نابل.. نتائج عمليّة القرعة الخاصّة بتركيبة المجالس المحلية والمجلس الجهوي    الرابطة 2.. نتائج مباريات الدفعة الثانية من الجولة 24    كرة اليد: الترجي يحرز كأس تونس للمرة 30 ويتوج بالثنائي    بنزرت: وفاة أب غرقا ونجاة إبنيه في شاطئ سيدي سالم    مداهمة تجمّع ''شيطاني'' في إيران    لوقف حرب غزة.. ماكرون "يتحدث العربية والعبرية"    شاطئ سيدي سالم ببنزرت: وفاة أب غرقا عند محاولته إنقاذ طفليه    تحذير طبي: الوشم يعزز فرص الإصابة ب''سرطان خطير''    3 دول عربية ضمن أعلى 10 حرارات مسجلة عالميا مع بداية فصل الصيف    وزارة المالية تعلن عن اطلاق منصة ''تاج''    محرزية الطويل تكشف أسباب إعتزالها الفنّ    إستقرار نسبة الفائدة عند 7.97% للشهر الثاني على التوالي    الحمادي: هيئة المحامين ترفض التحاق القضاة المعفيين رغم حصولها على مبالغ مالية منهم    عاجل/ الهلال الأحمر يكشف حجم المساعدات المالية لغزة وتفاصيل صرفها    عاجل/ الإحتفاظ بشخص يهرّب المهاجرين الأفارقة من الكاف الى العاصمة    بلاغ مروري بمناسبة دربي العاصمة    بداية من اليوم: اعتماد تسعيرة موحّدة لبيع لحوم الضأن المحلية    110 مليون دينار تمويلات لقطاع التمور...فرصة لدعم الإنتاج    غرق قارب بأفغانستان يودي بحياة 20 شخصا    إمكانية نفاذ منخرطي الكنام إلى فضاء المضمون الاجتماعي عبر منصة 'E-CNAM'    وزارة التربية: نشر أعداد ورموز المراقبة المستمرة الخاصة بالمترشحين لامتحان بكالوريا 2024    الهلال الأحمر : '' كل ما تم تدواله هي محاولة لتشويه صورة المنظمة ''    الشركات الاهلية: جهود مكثفة للإسراع بإعداد دليل مرافقة الباعثين    عاجل/ إتلاف تبرعات غزة: الهلال الأحمر يرد ويكشف معطيات خطيرة    كرة اليد: اليوم نهائي كأس تونس أكابر وكبريات.    غدا : التونسيون في إنتظار دربي العاصمة فلمن سيكون التتويج ؟    تجربة أول لقاح للسرطان في العالم    بعد إغتيال 37 مترشحا : غدا المكسيك تجري الإنتخابات الاكثر دموية في العالم    حريق ضخم جنوب الجزائر    عاجل : منع الإصطياف و التخييم في هذه المناطق الغابية بداية من اليوم    وزيرة الإقتصاد و مدير المنطقة المغاربية للمغرب العربي في إجتماع لتنفيذ بعض المشاريع    أنس جابر معربة عن حزنها: الحرب في غزة غير عادلة.. والعالم صامت    وزير الصحة : ضرورة دعم العمل المشترك لمكافحة آفة التدخين    قتلى في موجة حر شديدة تضرب الهند    اتحاد الفلاحة: هذه اسعار الأضاحي.. وما يتم تداوله مبالغ فيه    طقس اليوم: أمطار منتظرة بهذه الجهات    عاجل/ بنزرت: هذا ما تقرّر في حق قاتل والده    من الواقع .. حكاية زوجة عذراء !    غمزة فنية ..الفنان التونسي مغلوب على أمره !    لأول مرة بالمهدية...دورة مغاربية ثقافية سياحية رياضية    مسرحية «تيتان» هنا وهناك    الانتقال الطاقي...