل عمدا تتجسم في انصراف نية الجاني في الاعتداء على انسان بغرض ازهاق روحه». ولكن المشكلة تكمن في اكتشاف النية فالله سبحانه وتعالى يعلم وحده ما في الصدور. واذا قتل فلان فلانة ثم أقسم بأنه لم يكن ينوي قتلها فكيف نكتشف مدى صدقه؟ نظرت محكمة التعقيب في هذه المشكلة فاعتبرت ان «ركن النية في جناية القتل مسألة موضوعية وعلى القاضي تعليل استنتاجها ويكون قائما على أساس قانوني اذا صرح بأنه استنتج نية القتل عند الجاني من مكان الاصابة وخطورة السلاح المستعمل والتهديد الصادر منه للمجني عليه قبل اقترافه للجناية. وانطلاقا من هذا القرار يكون اقرار قصد القتل من عدمه خاضعا لوجدان القاضي ويمكنه استنتاج النية اعتمادا على : مكان الاصابة : أي أن يكون المكان خطيرا ويسبب الوفاة في العادة (كالمخ والرقبة والصدر والبطن...) نوعية السلاح : أي أن تكون أداة الجريمة خطيرة وتسبب الهلاك (مثل طعنة السكين أو رصاصة السلاح الناري او الخنق او الحرق...). التهديد : كأن ينفذ الجاني جريمته وهو يردد لفظة «سأقتلك أو ما شاكلها» ومن الشروط الأساسية والمبدئية ان يكون التهديد (اذا توفر) مزامنا لارتكاب الجريمة اذ لو كان سابقا بمدة طويلة نسبيا لكان كافيا لاثبات عنصر سابقية القصد (او الاضمار) وهذا ما يغير وصف الجريمة من القتل العمد المجرد (الفصل ) الى القتل العمد مع سابقية القصد (الفصلان و). العقوبة نص الفصل على عقوبة السجن بقية العمر اي أن الجاني الذي يدان بجريمة القتل العمد لا يفارق السجن الا الى مثواه الأخير لكن هذه العقوبة تخضع الى استثناءات عديدة فإذا كان عمر الجاني بين سنة و سنة فإن عقوبة السجن بقية العمر تنزل الى السجن مدة سنوات فقط (الفصل من المجلة الجنائية) واذا كان عمر الجاني فوق سنة فإن المحكمة غير مجبرة على تسليط عقوبة السجن بقية العمر بل يمكنها ان تحط من العقاب على ألا يقل عن السجن مدة سنوات وسنسعى لاحقا الى توضيح كيفية الحط من العقاب في الحلقة التي نخصصها لظروف التخفيف.