صادقت هيئة تحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي بالأغلبيّة على مشروع مرسوم القانون الانتخابي الّذي سيقعُ اعتمادهُ بمناسبة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي المقرّرة ليوم 24 جويلية القادم. وكان الفصل 15 من المشروع قد استأثر بنقاش مستفيض حيث تباينت الآراء بين من يطرح إقصاء كل من تحمل مسؤولية صلب الحكومة أو هياكل التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل خلال السنوات العشر الأخيرة ومن يطالب بأن يسري المنع على من تحملوا المسؤولية خلال السنوات ال23 المنقضية قبل أن تميل الكفة الى الاقتراح الثاني، كما نص نفس الفصل (أي الفصل 15) على إقصاء كل من ناشد الرئيس المخلوع للترشح لانتخابات 2014 من حق الترشح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي. وأضاف الفصل أنّه ستحرر في المناشدين المذكورين قائمة تقررها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. «الشروق» بحثت في التفاصيل والجزئيات والتداعيات الممكنة لهذا الفصل في علاقة بالمشهد الانتخابي القادم ومآلات الحياة السياسيّة في تونس خلال مرحلة ما بعد انتخاب المجلس الوطني التأسيسي. مطلب نادت به قطاعات واسعة من الشعب لا بدّ من التذكير في البداية على أنّ مطلب استبعاد التجمّع من العملية السياسية المقبلة هو مطلب نادت به قطاعات واسعة من الشعب وذلك في توجّهات الحرص على تأمين المسار الانتخابي والسياسي القادم والقطع مع سلوكات انتخابيّة طابعها التزييف والتلاعب بإرادة الناخبين خلال العقود الماضية، غير أنّ الوقوف عند محتويات مرسوم القانون الانتخابي الّذي اقترحتهٌ الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وخاصة ما ورد بالفصل 15 منه أي التوجّه نحو إقصاء كل من تحمل مسؤولية صلب الحكومة أو هياكل التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل خلال السنوات ال23 المنقضية وكل من ناشد الرئيس المخلوع للترشح لانتخابات 2014 من حق الترشّح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي، ومثلما عكستهُ بعض المداخلات داخل الهيئة نفسها من ضرورة التدقيق في عبارات ومصطلحات هذا الفصل والاكتفاء بفترة الخمس أو العشر سنوات الأخيرة مع تحديد لطبيعة المسؤوليات داخل الحزب المنحل وضرورة الاكتفاء بإقصاء المورطين قضائيّا في جرائم مختلفة ومثلما عبّر عن ذلك رئيس الهيئة عياض بن عاشور من تخوّف بأن يكون الفصل مطيّة للإقصاء بصبغته تلك . وبالتدقيق في المعطيات الإحصائيّة لهيكلة التجمّع الدستوري الديمقراطي المنحل وفي قائمات المناشدين للرئيس السابق بالترشّح لانتخابات 2014، تُبرز أولى المعطيات أنّ الفصل المذكور بصغته المُصادق عليها من قبل الهيئة «سيستبعدُ» – على الأرجح- ما يُقارب المليون و500 ألف تونسي من حق الترشّح لانتخابات المجلس التأسيسي بما قد يؤدّيه ذلك من تأثيرات على المشهد الانتخابي بأسره ومن إيجاد تضاؤل في الإقبال على الانتخاب وخفض درجة التنافس. 10 آلاف شعبة وجامعة دستوريّة تقول القوانين التي كان يحتكم إليها التجمّع المنحل إنّ للحزب قرابة 10 آلاف شعبة وجامعة دستوريّة مهنيّة أو ترابيّة بالداخل والخارج، وأنّ كلّ شعبة أو جامعة دستوريّة تتألّف وجوبا ما بين 9 إلى 11 مسؤولا يتوزعون على مختلف المهمات والأنشطة الحزبيّة والإداريّة والتنظيميّة، ووفق ما تمّ تأكيده في آخر مؤتمرات التجمّع (مؤتمر التحدّي سنة 2008) فإنّ عدد هؤلاء الّذين تحمّلوا مهمات ضمن هياكل التجمّع حينها يكون في حدود 100 ألف، ولأنّ الفصل 15 من مرسوم القانون الانتخابي المذكور يحدّد فترة ال23 سنة المنقضية بمعنى أنّه يمسحُ جميع مؤتمرات