غزة.. سقوط شهداء في غارة إسرائيلية على مدرسة    الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار في كنيس بشمال غرب البلاد    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    الاطاحة بمنحرف خطير بجهة المرسى..وهذه التفاصيل..    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    الصحة العالمية.. استهلاك الملح بكثرة يقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    عُثِرَ عليه بالصدفة.. تطورات جديدة في قضية الرجل المفقود منذ حوالي 30 سنة بالجزائر    السلطات الاسبانية ترفض رسوّ سفينة تحمل أسلحة إلى الكيان الصهيوني    عاجل: لأول مرة: تونس تصل المرتبة الثانية ضمن التصنيف الدولي للبيزبول    الديبلوماسي عبد الله العبيدي يعلق على تحفظ تونس خلال القمة العربية    المنستير .. المؤبّد لقاتلة صديقها السابق خنقا    في ملتقى روسي بصالون الفلاحة بصفاقس ...عرض للقدرات الروسية في مجال الصناعات والمعدات الفلاحية    فتحت ضدّه 3 أبحاث تحقيقية .. إيداع المحامي المهدي زقروبة... السجن    دخول مجاني للمتاحف والمواقع الأثرية    رفض وجود جمعيات مرتهنة لقوى خارجية ...قيس سعيّد : سيادة تونس خط أحمر    ارتفاع عجز الميزان الطاقي    دغفوس: متحوّر "فليرت" لا يمثل خطورة    الترفيع في عدد الجماهير المسموح لها بحضور مباراة الترجي والاهلي الى 34 الف مشجعا    جلسة بين وزير الرياضة ورئيس الهيئة التسييرية للنادي الإفريقي    فيفا يدرس السماح بإقامة مباريات البطولات المحلية في الخارج    كلمة وزير الخارجية التونسي نبيل عمار أمام القمة العربية    صفاقس: هدوء يسود معتمدية العامرة البارحة بعد إشتباكات بين مهاجرين غير نظاميين من دول جنوب الصحراء    وزارة الفلاحة توجه نداء هام الفلاحين..    وكالة (وات) في عرض "المتوسط" مع الحرس .. الموج هادر .. المهاجرون بالمئات .. و"الوضع تحت السيطرة" (ريبورتاج)    طقس الليلة    القيروان: إنقاذ طفل إثر سقوطه في بئر عمقها حوالي 18 مترا    تأمين الامتحانات الوطنية محور جلسة عمل بين وزارتي الداخليّة والتربية    تعزيز نسيج الشركات الصغرى والمتوسطة في مجال الطاقات المتجددة يساهم في تسريع تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي قبل موفى 2030    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    توزر: تظاهرة احتفالية تستعرض إبداعات أطفال الكتاتيب في مختتم السنة التربوية للكتاتيب بالجهة    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    صفاقس تستعدّ للدورة 44 لمهرجانها الصيفي    العدل الدولية تنظر في إجراءات إضافية ضد إسرائيل بطلب من جنوب أفريقيا    إمضاء اتّفاقية تعبئة قرض مجمع بالعملة لدى 16 مؤسسة بنكية محلية    كاس تونس - تعيينات حكام مباريات الدور ثمن النهائي    "فيفا" يقترح فرض عقوبات إلزامية ضد العنصرية تشمل خسارة مباريات    جندوبة: وزير الفلاحة يُدشن مشروع تعلية سد بوهرتمة    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    هل سيقاطعون التونسيون أضحية العيد هذه السنة ؟    