مشروع للضخ بقدرة 400 ميغاواط    انطلاقا من غرة جوان: 43 د السعر الأقصى للكلغ الواحد من لحم الضأن    وزارة الصناعة: توقيع اتفاقية تعاون بين أعضاء شبكة المؤسسات الأوروبية "EEN Tunisie"    مفقودة منذ سنتين: الصيادلة يدعون لتوفير أدوية الإقلاع عن التدخين    أول تعليق من نيللي كريم بعد الانفصال عن هشام عاشور    البرلمان : جلسة إستماع حول مقترح قانون الفنان و المهن الفنية    رئيس لجنة الفلاحة يؤكد إمكانية زراعة 100 ألف هكتار في الجنوب التونسي    مستشفى الحبيب ثامر: لجنة مكافحة التدخين تنجح في مساعدة 70% من الوافدين عليها على الإقلاع عن التدخين    قفصة: وفاة 3 أفارقة من جنوب الصحراء وإصابة 20 آخرين في انقلاب شاحنة    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    الرابطة المحترفة الأولى: مرحلة تفادي النزول – الجولة 13: مباراة مصيرية لنجم المتلوي ومستقبل سليمان    الإعلان عن تنظيم الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    الدور الثالث من بطولة رولان غاروس : من هي منافسة أنس جابر ؟    عندك فكرة ...علاش سمي ''عيد الأضحى'' بهذا الاسم ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسي العراقي صلاح المختار (2): صدام شكل قيادة بديلة بعد الغزو و أسلحة المقاومة العراقية تكفي للقتال لمدة عشر سنوات
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

كيف تتحرك المقاومة العراقية وما هي خططها... كيف استعد صدام لحرب عصابات يمكن أن تتواصل لمدة عشر سنوات؟
للاجابة أكد السياسي والخبير العراقي صلاح المختار في الجزء الثاني في حديثه لصحيفة «الأهالي» المصرية نشرته مؤخرا أن المقاومة العراقية تملك من السلاح ما يكفيها للقتال لمدة عشر سنوات وأن استراتيجية المقاومين العراقيين هي استنزاف أمريكا التي لا يمكن هزمها باستراتيجية الحرب النظامية.
وعلى حد قول المختار فإن المقاومة العراقية تريد هزم أمريكا بالنقاط وليس بالضربة القاضية...
وفي ما يلي نص الجزء الثاني في حديث صلاح المختار لصحيفة «الأهالي» المصرية
*لقد بدأت المقاومة العراقية على غير المعتاد بالرد سريعاً على الاحتلال؟ كيف حدث ذلك، ومن هم هؤلاء المقاومون؟
دعني أحدد أولا الجهات التي ينتمي إليها هؤلاء، فمنذ عام 1980 وهو عام اندلاع الحرب بين العراق وإيران، أخذ ينشأ جيل مدني مقاتل يتألف من أعضاء وأنصار حزب البعث ومتطوعين غير بعثيين، وتواصلت تدريبات مثل تلك الفرق عقب دخول الكويت ومحاولة الولايات المتحدة الأمريكية غزو العراق عام1991 كما ذكرنا في الحوار السابق، لكن الحقيقة التي أريد أن أشير إليها هنا هي أن العديد من المنظمات الحكومية ظلت طوال أكثر من عقدين مجهزة ل»حرب الشوارع»، و»العصابات» إلى جانب القوى الشعبية المسلحة، ومن تلك المنظمات «الأمن الداخلي»، و»المخابرات»، و»الأمن العام»، و»الاستخبارات العسكرية»، و»الأمن الخاص».
* لكن نحن نريد أن نتحدث عن الوضع الراهن أيضاً. يعني من يقود المقاومة اليوم؟
يجب ألا تتجاهل أن معظم القوى التي تعمل اليوم ضد الاحتلال تم إعدادها قبل العدوان بعامين لتواجه مخاطر الغزو وتقضي عليه. لكن يمكن أن أقول لك أن المقاومة - في الواقع - تضم أساساً بعثيين، ويقودها بعثيون، رغم وجود عدد ضخم من المستقلين فيها.
