لقد لعبت الجيوش العربية دورا كبيرا وطلائعيا في تشكيل الدولة العربية الحديثة، نتيجة لاعتبارات تاريخية وسياسية متعدّدة ويتعاظم دورها بشكل لافت في الدول العربية التي أقامت نظامها السياسي على أسس جمهورية، حيث إنه وفي ظل غياب مؤسسات ملكية راسخة يمارس الجيش دور الضامن والحارس لقواعد اللعبة السياسية. كما يمثل الحصن الذي يلجأ إليه المجتمع المدني بمختلف مكوناته في حالة نشوب خلاف بين الأطراف المتصارعة على السلطة، وكذا في الحالات التي ينشأ فيها فراغ دستوري. وقد قفز دور الجيوش العربية الى واجهة الأحداث منذ ثورة الضباط الأحرار في مصر سنة 1952. وقد أصبح دور المؤسسة العسكرية في تونس يشغل بال الجميع، نظرا لما تبين لعامة الناس كبيرهم وصغيرهم، الدور الريادي الذي اضطلعت به تلك المؤسسة في المحافظة على الاستقرار السياسي والأمني، خاصة خلال المرحلة الانتقالية لعملية التحول الديمقراطي التي بدأت تشهدها بلادنا. وبالفعل إن المشهد السياسي لتونس بعد الثورة المباركة أفصح لنا نزوع قيادات المؤسسة العسكرية الى التدخل سلميا من خلال تفرغ الجيش التونسي بشكل كامل، للسيطرة على حالات الانفلات الأمني، وفي الوقت الذي أعلن فيه مدّ حالةالطوارئ لأجل غير مسمى كان يسحب قواته الثقيلة مكتفيا بانتشار مجموعات للتعامل مع الخارجين عن القانون سعيا منه للمساهمة الفعالة في عملية التحول الديمقراطي، وقد استطاعت تلك المؤسسة أن تحوز تعاطفا شعبيا واسعا نتيجة لرفضها ممارسة القمع ضد المظاهرات السلمية التي كانت تطالب باسقاط النظام وإقامة حكم ديمقراطي تعددي يضمن التداول السلمي على السلطة. كما حرص بعد ذلك في المحافظة على الشرعية الدستورية، ورفض أن يتسلم السلطة الانتقالية بشكل مباشر مفضلا الاكتفاء بدور المراقب لعملية التحول الديمقراطي، خاصة وأن نخبة الجيش التونسي متأثرة الى حدّ بعيد بمبادئ قيم الجمهورية التي تؤمن بها بعض الجيوش الغربية العريقة مثل الجيش الفرنسي. لذلك علينا استقراء مستقبل الدور الذي ستلعبه هذه المؤسسة لانجاح التحولات المقبلة التي ستشهدها بلادنا وعلى المواطن التونسي أن يعي بقيمة قواتنا المسلحة وأن تمحى تماما من أذهان شبابنا مسألة العزوف عن الخدمة العسكرية، ذلك أنه هو الواجب الوطني الأسمى الذي يمكن أن يقدمه الشباب وفاءا للوطن الحبيب. بقلم: الأستاذ وديع بن عيسى