106 أيام توريد..مخزون تونس من العملة الصعبة    ناجي الجويني يكشف عن التركيبة الجديدة للإدارة الوطنية للتحكيم    سوسة: الإطاحة بوفاق إجرامي تعمّد التهجّم على مقهى بغاية السلب باستعمال أسلحة بيضاء    استشهد 3 فلسطينيين برصاص الجيش الصهيوني في الضفة الغربية..#خبر_عاجل    سيدي بوزيد: انطلاق الدورة 19 من مهرجان السياحة الثقافية والفنون التراثية ببئر الحفي    المعهد الوطني للإحصاء: انخفاض نسبة البطالة إلى حدود 16,2 بالمائة    رئيس الجمهورية يبحث مع رئيس الحكومة سير العمل الحكومي    قيس سعيد يُؤكّد القبض على محام بتهمة المشاركة في وفاق إرهابي وتبييض أموال    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    ظهورالمتحور الجديد لكورونا ''فيلرت '' ما القصة ؟    محمد بوحوش يكتب...أدب الاعتراف؟    الأيام الرومانية بالجم . .ورشات وفنون تشكيلة وندوات فكرية    إصدارات.. الإلحاد في الفكر العربي الإسلامي: نبش في تاريخية التكفير    زلزال بقوة 5.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    بطولة اسبانيا : أتليتيكو يهزم خيتافي ويحسم التأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البشير بن سلامة ل «الشروق»: مجلس المستشارين مضيعة للوقت... والحل في «برلمان» للسلطة الرابعة لمراقبة ومحاسبة الحكومة
نشر في الشروق يوم 16 - 04 - 2011

رجل فكر وثقافة... أشرف باقتدار طيلة ست سنوات على مقاليد وزارة الثقافة في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة... ليكتب للتاريخ صفحات ناصعة في مسيرة هذه الوزارة من خلال انجازات ومشاريع لازالت حديث المثقفين انطلاقا من بيت الحكمة ومرورا بأيام قرطاج المسرحية والمسرح الوطني والفرقة الوطنية للموسيقى ومهرجان الأغنية التونسية...
الأستاذ البشير بن سلامة عاشق اللغة العربية والمدافع بشراسة عن الخصوصية التونسية في الابداع في شتى مجالاته.
ارتبط اسمه بالراحل محمد مزالي حيث كانت مجلة «الفكر» رائدة في مجال احتضان مختلف التجارب الابداعية في الشعر والقصة والنقد قبل ان يجتمعا معا في حكومة عرفت نجاحات وعاشت هزّات... افترقا لكن حبل الود لم ينقطع.
«الشروق» التقت الاستاذ البشير بن سلامة في لحظات مصارحة وكشف لأول مرة البعض من أحداث لازالت عالقة في الذاكرة لرجل بدأ متفائلا سعيدا بثورة 14 جانفي 2011.
مر على اندلاع ثورة 14 جانفي اكثر من شهرين... كوزير أسبق ومتابع للشأن السياسي... ما هي قراءتكم للوضع في تونس اليوم؟
لابد لكل ثورة من فترة يتحسس فيها الشعب خطواته ويتعاطى بهدوء مع ما تعترضه من مشاكل وصعوبات تتعلق بدرجة اولى بالحرية والديمقراطية.
وفي اعتقادي أنه بشيء من الحزم الذي تبديه الحكومة المؤقتة بما للوزير الاول من حنكة سياسية يمكن ان تسير الامور نحو المزيد من الاستقرار حتى موعد انتخاب المجلس التأسيسي لتتضح الامور أكثر وهو ما يمكننا من التأكد والحديث على أن تونس أصبحت تسير على الخط الصحيح المدعم للثورة.
