يوم 21 أفريل 1991 تم اختطافه من منزله من قبل عناصر من البوليس السياسي وتحويل وجهته مباشرة الى «دهاليز» إدارة أمن الدولة... أين تم تعذيبه لمدة 51 يوما بتهمة أنه كان العقل، المدبّر لمحاولة انقلاب عسكري على بن علي. وصدر في حقّه حكما بالسجن لمدة 8 سنوات قضاها تحت الاهانات فخاض خلالها سلسلة من اضرابات الجوع للمطالبة ب «كرامته»... وهو المطلب الذي عطّل كل محاولات المساومة التي انتهجها معه بن علي خلال سنوات الاعتقال وبعدها... والمطلب الذي حرمه من السفر الى الخارج... حتى جاءت انتفاضة الكرامة حين «أعاد لي الشباب كرامتي» حسب قوله. صاحب هذه القصة هو العقيد المتقاعد وجوبا من الجيش الوطني السيد محمد صالح الحدري رئيس اللجنة التأسيسية لحزب العدل والتنمية الذي لم يحصل بعد على تأشيرة عمله القانوني. تقرير سرّي شغل السيد الحدري لمدة خمس سنوات خطة مستشار أمني مكلف بالدراسات الاستراتيجية لدى الوزير الاول محمد مزالي ثم رشيد صفر. وترأس الديوان العسكري الذي أحدثه محمد مزالي صلب الوزارة (وحافظ عليه رشيد صفر بعده) وذلك بفضل تكوينه العسكري وفقا لما قاله إذ يحمل شهادة المرحلة الثالثة في التكوين العسكري من المدرسة الحربية بباريس كما يحمل ديبلوم الدراسات المعمّقة في العلوم السياسية من جامعة باريس. اقتضت منه خطّته الوظيفية اعداد تقارير خاصة يتخذ على ضوئها الوزير الأول قرارات أمنية وعسكرية. وبعد تنحّي مزالي وتعيين صفر وزيرا أوّل أعدّ السيد الحدري تقريرا سريا للوزير الجديد في أكتوبر 1986 وطلب منه المحافظة على سريّة التقرير وخاصة عدم اطلاع وزير الدفاع آنذاك السيد صلاح الدين بالي على معطياته. خلاف داخل الجيش جاء في التقرير، حسب ما ذكره السيد الحدري، تفاصيل عن الوضع الاجتماعي في البلاد والذي كان متأزما وينبئ بالنزول للشوارع. كما ذكر المتحدث في تقريره أن اللجوء الى الجيش غير ممكن بسبب الخلاف القائم في صفوفه بين فريقين... وأن الجيش في حال خروجه لن يعود الى الثكنات مما يعني توليه قيادة الدولة. «كان هناك فريقان في الجيش... فريق الدورة الاولى وتطلق عليها تسمية دورة بورقيبة وتضم ضباطا ذوي تكوين ضعيف وخبرة ضعيفة وكان ضمنهم زين العابدين بن علي في السابق... وفريق الدورة الثانية وهي دورة الضباط الشبان أو الجيل الجديد من الضباط وهم من ذوي التكوين العسكري الجديد وهم من كانوا يملكون السلاح... وفي حال كلّف الجيش بالخروج الى الشوارع آنذاك كان الفريق الثاني سيتولّى قيادة الدولة» حسب قول محدّثنا. تسرّب تسرّب التقرير ووصلت معلوماته السريّة الى وزيري الدفاع والداخلية... وهذا الأخير كان زين العابدين بن علي والذي على ضوء التقرير تكونت لديه فكرة انقلاب الضباط الشبان على الحكم. ويقول السيد محمد صالح الحدري إن فريق دورة بورقيبة اغتاظوا من التقرير واتهموه بتدبير محاولة انقلاب على بورقيبة لمصلحة محمد مزالي وطالبوا بمحاكمته أمام المحكمة العسكرية. وردّا على سؤالنا حول طموحاته السياسية آنذاك أجاب السيد الحدري أنه أعدّ التقرير المذكور كفنّي مختص وعملا بخطته الوظيفية دون أن تكون له أية نوايا سياسية. اتهام غادر السيد الحدري الى فرنسا فيما ظلّت أسرته تعاني من المضايقات... وبعد 6 أشهر من اعداده للتقرير تمّت احالته على التقاعد الوجوبي دون أن تتم محاكمته. كان ما يزال متحصّنا في باريس حين بلغه نبأ تولّي بن علي قيادة الدولة يوم 7 نوفمبر 1987... «حقيقة لم أتوقّع وصوله للسلطة لأنه كان شخصا ضعيفا... خدمَته الظروف لكنني لا أخفي تفاجئي بالبيان الذي تلاه ذاك اليوم اذ أنني ورغم معرفتي بضعفه استبشرت بمستقبل مغاير لبلدي» كما يقول. عاد محدثنا الى تونس عام 1988 وامتهن