*وماذا عن العسكريين. ما دورهم؟
نعم.. على صعيد الخبرات العسكرية والفنية.. لقد احتل ضباط الأركان مراكز القيادة والتوجيه والتدريب. إنهم من ضباط الجيش والحرس الجمهوري والمخابرات من المتخصصين في قتال الشوارع والتفخيخ..
*ومتى بالضبط تم اللجوء إلى خيار المقاومة؟
حينما بدأت الحرب يوم 20/3/2003 وأخذ الغزاة يتدفقون، بدأ تنفيذ الخطة بالرد بأسلوبين عسكريين. الأول: حرب نظامية، والثاني حرب عصابات. لكن حين تم الغزو حدث تغيير جوهري على مستوى القيادة، إذ اضطر الرئيس صدام حسين لتشكيل قيادة بديلة (طوارئ) لحزب البعث، وتم ربط كل تنظيمات المقاومة المسلحة به مباشرة.
*لكن هناك أسماء لقيادات لم نسمع عنها من قبل. من أين أتوا؟
نعم.. أقول لك أنه منذ وقوع الغزو أصبح هرم المقاومة كالآتي: في القمة قيادة مصغرة جداً من كوادر البعث الجديدة وغير المعروفة على نطاق واسع، تتلقى الأوامر مباشرة من الرئيس(صدام قبل الأسر)، وتتولى قيادة الحزب والمقاومة. كما تم تشكيل وحدة قيادية تتولى تنظيم وقيادة جهاد العشائر، وعلماء الدين لضمان مشاركتهم الفعالة في المقاومة المسلحة للغزو، ولذلك لم يكن صعبا بعد وقوع الغزو انخراط أبناء العشائر وعلماء الدين وتلاميذهم من الإسلاميين في الجهاد المسلح تحت قيادة بعثية أو بالتنسيق معها، بالإضافة إلى انخراط اليساريين والناصريين والمسيحيين والصابئة (أبناء ديانة عراقية قديمة) في المقاومة، ومعهم أيضا شيوخ عشائر وعلماء دين ، وتيارات إسلامية غير حزبية، لأن «الإخوان المسلمون» يتعاونون مع الاحتلال.
*وما دور ضباط أركان الجيش العراقي في المقاومة؟
الغالبية العظمي من رجال المقاومة يعملون تحت قيادة كوادر بعثية، خصوصا ضباط الأركان . ولابد من التأكيد على أن هناك قيادة مركزية للمقاومة تقود العمل المسلح في كل انحاء العراق، معتمدة على تنظيم لا مركزي يمنح الوحدات الدنيا حرية واسعة في التخطيط وتنفيذ العمليات.. ولعلك استمعت لريتشارد أرميتاج، نائب وزير الخارجية الأمريكية، عندما وصف قيادة المقاومة قائلا في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلسي النواب والشيوخ يوم 26/6/2004 إن المقاومة العراقية لها تنظيم متطور ومعقد يشبه الجهاز العصبي المركزي لدى الإنسان.
*هناك سؤال محير آخر، وهو كيف استطاعت المقاومة أن تنتشر وتستمر بطريقة قلبت خطط أمريكا رأساً على عقب، كما اعترف الرئيس جورج بوش الابن، وذلك على الرغم من أن الشروط المعروفة لحرب العصابات، كالجبال والغابات والمساندة الخارجية كالتمويل بالمال والسلاح، التي كانت سبباً في انتصار المقاومة الفيتنامية على الجيش الأمريكي، غير متوفرة اليوم للمقاومة العراقية؟
المقاومة العراقية تتميز عن غيرها من مقاومات العالم بسمات فريدة، فهي أولاً لا تحصل على دعم خارجي سواء كان عسكرياً أو مادياً أو معنوياً من بقية الدول بما فيها دول الجوار لأن الجميع يخشون الإدارة الأمريكية. كما أنه لا توجد في مناطق القتال العراقية جبال أو غابات كي يحتمي بها الثوار، كما حصل في فيتنام وكوبا مثلاً؛ فالعراق أرض منبسطة باستثناء مناطق الشمال، لذلك فإن المقاوم يواجه احتمال القتل السهل على يد العدو كلما خرج لتنفيذ عملية.
