تمّ مؤخرا إحداث مجلس لحماية ثورة 14 جانفي يتركب من الأحزاب وجمعية القضاة التونسيين والاتحاد العام التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين وممثلين عن مكونات المجتمع المدني وقد خول هذا المجلس لنفسه صلاحيات تنفيذية وتشريعية ولمزيد تسليط الضوء على هذا المجلس والأهداف التي تأسّس من أجلها أودّ إبداء ملاحظة وهي أنني لست ضد الحكومة المؤقتة ولا مدتها كما أنني لست ضد أي حزب سياسي أو معه ولا ضد أي منظمة أو هيكل من هياكل المجتمع المدني أو ضده بل ان الهف الذي أرمي من ورائه وفي نطاق الديمقراطية وحرية إبداء الرأي يتمثل في مزيد تسليط الضوء علي هذا المجلس ومكوناته وأهدافه ومدى المشروعية التي تمّ بموجبها تكوينه والصلاحيات التي خصّ نفسه بها مع التأكيد على أنني أنتمي فقط الى هذا الوطن العزيز ذي التاريخ المجيد والحضارة العريقة. يتجه التأكيد أولا قبل كل شيء على أن الدولة مازالت قائمة جميع هياكلها ومؤسساتها وقوانينها سارية المفعول الى الآن وهي بصدد التطبيق ومعروف أن القانون لا يعدله أو يلغيه إلا القانون ومادام الأمر كذكك فإنه من الواجب والضرورة احترام تلك القوانين بما في ذلك الدستور الى أن يقع إيقاف العمل به طبق التشريع الجاري به العمل. لا نزاع في أن مجلس حماية الثورة لم يكن منبثقا عن صندوق الاقتراع وترتيبا على ذلك فهو لا يمثل الشعب بل ان أعضاءه يمثلون فقط منخرطيهم وجمعية القضاة التونسيين تمثل فقط القضاة والاتحاد العام التونسي للشغل يمثل الطبقة الشغيلة والهيئة الوطنية للمحامين تمثل المحامين وتأسيسا على ما تقدّم فإن هذا المجلس لا يمكنه والحالة تلك التحدث باسم الشعب الذي لم يختره ولم يفوضه للحديث عنه وتمثيله. إن التأمل في الصلاحيات التي خصّ ذلك المجلس نفسه بها من توليه سن القوانين وإلغاء غيرها ومراقبة الحكومة واستشارته من قبل الحكومة المؤقتة عند تسمية المسؤولين في الوظائف السامية لتزكيتهم. ومن المسلّم به أن الدستور هو الذي يخول للسلطة التشريعية إصدار القوانين وهو الذي كرّس مبدأ التفريق بين السلط وتأسيسا على ذلك فمادام الدستور لم يخول لغير مجلس النواب إصدار القوانين فلا حقّ دستوريا وقانونيا لأي هيكل آخر سن القوانين التي تصدر باسم الشعب والشعب لم يفوض لهذا المجلس إصدار القوانين نيابة عنه هذا من جهة ومن أخرى فإن مجلس حماية الثورة خصّ نفسه كذلك بمراقبة عمل الحكومة وتزكية المسؤولين في الوظائف السامية أي أنه سحب من السلطة التنفيذية جزءا من صلاحياتها واختصاصاتها وبالتالي فقد جمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية خلافا للدستور الجاري به العمل الآن والذي لم يقع إلغاؤه على حد علمي. ولا نزاع كذلك وحسب تصريحات بعض أعضاء هذا المجلس أن جلهم غير مصادق على الحكومة المؤقتة وعلى رئيس الدولة المؤقت ويطالبون بإسقاط الحكومة باعتبارها غير شرعية كاعتبار رئيس الجمهورية المؤقت غير شرعي إلا أنهم وفي الآن نفسه يلتجئون الى رئيس الجمهورية المؤقت وغير الشرعي حسب ذكرهم الى إصدار مرسوم يصادق على ذلك المجلس بتركيبته وصلاحياته التي اتفقوا عليها كما خولوا لأنفسهم مراقبة حكومة تصريف الأعمال والحال أنهم غير موافقين على وجودها أصلا باعتبارها وفي نظرهم غير شرعية أليس في ذلك تناقض صارخ في الأفعال والأقوال من شأنه أن يزيد هذا المجلس وأهدافه الحقيقية غموضا على غموضه مع التأكيد هنا على أن المرسوم المطلوب سيكون صادرا من رئيس غير شرعي وبالتالي فإن هذا المرسوم سيكون حتما غير شرعي والمجلس المحدث به سيكون هو الآخر غير شرعي وتأسيسا على ذلك فما بني على الباطل فهو باطل. أكّد أعضاء هذا المجلس أنهم يستمدون شرعيته من مشروعية الثورة فإذا سلمنا جدلا فإن هذا التمشي صحيح فبامكان جماعة أخرى من الأحزاب وغيرها من مكونات المجتمع المدني التي لم تنضو تحت لواء مجلس حماية الثورة ان تستند هي الاخرى الى مشروعية الثورة فتكون مجالس أخرى لحماية الثورة بنفس الاختصاصات والأهداف وليس هناك والحالة تلك أي جهة قادرة على رفض قيام مثل هذه المجالس عملا بمبدأ عدم الاقصاء والنتيجة الحتمية لذلك دخول البلاد في فوضى عارمة ستأتي على الاخضر واليابس الأمر الذي لا يرتضيه كل مواطن غيور بحب الخير والتقدم والاستقرار والأمن لهذا الوطن العزيز. إن انضمام جمعية القضاة التونسيين لهذا المجلس تثير حقا اندهاشا حقيقيا واستغرابا شديدا ذلك أن هذا المجلس ووفق ما تقدم قد خص نفسه باصدار القوانين وبالتالي فإن ممثلي الجمعية ورغم أن القضاة سيتولون سن القوانين أي أنهم الى جانب سلطتهم القضائية سيضمون الى أنفسهم سلطة تشريعية وهذا مناف للدستور ولمبدأ تفريق السلط وحياد القاضي إذ لا يمكن ان يكون القاضي قاضيا ومشرعا في نفس الوقت واني أدعو جمعية القضاة التونسيين ممثلة في شخص رئيسها أن تنأى بنفسها عن الانزلاق في المتاهات السياسية والايديولوجية حفاظا على استقلالية القضاء وهيبته وعلى مبدأ الحياد وأن نتصدى لكل من يمس من كرامة القضاة واستقلاليتهم. إن الواجب يدعو الآن الى مزيد رصّ الصفوف والابتعاد عن المهاترات السياسية والايديولوجية وأن نعمل جميعا على أن يستقرّ الوضع في البلاد وأن يستتبّ الأمن وأن تواصل عجلة الاقتصاد دورانها في انتظار انقضاء الأجل المحدد لرئيس الجمهورية المؤقت وحكومة تصريف الأعمال وإتاحة الفرصة والجو الملائم لتنقيح القوانين ومنها القانون الانتخابي وقانون الأحزاب والجمعيات تمهيدا لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في جو ديمقراطي سليم وحضاري بعيدا عن المزايدات واستعراض العضلات وركوب الأحداث والتلهف على الحكم وفي ذلك ضمان لاستقرار الوطن وتحقيق أهداف الثورة التي قامت من أجل تحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية التي تبني ولا تهدم.