مازالت واقعة الكشف عن «ثروة» قصر الرئيس المخلوع بسيدي بوسعيد من قبل لجنة تقصّي الحقائق حول الفساد والرشوة تثير من حولها عدّة أسئلة وشكوك لدى المواطنين والملاحظين والمختصين في القطاع المالي... فبعد التساؤل عن أسباب تأخر الكشف عن هذه «الثروة» وبعدما جاء من شكيك في صحة الواقعة أصلا... ثم جاء التشكيك الابرز في صحّة المبلغ المقدّم من البنك المركزي حول تلك الثروة (41 مليون دينار) إذ اعتبر كثيرون أن المبلغ حسب ما أظهرته الصور التلفزية أرفع من ذلك بكثير، وهو ما ذهبت إليه أيضا وسائل اعلام أجنبية بناء على آراء خبراء... وتحدّث مختصون في القانون عن عدم سلامة الاجراءات القانونية المتّبعة أثناء عملية الكشف عن «الثروة»... ثم جاء البلاغ الأخير للبنك المركزي التونسي ليوضّح مصادر تلك الأموال التي عُثر عليها في قصر الرئيس المخلوع في سيدي بوسعيد وحصرها البلاغ في 4 مصادر وهي: 1 مبالغ سُحبت مباشرة من البنك المركزي التونسي عن طريق أذون سحب صادرة عن الخزينة العامة للبلاد التونسية لصالح رئاسة الجمهورية. 2 مبالغ متأتية من استبدال أوراق نقدية مستعملة من فئة 10 و20 و30د، مقدمة من رئاسة الجمهورية، بأوراق نقدية من فئة 50 دينارا. 3 مبالغ متأتية من صرف عملة أجنبية، مقدمة من رئاسة الجمهورية للبنك المركزي، بالعملة التونسية. 4 مبالغ سحبتها رئاسة الجمهورية مباشرة من البنوك. تبرئة في قراءة أولية لهذه المصادر الاربعة المقدّمة يتّضح أنه لا يوجد أي تجاوز من مؤسسة رئاسة الجمهورية في ما يتعلق بتلك الأموال المحجوزة، وبالتالي لا يوجد أي تجاوز من الرئيس المخلوع المعني مباشرة بهذه الأموال. كما تكشف القراءة نفسها أنه لا يمكن أيضا مؤاخذة مؤسسة البنك المركزي التونسي في شيء حول مصدر تلك الأموال... ذلك أن المصادر الاربعة المذكورة قانونية ظاهريا... وأن صرف أموال من البنك المركزي اعتمادا على أذون سحب صادرة عن الخزينة العامة لفائدة الرئاسة عملية قانونية ولا يمكن اعتبارها تجاوزا من قبل الرئاسة أو البنك أو حتى الخزينة العامة. وكذلك الشأن بالنسبة إلى عملية استبدال الأوراق النقدية المستعملة من قبل رئاسة الجمهورية لدى البنك المركزي بأوراق جديدة وهي أيضا عملية قانونية ويمكن لأي كان (بما في ذلك المواطن العادي) القيام بها لدى البنوك والبريد والبنك المركزي عندما تكون بحوزته أوراق نقدية ممزّقة أو لم تعد صالحة للتداول بفعل ما يطرأ عليها من اتلاف ولا يمثل ذلك تجاوزا لا من رئاسة الجمهورية ولا من البنك المركزي. أما بالنسبة إلى المبالغ المتأتية من صرف عملة أجنبية الى الدينار التونسي فإن هذه العملية هي أيضا قانونية ويمكن أن يقوم بها أي كان لدى البنوك مهما كان المبلغ وأكثر من ذلك فهي عملية مطلوبة من الجهاز المصرفي التونسي من أجل توفير أكثر ما يمكن من موارد بالعملة الصعبة... وبالتالي فإنه لا يمكن في هذا المجال أيضا مؤاخذة لا مؤسسة رئاسة الجمهورية ولا البنك المركزي. وفي ما يتعلق بالمصدر الرابع، فهو أيضا لا يمثل ظاهريا أي تجاوز لا في حق البنك المركزي ولا في حق رئاسة الجمهورية. وهذا المصدر هو السحب المباشر من البنوك فرئاسة الجمهورية بما أنها مؤسسة قائمة الذات (ذات معنوية) فإن لها موارد مالية مودعة في البنوك بحسابات بنكية عادية، وقد يكون لها أكثر من حساب بنكي... وكل صاحب حساب بنكي بامكانه أن يسحب من حسابه المبلغ الذي يشاء وفي أي وقت كان ويودعه في أي مكان آخر (المنزل موقع العمل...) وبالتالي فإنه لا يمكن مؤاخذة مؤسسة رئاسة الجمهورية ولا البنوك عن هذا الأمر لأنه قانوني. هذه المصادر التي قدّمها البنك المركزي جعلت كثيرين يعتبرون أنها جاءت لتبرّئ بطريقة غير مباشرة ساحة البنك المركزي وأيضا ساحة مؤسسة رئاسة الجمهورية ومن ورائها ساحة الرئيس السابق من فساد مصدر تلك الثروة التي عثر عليها في قصر سيدي بوسعيد... وربما لتقول لبعض من حلم بتوزيع تلك الثروة على المشاريع التنموية والاجتماعية والاقتصادية بالبلاد أن تلك الصور التي بثتها التلفزة الوطنية هي ل «ثروة» قانونية وربما تابعة للميزانية العادية لرئاسة الجمهورية وفق ما هو مضبوط بميزانية الدولة ليتواصل بذلك مسلسل الغموض والتشكيك في ما يقع هذه الأيام...