* وما العوائق الأخرى التي تواجه عمل المقاومة العراقية برأيك؟
توجد تنظيمات من أصول غير عراقية كحزب الدعوة، والمجلس الأعلى المشكلين من قيادات إيرانية، ومن قواعد أغلبها من أصول إيرانية، بالإضافة إلى الحزبين الكرديين. وهذا الواقع يخلق مخاطر شديدة على المقاومين أثناء تنفيذ عملياتهم، لأن هؤلاء منتشرون في الكثير من المدن، ومسلحون، ومدعومون من قبل قوات الاحتلال، وهذا الوضع لم يكن موجوداً، أو كان موجوداً لكنه كان محدود الخطورة على ثوار حرب العصابات في التجارب الأخرى.
* إذن كيف نجحت المقاومة العراقية في التغلب على هذه التحديات الكثيرة؟ كيف حصلت وتحصل على السلاح والمال؟ كيف وفرت الحماية لمقاتليها؟
بالنسبة للسلاح وزع حزب البعث منذ عام 1990 وحتى وقوع الغزو حوالي خمسين مليون قطعة سلاح خفيف ومتوسط وثقيل مع عتادها، وحفظ قسم كبير من هذا العدد في مخازن سرية في مختلف أنحاء العراق يكفي لقتال ضار لمدة عشر سنوات قادمة. ولذلك لا تحتاج المقاومة للسلاح والعتاد بشكل عام، أما المال فإن الحزب وفر من ميزانيته قبل الغزو أموالاً مهمة لتمويل المقاومة، وبالفعل.. ما إن نزلت المقاومة تحت الأرض حتى أخذ قسم الحسابات المصغر في الحزب يتولى شؤون مالية المقاومة من حيث توثيق الصرف أو استلام الأموال لكن هذه الموارد نضبت أو كادت فتحولت المقاومة والحزب إلى قبول التبرعات من المواطنين العراقيين، حيث يقوم من لا يملك مالأً سائلا ببيع بيته أو سيارته أو ذهب زوجته لأجل التبرع بها للمقاومة، وتعتقد الغالبية الساحقة من العراقيين بأن تقديم المال للمقاومة هو «فرض عين» لأنها جهاد في سبيل الله والوطن.
*لكن كيف تتم حماية رجال المقاومة من العناصر المسلحة الموالية للاحتلال؟
تقصد حمايتهم من الطابور الخامس المسلح. إن هذه الحماية تأتي من الشعب، فلولا دعم الشعب لما نجحت المقاومة في التغلب على هذه العقبة.
*نحن نسمع عن سيطرة المقاومة على بعض المدن العراقية، فكيف يتم التعامل مع المتعاونين مع الاحتلال في تلك المدن؟
منذ شهر أفريل الماضي تحولت المقاومة إلى مرحلة تنظيف مدن العراق من الطابور الخامس بإلقاء القبض على الأفراد المتورطين، ومحاكمتهم علناً أمام الناس، وإعدام من يثبت أنه عميل لأحد التنظيمات الداعمة للاحتلال أو من المتعاونين معه، وبذلك خفت مخاطر «الطابور الخامس» على نحو ملموس الآن.
*وكيف تم التغلب على الطبيعة الجغرافية المكشوفة؟
تغلبت المقاومة على مشكلة التشكيل الجغرافي غير المناسب لعملها عبر تعزيز الصلات بالناس، وتوفير ملاذ آمن للمقاتلين في بيوت المواطنين قبل وبعد تنفيذ عملياتهم، وهكذا تثبت مرة أخرى صحة المقولة المعروفة:»إن الشعب هو ماء المحيط الذي تسبح فيه أسماك المقاومة».