العمل الفلاحي قبل أن يتم اتهامه في ربيع 1991 بمحاولته تدبير انقلاب عسكري وانضمامه لحركة «النهضة». تصفية في تلك السنوات أعدّ أمين عام حزب التجمع الدستوري الديمقراطي آنذاك خطّة لتصفية حركة «النهضة» وبعض الرموز في الجيش وبالتالي ضرب عصفورين بحجر واحد على حد قول محدثنا. فتم اتهام «النهضة» بانتداب عسكريين وتدبير انقلاب على بن علي... وكان هو أوّل الموقوفين وأعلى رتبة عسكرية يتم اعتقالها. «تم اعتقال عقيد آخر محال بدوره على التقاعد الوجوبي كما تم اعتقال حوالي 300 عسكري مباشر من روّاد ونقباء وملازمين ووكيل ورقباء وعرفاء في تطهير واضح للمؤسسة العسكرية» وفقا لما ذكره. تعرّض جميع المعتقلين للتعذيب وتم طرد المباشرين... أما العقيد محمد صالح الحدري فلم يخل تعذيبه من محاولات المساومة من القيادة فكان في كل مرة يُطلب منه تقديم مطلب عفو باسم بن علي للتخفيف من العقوبة لكنه كان كل مرّة يرفض. مساومة محاولات المساومة لاحقته خارج أسوار السجن إذ تمت مناداته من قبل حامية أمن تونس لتسلّم شهادة الميدالية العسكرية لكنه رفضها... طالبا اعتذار بن علي شخصيا منه لما لحقه من إهانات وتعذيب من أجل تهمة ملفقة. «ساوموني عبر عدد من أصدقائي وطبيبي الخاص بمقترحات عودة لتولّي مناصب في نظام بن علي لكنني رفضت ذلك ما لم يتم الغاء محاكمتي والاعتذار لي استرجاعا لكرامتي الى أن جاءت انتفاضة الكرامة وأعاد لي الشباب كرامتي» يقول ذلك بعينين دامعتين وهو يستحضر صورا من ذاكرة تعذيبه... مشيرا الى أنه تقدّم مؤخرا بقضيّة شخصية بتهمة التعذيب ضد بن علي ومدير عام أمن الدولة سابقا محمد علي القنزوعي ونائبه عزالدين جنيّح وعدد آخر من أعوان الاستعلامات من قاموا بتعذيبه شخصيا لانتزاع اعتراف منه يؤكد تورّطه في تدبير انقلاب حسب روايته. تعاطف مع الاسلاميين كيف راودته فكرة تأسيس حزب سياسي وهو الذي، حسب تأكيداته، أعدّ تقريره السرّي حول الخلاف في الجيش كفنّي وليس كسياسي طموح؟ ومنذ متى راودته تلك الفكرة؟ وما حقيقة انتمائه الاسلامي؟ أسئلة طرحناها على مسمع المتحدث دفعة واحدة فردّ بالقول «كنت في تلك السنوات متعاطف مع الاتجاه الاسلامي ولكنني لم أنتم للنهضة وبعد تقرّبي من عدد من معتقليها في السجن تأكدت من الاختلاف في وجهات النظر بيني وبينهم إذ أنني أرفض التطرّف والعنف وآلمتني حادثة باب سويقة». وأضاف «أثناء الثورة تقدّمت بمقترح تأسيس حزب وسط يمين ذي توجّه اسلامي يتبنى فلسفة العلاّمة ابن خلدون عرضتها على عدد من معارفي وتفاجأت بصداها وانتشارها السريع». ضد اللائكية تم عقد الجلسة التأسيسية للحزب يوم 9 فيفري وانتخبت في ذات اليوم هيأته التأسيسية التي تضم أربعة نساء. هذه الهيئة ضمّت عاملا يوميا وفلاحا وطبيبا ومهندسا ومترجما وطلبة في تأكيد حسب قوله على أن الحزب مفتوح لكل أفراد الشعب وخاصة للمهمشين منه. في تقديمه لحزبه، حزب العدل والتنمية، قال السيد الحدري إن أبرز أهدافه تتمثل في تثبيت الهوية العربية الاسلامية لتونس رفضا للائكية... كما يهدف الى الاهتمام بكل الفئات الضعيفة بمن فيهم المعوقون مشيرا الى أن ممثل العدل والتنمية بولاية الكاف معوق. وسيهتم الحزب بالمرأة الانسان حسب قول رئيس لجنته التأسيسية معتبرا أن مجلّة الأحوال الشخصية هي مكسب قانوني للمرأة وجب الحفاظ عليه. وفي ردّ على سؤالنا حول رؤيته لمستقبل التعددية الحزبية خاصة مع تتالي «ولادة» الأحزاب بشكل يكاد يكون أسبوعيا قال إن تعدّد الأحزاب بعد 50 عاما من الجمود السياسي مسألة عادية... مضيفا أن صندوق الاقتراع قد يوحّد بعض الأحزاب وربّما ظهور تحالفات وجبهات قبل موعد أول اقتراع نهاية جويلية المقبل تاريخ انتخاب المجلس التأسيسي.