ولابد من التوقف هنا عند بعض المحطات التاريخية التي حفلت بها بلادنا من ذلك دستور 1861 الذي يعدّ أول دستور في العالم العربي والاسلامي ولم يدم العمل به الا ثلاث سنوات فقط على اثر الثورة الشعبية العارمة التي قادها علي بن غذاهم سنة 1864 في مواجهة الظلم والاستبداد بحيث أننا في ذلك الوقت كنا على موعد مع تجربة تنويرية من مشايخ الزيتونة الذين قرروا ان تدخل تونس مرحلة أخرى مع التشبث بالهوية والتعاون في ذات الوقت مع الغرب... كانت لهم مع المصلح خيرالدين رؤية واضحة باصلاحات وانشاء المدرسة الصادقية التي درّست اللغة الفرنسية قبل دخول الحماية الى تونس... وهو ما يعتبر نكسة أولى التي فتحت المجال واسعا لاحتلال البلاد، ثم كان الموعد مع ميلاد دستور جديد بعد الاستقلال لكن ما وقع من فتن وانقسام في الشعب التونسي كان له تأثير كبير على سير الأحداث التي أوصلتنا الى حكم بن علي. وجاءت الثورة التي أنقذتنا من حالة الاحتقان وها نحن ننتظر بتفاؤل ميلاد الدستور الجديد وما سينجر عنه بخصوص السلط الثلاث وأغتنم هذه الفرصة للدعوة عن طريق جريدة الشروق الى تدعيم السلطة الرابعة التي التي أرى لها مكانها البارز والأساسي الى جانب مجلس النواب.
السلطة الرابعة لا تعني الاعلام فقط بل يضاف اليها المثقفون والفنانون... وكل من له علاقة بالشأن الفكري والابداعي بعبارة أخرى أرى أنه لابد من ايجاد سلطة رابعة فاعلة الى جانب السلطات الثلاثة... وبهذه السلطة يتم انتخابها من مختلف هيئات المجتمع المثقف والاتصالي حتى لا تبقى (أي السلطة الرابعة) مجرد لفظة يتغنى بها ولم تجد في أي بلاد العالم مفهوما وضبطا يجسّمها كواقع مسلم به اذ يختلف مفهومها من طرف الى آخر ويغيب مفعولها تارة أو يطفو على السطح تارة أخرى حسب الظروف والملابسات ثم يطبق عليه الخناق الى منظور آخر قد يأتي أو لا يأتي وهكذا عاشت هذه السلطة الرابعة تجري وراء سراب دائم.
كيف تحدّدون مقومات برلمان السلطة الرابعة؟
إن السلطة الرابعة التي أروم إليها من خلال مقترحي تنبثق من الجمعيات الثقافية والمؤسسات والمنظمات الابداعية التي تنتخب برلمان السلطة الرابعة الثقافية والاتصالية ويكون هدف هذا البرلمان مراقبة السلط الثلاث وانتقادها اذا حادت عن الطريق القويم. فالسلطة الرابعة تقوم بدور السلطة المضادة المقررة دستوريا... السلطة الرابعة لابد أن تحل محل مجلس المستشارين الذي أرى فيه مضيعة للوقت واهدار للمال العام بعبارة أخرى برلمان السلطة الرابعة يراقب عمل الحكومة في كل المجالات.
وأرى في هذه النقطة ان ثورة 14 جانفي التي انبنت على القيم الثقافية الحقيقية والتي في رأيي لا تحقق أهدافها الا بتجسيم هذه السلطة الرابعة تتطلب توحيد صفوف المثقفين على أوسع نطاق وتدعوهم الى الاهابة بالسلطة السياسية وبالأحزاب على اختلافها حتى تقرأ حسابا لهذا البعد العملي الضروري لاقامة مجتمع المواطنة البعيد عن كل عنصرية وفئوية والمتمسك بالقيم الكونية التي هي قيم حضارة شعبنا العربية الاسلامية.