*المقاومة العراقية متهمة بغياب الاستراتيجية وبغياب البرنامج السياسي وبغياب التمثيل الإعلامي، أي لا يوجد متحدث باسم المقاومة على سبيل المثال؟
بالنسبة للاتهامين الأول والثاني هذا غير صحيح بل مضلل، أما الاتهام الثالث فهو صحيح. دعني أوضح هذه المسألة المهمة، فيما يتعلق باستراتيجية المقاومة فإنها واضحة منذ البداية، فالهدف الجوهري فيها هو تحرير العراق من الغزو الصهيوأمريكي عبر الكفاح المسلح، وهذا الهدف الواضح يستند على قاعدة تنفيذية واضحة أيضاً، وهي تقوم على ما يلي:
1- ما دام أحد أهم هدفين استراتيجيين للاحتلال هو الاستيلاء على ينابيع النفط العراقية، واستغلالها، فإن هدف المقاومة في هذا المجال هو قلب الهدف الأمريكي رأسا على عقب.. أي بتعبير آخر يجب حرمان المحتل من استغلال النفط العراقي لتمويل الغزو ومنعه من تحقيق انتعاش اقتصادي أمريكي ومنعه من حل أزمة الطاقة في أمريكا التي تتضخم فيها هذه الأزمات الآن، وعلى سبيل المثال أزمة الطاقة التي ستصل ذروتها خلال فترة تتراوح بين 10 - 12 سنة قادمة، و»قلب الهدف الأمريكي» يعني تحديدا منع تصدير النفط العراقي وبأي شكل وطريقة.
وإلى أي مدى تحقق هذا الهدف؟
تحقق تماماً خلال الخمسة عشر شهراً الماضية، الأمر الذي خلق أزمتين خطيرتين لأمريكا: الأولى هي أزمة تمويل الحرب على العراق وغزوه.. إذ أن الرئيس الأمريكي قد وعد الكونجرس بأن غزو العراق لن يكلف الخزينة الأمريكية مالاً، لأنه سيمَول بموارد النفط، وبما أنه قد عجز عن الحصول على موارد رسمية من النفط، أي تدخل الحسابات(في الخزينة الأمريكية)، اضطر للحصول على أموال أمريكية بلغت حتى الآن أكثر من 160 مليار دولار أمريكي، وهذا يعني أن غزو العراق أصبح عامل إرهاق واستنزاف مالي لأمريكا، ومن الواضح أن الرقم سيتضاعف إذا بقيت أمريكا في العراق، وبالتأكيد فإن هذا العامل لوحده يشكل عامل ضغط شديد القوة يدفع أمريكا إلى ترك العراق إذا استمر وتعمق.
*وما هي الأزمة الثانية برأيك؟
الأزمة الثانية التي تواجهها أمريكا هي عجزها عن استثمار نفط العراق من خلال شركاتها الكبرى، فعدم الاستقرار الأمني الناجم أساساً عن عمليات المقاومة واستهداف رجال الأعمال الأجانب والمتعاونين معهم، أدى إلى استحالة استثمار النفط العراقي، إضافة لذلك فإن الاستثمار يتطلب إعادة بناء البنية التحتية والصناعة النفطية التي خربها الحصار والحرب، وهو شرط يتطلب رأس مال ضخم كانت أمريكا تريد توفيره من موارد النفط العراقي، لكن المقاومة منعت ذلك فأصبح الواقع النفطي في العراق مجافياً تماماً لرغبة أمريكا وخططها الاستراتيجية.
*وهل لم تجد أمريكا مخرجاً لهذا. يعني أنها هل تحصل على النفط العراقي بطريقة ما؟
نعم.. أخذت تركز على نهب النفط العراقي الخام حيث تقوم قوات الاحتلال بنهب ملايين البراميل من النفط يومياً. أما تحسين الاقتصاد الأمريكي وحل أزمة الطاقة القادمة واستخدام النفط كسلاح ابتزاز سياسي للقوى الصاعدة (من دول العالم كأوربا والصين والهند) فلم يتحقق ولن يتحقق بفضل المقاومة العراقية.