الحزب أي (الإنقاذ 1988 والمثابرة 1993 والامتياز 1998 والطموح 2003 والتحدّي 2008) وباعتبار أنّ الحزب المنحل كان يُعلن باستمرار وفي جميع مؤتمراته القاعديّة والوطنيّة أنّ نسبة التجديد في المسؤوليات لا تقلّ – في غالب الأحيان-عن ال60 %، فإنّه وبعملية حسابيّة فإنّ عدد هؤلاء الّذين سيشملهم الاستبعاد من الحق في الترشّح سيكون في حدود 400 ألف، وإذا أضفنا إليهم أعضاء اللجنة المركزيّة وأعضاء لجان التنسيق وممثلي التجمّع في المجالس المنتخبة (مجلسي النواب والمستشارين والمجالس البلديّة) وأعضاء الحكومة على مدار ال23 سنة المنقضية وهم جميعهم من إطارات وكوادر التجمّع فإنّ التقديرات تذهب لأن يكون عدد «المقصيين»من إطارات التجمّع في حدود نصف مليون تونسي. مناشدات وسجلاّت وفي الجزء الثاني من الفصل 15 من مشروع مرسوم القانون الانتخابي المذكور فإنّه يُتجّه كذلك إلى إقصاء كل من ناشد الرئيس المخلوع للترشح لانتخابات 2014 من حق الترشح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي، وعلى عكس ما يعتقدهُ البعض ومنهم حتّى أعضاء في هيئة تحقيق أهداف الثورة- فإنّ إشكالات كبيرة ستتعرّض لها عملية ضبط قائمات المناشدين للرئيس السابق ومخاطر توسّعها لتشمل مئات الآلاف ممّن أمضوا على بيانات أو بلاغات أو ضمنوا أسماءهم ضمن السجلاّت الخاصة بالمناشدة والتي كانت متواجدة في مختلف المدن والقرى ومختلف الإدارات . وفي هذا الباب ذكرت مصادر مطّلعة ل»الشروق» أنّ هناك العشرات من سجلات المناشدة في قصر قرطاج والمقر المركزي للتجمّع الدستوري المنحل بالعاصمة، ورجّحت مصادر «الشروق» أن يكون بهذه السجلات ما يُناهز المليون إمضاء على نصوص مناشدة الرئيس السابق بالترشّح لانتخابات 2014، وعلى عكس نصي المناشدة الشهيرين (نص ال65 ونص الألف) فإنّ السجلات المذكورة تحمل التوقيعات والإمضاءات والأسماء كاملة إلى جانب أرقام بطاقة التعريف الوطنيّة. وبحسب مطّلعين على مسار التصحيح والقطع مع الماضي فإنّ الهيئة المستقلة للانتخابات لن يكون عملها يسيرا بالمرّة ناهيك إذا ما التجأت إلى عمليات الضبط الدقيق لقائمات الّذين تحمّلوا مسؤوليات في الحزب الحاكم السابق وفي الحكومة على مدار 23 سنة كاملة،هذا إضافة إلى ضبط قائمات مفصّلة في المناشدين للرئيس السابق بالترشّح لانتخابات 2014، وهي مهمّة لن تكون سهلة بالمرّة، كما أنّها ستُبقي الباب مفتوحا أمام مآلات للطعن في الترشحات وحتى في نتائج الانتخابات القادمة على خلفيّة وجود «إدانة» تحمّل مسؤوليّة تجمّعيّة أو «إدانة» المناشدة. تساؤلات وستتّجه الأنظار هذه الأيّام إلى ما سيقرّره الرئيس المؤقّت على وجه الخصوص حول ما تقدّمت به الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة من مقترحات تهم مختلف فصول القانون الانتخابي للمجلس الدستوري، إذ من المعلوم أنّ مصادقة الهيئة المذكورة لا تمنح المرسوم المذكور فاعليّة مباشرة ونهائيّة ومشروعيّة النشر بالرائد الرسمي إلاّ بعد نظر وملاحظات الحكومة وإمضاء الرئيس المؤقّت، فالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وفقا لنص المرسوم عدد 6 لسنة 2011 المؤرخ في 18 فيفري 2011 المتعلق بإحداثها هي هيئة عمومية مستقلة تتعهد بالسهر على دراسة النصوص التشريعية ذات العلاقة بالتنظيم السياسي واقتراح الإصلاحات الكفيلة بتجسيم أهداف الثورة بخصوص المسار الديمقراطي، يعني أنّها تدرس وتقترح دون التشريع والسن النهائي للقوانين، فهل سيُمضي الرئيس المؤقّت على استبعاد مليون و500 ألف تونسي من الحق في الترشّح للانتخابات القادمة أم سيكون له رأي آخر ؟ وكيف ستكون تفاصيل المراجعة والنظر وربّما التعديل أو مزيد الدقيق؟