٭ إقالتكم من وزارة الثقافة في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة مثلت علامة فارقة في مسيرتكم.. الآن وبعد أكثر من ثلاث وعشرين سنة ماذا بقي في الذاكرة من هذه الاقالة.. أعني هنا الأسباب؟ ومن كان وراءها وكيف تمت خاصة وأن الاجماع قد حصل على نجاحكم في كسب الرهان من خلال انجازات لازالت إلى اليوم حديث الناس؟
إقالتي من وزارة الثقافة كانت ضمن مؤامرة كبرى امتدت على طول ثمانينات القرن الماضي ومرت بعديد المراحل وهي نتيجة الخلافة الآلية التي غذت الفروقات وكانت سببا في احتدام الصراع بين المسؤولين المحيطين بالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.. صراعات كان من نتائجها اهتزازات اجتماعية عنيفة كالخميس الأسود (26 جانفي 1978) وثورة الخبز.. صراعات عديدة استغلها البعض إلى دفع بن علي إلى أعلى مراتب السلطة بأنه منقذ البلاد من حكم بورقيبة الشيخ.. وكان لا بد لكسب هذا الرهان التخلص من كل من هم حول الزعيم والذين يشدون أزره انطلاقا من الوزير الأول ومرورا بكل المسؤولين في الحكومة ووصولا بوسيلة بورقيبة ثم كان الدور على وزراء حكومة مزالي وتتالت الاقالات التي أطلق عليها تندّرا «مسلسل يوم الاثنين» وكانت «التهمة» أو التفسير لهذه الاقالات أن هؤلاء الوزراء يدعمون الاتجاه الاسلامي في تلك الفترة.
لقد فهمت ما كان يحيكه بن علي في الخفاء عندما أصبح يتصيّد كل ما يقع في وزارة الثقافة وخاصة معرض تونس الدولي للكتاب على اعتبار أنني من المنتصرين للتعريب وهو نفس تمشي محمد مزالي الذي حمله بورقيبة عندما استقبله يوم 3 أوت 1986 بأنه وراء الانهيار الاقتصادي الذي تمر به البلاد في تلك الفترة وكان من المفروض أن تتم إقالة رشيد صفر بوصفه وزير الاقتصاد غير أن بورقيبة كان غائبا سياسيا ويصدق كل ما يقال له.. وتوجه بورقيبة في ذلك اللقاء لمحمد مزالي «أنت بالغت في التعريب.. ليتم اتهامه بعد ذلك بكونه أعدّ انقلابا للإطاحة ببورقيبة بالاعتماد على تقرير طبي.. والغريب أن حكاية الأطباء التي اتهم بها مزالي نفذها بن علي.
٭ متى وكيف كان آخر لقاء لكم مع الزعيم الحبيب بورقيبة؟
بعد إقالتي ووفق البروتوكولات كان لا بدّ لي من اللقاء برئيس الدولة لأشكره على إقالتي استقبلني بورقيبة وكان إلى جانبه محمد مزالي وبن علي ومنصور السخيري وكنا جميعا وقوفا.. قلت له أشكركم سيادة الرئيس لأنكم أعطيتموني فرصة لأنفذ مشروعا ثقافيا رائدا وعددت له الانجازات انطلاقا من بيت الحكمة مرورا بالمجلس الأعلى للثقافة الذي تم حله بعد ذلك لتعود له الحياة في السنوات الأخيرة لكن دون فاعلية تذكر ووصولا بأيام قرطاج المسرحية والمسرح الوطني والفرقة الوطنية للموسيقى.. وجاءت المفاجأة من منصور السخيري الذي جذبني بقوة من يدي وهو يقول هذا يكفي.. هذا يكفي.. وسارع بإخراجي من مكتب الرئيس.
٭ من المسائل التي بقيت عالقة في الذاكرة، تشبيهكم في ملامحكم بالزعيم الراحل صالح بن يوسف العدو اللدود للزعيم الحبيب بورقيبة أين الحقيقة في هذه المسألة؟
هذا صحيح حيث قال لمحمد مزالي عندما اتخذ قرار إقالتي «وزير الثقافة هذا الذي يشبه صالح بن يوسف عليه أن يغادر الوزارة» وللتاريخ أقول إن محمد مزالي لم يكن يعلم بهذا الموقف مني إلا عند قرار إقالتي حيث كان يتم تداول هذا الرأي في القصر بعيدا عنه.