*يركز جانب من المقاومين إن لم يكن جميعهم على محاولة إيقاظ عقدة فيتنام في أوساط جيش الاحتلال. إلى أي مدى نجحت هذه المحاولة؟
المقاومة أتعبت الجيش الأمريكي ونجحت في هذا إلى حد كبير، وذلك من خلال تعريض جنوده للموت اليومي والإرهاق المدمر نفسيا وجسدياً، فانطلاقا من حقيقة أن إلحاق الهزيمة العسكرية بأمريكا غير ممكن باستراتيجية الحرب النظامية، فإن المقاومة ترى أنه يجب دحرها عبر استنزاف بطيء ولكن مستمر، وبتعبير رياضة الملاكمة فإن المقاومة تعمل على دحر أمريكا ب»جمع النقاط» وليس ب»الضربة القاضية»، وجمع النقاط يعني إيصال الاستنزاف البشري، والمادي طبعاً، إلى مرحلة تعجز فيها أمريكا عن تحمله، فتضطر لترك العراق دون الإصرار على تحقيق أي هدف كبير. والمقاومة تعمل على تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، تحقق في الستة شهور الأولى لانطلاقتها، ومن حيث الخسائر البشرية الأمريكية فقط، تحقق في الشهور الستة الأولى للمقاومة ما حققته الثورة الفيتنامية في ثلاث سنوات.
*ولماذا تستهدف المقاومة بعض الوزارات والمؤسسات الجديدة؟
هذه تعتبر واحدة من الاستراتيجيات المهمة، حيث أنه من أهداف المقاومة منع الاحتلال من بناء أو استكمال مؤسسات دولة عميلة تحل محله تدريجيا، خالقة درعا بشرياً ومؤسساتياً عراقياً يمنع المقاومة من استهداف جيش الاحتلال، فرغم مرور خمسة عشر شهراً على الغزو، عجز الاحتلال حتى الآن عن تحويل ما أسماه «الجيش الجديد» و»الحرس الوطني» و»الشرطة» إلى قوات قادرة على إلحاق الهزيمة بالمقاومة، بل بالعكس فإن هذه القوات إما تهرب بسرعة عند حدوث اشتباك مع المقاومة، أو ترفض الاشتباك أصلاً، ولذلك «طرد» الاحتلال 30 ألفاً من المجندين من أصل 60 ألف عراقي انضموا إلى التشكيلات المذكورة، أي أن 50 بالمائة ممن جُندوا حتى الآن انحازوا لوطنيتهم. ومن استراتيجية المقاومة أيضاً حرمان العدو من مصادر استمراريته مثل الطعام والشراب والعتاد والسلاح وبقية الاحتياجات العسكرية والمدنية، وحققت نجاحات في ذلك. لقد تم تحريم المطارات والطيران المدني على الاحتلال، أما الآن فقد تم تحريم أهم الواردات البرية سواء من الأردن أو تركيا أو البصرة (من البحر) باعتماد المقاومة سياسة إعدام أو اعتقال السائقين الذين ينقلون السلع للاحتلال، وقد نجح هذا الأسلوب بشكل ممتاز جعل الاحتلال يشعر بمأزق خطير يحيط به، لأن استمرار ذلك سيؤدي إلى خنقه دون قتال.
*وماذا عن البرنامج السياسي للمقاومة؟
البرنامج السياسي للمقاومة يعالج مرحلة ما بعد التحرير، وهو معروف لدى الأوساط العراقية منذ إعلانه في سبتمبر من العام الماضي، ويعتمد على إدارة الدولة بأيدي العراقيين المقاومين للاحتلال من جميع التيارات والعرقيات.
*ومن المسؤول عن التمثيل الإعلامي للمقاومة.. لماذا لا نرى أي متحدث باسمها؟
المقاومة تواجه أقصى أشكال العنف والاجتثاث الجسدي سواء من قبل قوات الاحتلال أو المخابرات الخارجية، كالأمريكية والإسرائيلية والإيرانية.. يمكن الاستنتاج بأن فتح مكاتب للمقاومة في الخارج يعد انتحاراً لها، لأنه يقدم على طبق من ذهب رأس المقاومة للاحتلال. إلا أن هناك بعض البيانات المهمة التي تقوم المقاومة ببثها على الانترنت. بالإضافة إلى أن تنفيذ العمليات يتم الإعلان عنه بأسماء مختلفة تتغير باستمرار لأجل تشتيت التركيز الاستخباري والأمني لقوات الاحتلال وإرباكها ومنعها من تتبع أي خيط قد يقود لكشفها.
