بصراحة وبكل حزن أقول لا يستحق العرب المصير الذي وصلوا إليه رغم كل المقومات التي تخوّل لهم نهوضا مدويا وموقعا جديرا بالاحترام فتاريخهم ومشاركتهم في الحضارة العالمية بإنجازاتهم في العلوم والرقي ناهيك عن مواقعهم الاستراتيجية وثرواتهم المادية والبشرية ولئن أخفقوا في ذلك فهذا راجع للسياسات البائسة والعقيمة لحكامهم العملاء واللصوص الذين هتكت أقنعتهم فانكشفت عوراتهم وتأكد عجزهم عن تحقيق الأماني القومية والفردية وأفاقت الشعوب من خداع كبير عاشوا فيه عقودا حتى بدأ الانسحاق والتلاشي وكان الضياع والاحساس المرير بأن كل شيء ضاع بلا مقدمات وما يجري اليوم لأقوى دليل وأبلغ برهان. أخطاء تاريخية قاتلة فالعرب هزهم تيار القناعة وهزمتهم نشوة التفوق بما حققوه أيام كانت لهم رجال صناديد فوقفوا على الربوة استعدادا للانحدار وطوّقتهم الغفلة والتهمهم النسيان فسقطوا وشارفوا على الاندثار من كثرة بؤر الانحلال وعدم معالجة الظلمة في تاريخهم خاصة بعدما ارتموا في أحضان أمريكا والغرب المتصهين خدما طيعين مهلّلين تسبقهم أكفهم التي احترفت التصفيق وألسنتهم التي تعوّدت على النفاق وازدواجية الخطاب والمديح المجاني ثم يلقى بهم في سلة المهملات ومستنقعات التاريخ وقد يتفق معي الملايين إذا قلت أن عقلية الحاكم العربي تمثل ظاهرة فريدة من نوعها تستحق الدراسة والتحليل من قبل علماء النفس والاجتماع والسياسة والتاريخ وحتى الأطباء البياطرة ولمَ لا؟ أليس الانسان في النهاية حيوانا ناطقا؟ وكلامي لا يعتبر إساءة أو تقليلا من شأنهم استغفر اللّه فالحكام العرب على قناعة تامة انهم منزلون من السماء ومعصومون من أدنى خطإ اللهم باستثناء إذلال وقمع الشعوب ونهبها وامتصاص دمها لآخر قطرة وهذا ليس خطأ أو انتهاكا أو جريمة كما يظن البعض بل كرما ونعمة وبركة من جانبهم ورغم أن عجائب حكام خير أمة أخرجت إلى الناس وأصبحت بفضل سياساتهم المخجلة والخاطئة أسوأ أمّة تضحك منها الأمم والشعوب قاطبة. فإننا نبحث بفضول دوما عن وجه الشبه من القطب الشمالي حتى القطب الجنوبي بين رئيس أو ملك أو زعيم يمكن مقارنته بأصحاب الفخامة والسعادة والسمو من حكامنا الأشاوس إلا مع شعوبهم فهم على خلاف ونقيض تام لكل ما ألفته الدول والحكومات غير العربية حيث يسيرون دائما عن سوء نية ضد التيار ومصداقيتهم مشبوهة متسترين وراء حصانات زائفة بقوة الحديد والنار بغطرسته وأنانيته لا مثيل لها وغير مسبوقة في تاريخ البشرية. حكم القوي على الضعيف واللافت للنظر أن أغلب الشعوب كانت تمشي وراءها لاهثة كالبهائم نحو مصيرها المجهول ولا أحد يجرؤ ان يسأل راعي القطيع إلى أين؟ لثقتهم العمياء والصماء والخرساء التي لا تشوبها شائبة في حكامها التي تحمّلتهم رغم أنفها لدورات عديدة من الحكم بفضل العبث بالدساتير المقدسة التي أضحت شأنا خاصا بالحكام العرب المتيّمين بالكراسي الوثيرة وفي غياب دولة المؤسسات وتشليك القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان التي صارت لا تقارن حتى بحقوق الحيوان هذا الكائن المحظوظ وعدم تداول السلطة في أغلب أوكل البلاد العربية التي مازالت تعيش حكم الفرد الأوحد ملكا أو رئيسا غير منتخب كلهم يعيشون عصر لويس الخامس عشر والسادس عشر الذي كان يقول: «أنا الدولة». كلهم يتصورون أن الدولة لهم والأمر أمرهم والناس رعاياهم وفكرة المواطنة غائبة كليا عن أذهانهم فالجمهوريات في أوطاننا تحولت إلى ملكية يجثم فيها الحاكم على القلوب لعشرات السنين إلى أن يلقى ربه أو يقع خلعه أو إسقاطه على غرار ما عشناه خلال شهر جانفي من السنة الجارية ومازال مستمرا إلى يوم الناس هذا ثم بعد أن يخلع أو ينتقل إلى جوار خالقه يحرص أن ينتقل الملك إلى ابنه من بعده وفي البلاد العربية أيضا يقاوم الاصلاح كأنه السرطان الخبيث أو السيدا والويل ثم الويل لمن تحدثه نفسه باقتراح الديمقراطية فهي أكبر وأخطر قضية في حين أن الدكتاتورية شر البلية ويتقاتلون حتى لا يحدث التداول على السلطة لتبقى الثروة والنفوذ بأيديهم إلى الأبد ولا تذهب إلى غيرهم فآفة الحكم يكمن خطرها في كارثة الجنون بالسلطة حتى أن عديد الفلاسفة والأدباء شبهوا السلطة بالسطوة لأن التمسك بالحكم وما يأتي به من نعيم ليجعل الحاكم بأمره أثرى الأثرياء وأعظم من الآلهة لا يخرج عن مثلث إبليس ليصبح عنيفا كالثور وجاهلا كالحمار وقاسيا كالشيطان والمصيبة أنه عند التصدي لحاكم فاسد ومستبد يكون جزاء الشعوب الفقر والدمار والتعاسة والجوع الذي قال فيه حكيم «إن الجوع قادر أن يطرد الذئب من الغاب» إلى جانب استقدام مرتزقة وقناصة لاصطياد المواطنين بالحد الأدنى من الكرامة والحرية وحقوق الانسان ولكن ماذا نفعل مع هؤلاء الحكام الذين تنطبق عليهم قولة المفكر هربرت سبنسر: «هناك من الرجال من يخلفون أذنابا ومن العبث أن تجعل منهم رؤوسا والحشرة قد تلسع جوادا أصيلا ولكنها تبقى حشرة والجواد يبقى أصيلا».