ورغم إقالتي من الوزارة حافظت على مكاني كعضو في الديوان السياسي للحزب لكن في مؤتمر 1986 وعلى غير العادة فإن قائمة اللجنة المركزية للحزب جاءت من الرئاسة مباشرة في الوقت الذي انتظر فيه الجميع إجراء انتخاب الأعضاء في اليوم الأخير للمؤتمر.
شهدت هذه القائمة المعينة إقصاء كل الدستوريين القريبين من محمد مزالي بدرحة أولى.
٭ عرفت الساحة السياسية في الأيام الأخيرة حراكا كبيرا محوره الأساسي الزعيم الحبيب بورقيبة الذي تم احياء الذكرى 11 لرحيله يوم 6 أفريل الجاري ما هو تفسيركم لهذه العودة إلى البورقيبية إن صحّ التعبير ومثل هذا الحماس؟
قبل الجواب عن هذا السؤال الوجيه لا بدّ من تحديد معنى البورقيبية فهناك فهم خاطئ لهذه التعبيرية حيث يعتقد الكثيرون أن مشروع بورقيبة مشروع خاص به.. والحقيقة أنه مشروع النخبة المثقفة والدستوريين كلهم الذين ورثوا كل الزخم السياسي والفكري والثقافي والحضاري الذي تم منذ الدستور الأول حيث لم يكن هناك انقطاع، فالحركة التحريرية ومشروع الحداثة بدأ مع خير الدين والزياتنة الحداثيين الذين اختاروا التعاون مع الغرب وكان بورقيبة ضمن هذا الزخم الحضاري، فعند تأسيس الحزب الجديد كانت تونس تزخر بحركة ثقافية جبارة من خلال الطاهر الحداد والشابي وكان بورقيبة يمثل الجانب السياسي في هذه الحركة التحديثية.
الشابي غيّر اللغة الشعرية في محتواها فقد أصبح يتحدث عن الفلسفة اليونانية والحداد خرج من التصور المحافظ في النظرة الاجتماعية للعمّال والمرأة وما تم كان نتيجة للحركة الاصلاحية وبرزت شخصية بورقيبة في هذا الزخم بالذكاء والجرأة واعتماده اللغة العربية المبسطة والعامية في خطبه لتقديم وتفسير مفاهيم الحداثة لكافة مكونات المجتمع التونسي في الوقت الذي كان فيه الزعماء عبد العزيز الثعالبي وعلي البلهون وصالح بن يوسف يعتمدون العربية الفصحى في خطبهم ثم إن لبورقيبة نظرة استشرافية خاصة ربط القضية التونسية بالتيارات العالمية، لقد حرص بورقيبة على تدويل القضية التونسية ولهذا لم يتسن لبورقيبة تطبيق هذا المشروع إلا بوجود نخبة من الدستوريين الذين آمنوا بالبورقيبية.
وفي المقابل نجد أن بن علي الذي راهن على الشباب الذي يزاول التعليم ليكون من الشباب الخنوع غير المتكون ثقافيا همه الوحيد تصريف الأمور اليومية والشغل بأي صورة من الصور لكنه لم يفطن ونحن أيضا لم نفطن أيضا أن الشباب الذي نسمعه في القنوات التلفزية هم من فئة الشباب غير القادر على التعبير غير أن الواقع يؤكد أن المشروع التعليمي التربوي الثقافي الذي بدأ مع الاستقلال تغلغل في النفوس وما طرأ من الناحية التكنولوجية جعل هذا الشباب في مجمله أكثر نضجا ينشد الحرية والديمقراطية فكان أن فجّر الثورة ليسمو إلى ما هو أرقى. ومن هذا المنطلق يمكن القول إن هذا الشباب مرتبط بالحركة الحداثية منذ زمن طويل وأحس بالتالي أن المشروع البورقيبي هو مشروعه فاختار العودة إليه.
إنه حرمان من لغة معينة وحرمان من تمشي حداثي وثقافي معيّن وهو ما وجدوه في مسيرة بورقيبة فعادوا إليه.