*ما المراحل التي اجتازتها المقاومة نحو طريق التحرير، وما المرحلة الحالية؟
مرت المقاومة العراقية بعدة مراحل منها مرحلة «اضرب واهرب». وبعد حوالي الشهور الثلاثة على الغزو بدأت المرحلة الثانية، والتي تحكمها قاعدة «اضرب واصمد لساعات»، وساعد في تنفيذ عمليات المقاومة ما تطوره نخبة «نزلت تحت الأرض» من علماء هيئة التصنيع العسكرية العراقية . أما المرحلة الثالثة من الثورة العراقية المسلحة فإنها تعتمد على قاعدة «حرر مدناً واصمد فيها عدة أيام أو أسابيع، ثم انسحب وبعد ذلك عُد لتحريرها»، والهدف في هذه المرحلة تنظيف المدن من الجواسيس وتحريم دخولها على قوات الاحتلال، وإن دخلت فتكبدها المقاومة خسائر هائلة لا تحتملها. وابتدأ العمل بهذه القاعدة في الوقت الحالي، حيث أصبحت هناك مدن رئيسية محررة أو شبه محررة لا تستطيع قوات الاحتلال دخولها، وإن دخلتها ففي النهار، وبعجلة، لأنها ستواجه نيران المقاومة.
* لا بد أن نسأل هنا إن كانت هناك مرحلة رابعة ستخوضها المقاومة في سبيل التحرير؟
نعم.. نعم..المرحلة الرابعة تقوم على قاعدة إكمال تحرير المدن الرئيسية، وحرمان العدو التام من دخولها وإعادة تنظيم هذه المدن لتصبح قواعد تدعم المقاومة تمهيداً لاضطرار الاحتلال إلى الانسحاب من العراق. وهذه المرحلة يمكن أن أقول لك إنها تنفذ الآن في بعض المناطق، وذلك باستخدام جانب من الصواريخ الاستراتيجية مثل صاروخ «جراد» الذي يبلغ طوله ستة أمتار لتدمير القواعد الأمريكية، وقطع طرق الإمداد على العدو حتى يشعر بالاختناق فيضطر إلى الانسحاب، وربما بشكل مفاجئ.
* ماذا تتوقعون من العرب؟
هناك اعتراف أمريكي يقول بأن غزو العراق ليس سوى خطوة على طريق «إصلاح» الأقطار العربية (بالمفهوم الأمريكي)، أي أنه بعد أن تفرغ أمريكا من العراق سيأتي دور سوريا ولبنان ومصر والسعودية وغيرها، وهنا يجب أن نذكر بحقيقة أصبحت معروفة، وهي أنه لولا المقاومة العراقية لكانت الدبابات الأمريكية الآن تجوب شوارع عواصم عربية عديدة، ولوجد أكثر من زعيم عربي نفسه في فيلم «الحفرة» الذي تخرجه هوليوود!
*هل تستطيع المقاومة العراقية الصمود عاماً آخر في ظل عدم وجود دعم عربي وعالمي مادي وإعلامي، مقارنة بقوات الاحتلال والعملاء؟
المقاومة استعدت قبل وقوع الغزو فأقامت تنظيما سريا شديد التعقيد لا يسمح بكشف أكثر من اسم واحد من مجموعة واحدة، وهذا يعني قطع صلته فوراً بالتنظيم واستحالة كشف البقية، ويطلق على هذا التنظيم اسم «التنظيم الخيطي» لأنه ينساب مستقيما كالخيط، فإذا قطع فمن مكان واحد، بعدها لا تبقى هناك علاقة بين جزئيه، إضافة لذلك تتمتع تنظيمات المقاومة باستقلالية ذاتية في تخطيط وتنفيذ العمليات، وهي لا تتقيد إلا بالخط العام لاستراتيجية المقاومة، وهذا النمط من التنظيم يمنحها قدرة لا نهائية على التكيف مع الظروف، مهما بلغت درجة صعوبتها.
* كم عدد شهداء العراق منذ الغزو الأمريكي حتى الآن؟
هناك دراسة ميدانية حول الخسائر المباشرة المحسوبة فقط في أوساط العراقيين تقول إن عدد الشهداء هو أكثر من 37 ألف شخص، إلا أن العدد أكبر من ذلك بكثير، وأصبح اليوم هناك استحالة في تقديم رقم مضبوط نتيجة لتدمير «جهاز الإحصاء المركزي» المختص بهذه الأمور. ومع ذلك أقول إن هناك مصادر أخرى حكومية وغير حكومية قدمت تقديرات أولية قبل سقوط الحكومة الشرعية، تقول بأن عدد الشهداء من المدنيين فقط يتجاوز التسعين ألفاً في مختلف أنحاء العراق، وإذا أضيف رقم شهداء الجيش والمنظمات شبه العسكرية، والذي يقدر بحوالي150 ألف شهيد، وأخيراً إذا حسبنا ضحايا ما بعد الاحتلال سيصل العدد إلى حوالي ربع مليون عراقي ذهبوا ضحية الغزو فقط.
*يعني في تقديركم كم يصل عدد ضحايا السياسات الأمريكية على العراق منذ بداية العقد الماضي حتى اليوم؟
عندك عدد ضحايا الحصار الشامل الذي استمر من عام 1990 حتى عام 2003 بلغ حسب إحصاءات مشتركة لوزارة الصحة العراقية ومنظمات الأمم المتحدة مثل اليونسيف والفاو حوالي مليون و800 ألف حالة وفاة، نتيجة سوء التغذية ونقص الدواء والتلوث الناجم عن تدمير البنية التحتية واستخدام اليورانيوم المنضب. نحن بإزاء رقم كارثي لضحايا أمريكا في العراق يصل إلى أكثر من مليوني إنسان ماتوا بسبب خطط «صهيوأمريكية».
*هل لديكم تقديرات عن حجم النفط الذي صدرته قوات الاحتلال إلى أمريكا أو غيرها؟ وهل أشرفت على ذلك جهة عراقية؟
لا توجد إحصاءات لسبب بسيط هو أن قوات الغزو قامت أول ما قامت، بعد دخول أراضي العراق في الجنوب، بالاستيلاء على حقول النفط وشرعت فوراً بإعدادها للتصدير قبل أن تتقدم لغزو بغداد!
*لكن ماذا عن الوضع الآن؟
نعم.. حينما اكتمل غزو العراق، وضعت جميع الحقول تحت يد الاحتلال مباشرة، ورفضت الولايات المتحدة السماح لأي جهة بمعرفة ما يجري هناك.. وبدأت على الفور عملية ضخ وتصدير النفط إلى أمريكا بأدوات بشرية أمريكية، ولذلك فإن ما يمكننا الجزم به هو أن التصدير اليومي لأمريكا منذ بدء الغزو لا يقل عن مليوني برميل يومياً، وربما وصل إلى أكثر من 3 ملايين برميل يومياً، وبالطبع هذه العملية تعد نهباً وسرقة لثروة عراقية لأنها تمت دون توثيق أو حساب أو إشراف عراقي، ولذلك فإن من حق العراق المطالبة بالحصول على ثمن هذه الثروة المنهوبة.
* سؤال أخير.. هل أنت أحد الناطقين باسم المقاومة؟
لا.. هذا شرف لم أنله، أنا أتحدث بصفتي خبيراً ومحللاً استراتيجياً، وكما حللت تطورات الثورة الفلسطينية في كتبي ومقالاتي في السابق، أحلل اليوم ما يجري في العراق بعين الوطني والخبير بنفس الوقت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.