٭ عديدة هي الانجازات التي ميزت فترة اشرافكم على وزارة الثقافة وهذه حقيقة لا مجال لدحضها كيف تحدّد هذه الانجازات؟
هناك مشروع أصبح من الضروري العودة إليه وهو مشروع ولد في ثمانينات القرن الماضي ولم يكن من استنباطي وحدي بل كان نتيجة عمل لجان عديدة ضمّت أكثر من 300 شخصية ثقافية في جميع صنوف الابداع، المشروع يتمثل في إعادة الحياة ل:
صندوق التنمية الثقافية.
صندوق التشجيع السينمائي.
المجلس الأعلى للثقافة.
المسرح الوطني الذي جعله بن علي خاويا على عروشه بعد أن كان خلية عمل لكل المسرحيين.
بيت الحكمة التي تمّ تجميد مجلسها العلمي.
التعريف بالانتاج الابداعي التونسي خارج الحدود.
وأذكر في هذا المجال وبألم ظاهر، وهذا السر أكشفه لأول مرة، انه عند اشرافي على مقاليد وزارة الثقافة وفي إطار العمل على اشعاع الثقافة التونسية خارج الحدود أمضيت اتفاقية مع الرئيس جاك شيراك بوصفه رئيس بلدية باريس في تلك الفترة لتحويل معلم على صورة قصر بارد والى مركز ثقافي تونسي في فرنسا، وتمّ ترميمه بقيمة 100 ألف دينار ليكون تحفة معمارية وثقافية متميزة لكن في عام 1990 تمّ إحراق هذا المركز ولم تقم الحكومة التونسية بأي جهد لمعرفة أسباب ذلك ومن وراء هذه العملية الدنيئة. وإني أطالب عن طريق جريدة «الشروق» بفتح تحقيق لمعرفة ظروف وملابسات حرق هذا المركز.
وبالنسبة الى الملحقين الثقافيين عملت بالتعاون مع سي الباجي قايد السبسي بوصفه وزيرا للخارجية في تلك الفترة على أن يتم تعيين الملحق الثقافي من قبل وزارة الثقافة بشرط أن يكون ملما بكل ما له علاقة بالشأن الابداعي في مختلف المجالات الثقافية.
السيد عز الدين باش شاوش وزير الثقافة الحالي كان ضمن إطارات الوزارة في فترة إشرافكم عليها.. ألم يحدث أن التقيتم به بعد الثورة؟
هنّأته يوم التعيين من خلال اتصال هاتفي به.. وقال لي انه سيتصل بي لاحقا وهذا لم يحدث الى حدّ الآن.
في اعتقادكم ما هو المطلوب ثقافيا اليوم على المستويين الآجل والعاجل؟
لا يمكن على الانسان أن يملي أي شيء لأنني من المؤمنين بأن وزارة الثقافة لا تصنع الثقافة، عليها أن لا تتدخل في العمل الابداعي بل دورها يكمن في تهيئة الأجواء وسنّ القوانين للدعم خاصة في ما يتعلق باقتصاد الثقافة والاعتناء بالصناعات الثقافية، لقد تمّ تأسيس مشروع المؤسسة الثقافية التي تحتضن الابداع وتتبناه على طريقة الأحباس غير أن هذا المشروع تمّ وأده، ثم من المشاريع التي أجهضت مشروع تعليمي يجمع وزارتي التربية والثقافة وذلك لغاية التدرب على العمل الثقافي كما كانت النية مع مؤسسة الاذاعة والتلفزة.
إنجاز أعمال تلفزية تقدم الرواد التونسيين في مختلف المجالات فلم ينجز منها إلا مسلسل خميس ترنان.
الانسان غير معصوم من الأخطاء.. هل هناك أخطاء في فترة إشرافكم على وزارة الثقافة تودون الاعتراف بها الآن؟
في الواقع إن وزارة الثقافة مرتبطة بكل ما هو شأن سياسي وما أؤكد عليه أنه طيلة إشرافي على وزارة الثقافة لم أخطئ في حق المثقفين لكني في المقابل أخطأت بكوني لم أول العمل السياسي كل ما يستحق من عناية واهتمام.. كلمتي لم تكن ذات وزن كبير على اعتبار أن ركائز وزارة الثقافة لم تكن قوية.
كيف كانت علاقتكم بنظام الرئيس المخلوع بن علي؟
في البداية كانت هناك اتصالات لكني اخترت التنصّل منها، رغم أنه كان بإمكاني الحصول على منصب وزير على رأس احدى وزارات السيادة غير أنني اخترت الابتعاد عن الأضواء والاهتمام بكل ما له علاقة بالابداع الثقافي والأدبي.
الرباعية عمل ميّز مسيرتكم كمبدع روائي كيف تقدمون هذا الأثر؟
صدرت الرباعية عن دار «الشروق» في مصر وقد أنهيتها سنة 1998 وكان في اعتقاد الكثيرين أن عائشة هي بيضة الديك لكن ما لا يعرفه هؤلاء الكثيرون أن الرباعية بدأتها منذ ستينات القرن الماضي وهي عائشة عادل علي الناصر وأرفقت ذلك ب«اللاهون» وكانت بدايته باللهو الصفر وألحقت بمسرحية المتمرد.
كثر الحديث في فترة توليكم وزارة الثقافة عن النية في تحويل رواية «عائشة» الى السينما غير أن هذا المشروع سرعان ما أجهض؟
أنا لم أرشح رواية «عائشة» للسينما غاية ما في الأمر أن عبد الكريم بن عبد اللّه عرض عليّ وأنا وزير للثقافة تحويل هذه الرواية الى السينما فرفضت ذلك رفضا شديدا وكان أن بلغ الخبر وسيلة بورقيبة التي بعثت لي بتحذير عن طريق مزالي بأنه عليّ أن «أردّ بالي».
وأضيف بالنسبة الى رواية عائشة فقد صدرت في 3 طبعات وكانت تدرس في التعليم الثانوي (قسم المطالعة) وبعد 1987 صدر منشور أو قل صدرت تعليمات بحذف هذه الرواية من قسم المطالعة على اعتبار أن فيها الكثير من الجنس وهي بالتالي لا تليق بالتلاميذ، ثم جاء محمد الشرفي الذي أصدر بوصفه وزيرا للتربية تعليمات بحذف نصوصي الى جانب نصوص بورقيبة ومحمد مزالي وجعفر ماجد من الكتب المدرسية بتهمة التوغل والمبالغة في الأصالة العربية.
مثلت مجلة «الفكر» محطة هامة في المدونة الأدبية والفكرية التونسية.. لكن يبدو أنها كانت احدى ضحايا الشأن السياسي؟
بالنسبة الى محمد مزالي كان يجمعني به طموح بتحويل مجلة الفكر الى مؤسسة للنشر.. تنشر للمبدعين وتعمل وفق ما هو معمول به ومتعارف عليه بالنسبة الى الشركات في كل ما له علاقة بالتسويق والاشهار.. كان مطمحنا ثقافيا إبداعيا ولم نفكّر مطلقا في السلطة التي لم تكن غاية أساسية في حياة محمد مزالي.
حافظتم على الود مع محمد مزالي.. وهذا يدخل في إطار الوفاء لرفيق الدرب.. أليس كذلك؟
لم تنقطع صلتي بمزالي وعندما استعدت جواز سفري عام 1988 سافرت الى باريس لألتقيه هناك سيدخل بعد ذلك في صراع مع بن علي.. وعندما عاد الى تونس أصبحت ملازما له يوميا حيث كنا نتحول معا الى نادي زرياب للموسيقى العربية للاستمتاع بالروائع الموسيقية حتى مرضه ثم رحيله الى دار الخلد.. رحمه اللّه.
أجرى الحوار: عبد الرحمان الناصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.