جمال اللجمي... أحد أبرز العازفين على آلة الكمنجة بفرقة الموسيقى بإذاعة صفاقس الجهوية... يرى فيه النقاد والملاحظون (عبود عبد العال) تونس في التعاطي مع هذه الآلة.. في رصيده مسيرة إبداعية متميّزة جعلت منه مبدعا متفردا ملحنا وعازفا... هذا اللقاء معه لعبت فيه الصدفة دورا كبيرا... فالرجل رئيس مصلحة الموسيقى وقائد لفرقة إذاعة صفاقس الموسيقية منذ 2003 بعد بلوغ رئيسها السابق الفنان محمد ادريس سن التقاعد القانوني... غير ان جمال اللجمي اختار التخلّي عن المنصب والانتقال الى العاصمة.. ومن هنا كانت الصدفة التي وضعتني أمام هذا المبدع أمام مقر مؤسسة الإذاعة التونسية لأسأل عن سرّ وجوده في العاصمة... ابتسم ليقول لي انها قصة طويلة... فكان هذا الحوار: التقاه عبد الرحمان الناصر ٭ غادرت فرقة إذاعة صفاقس للموسيقى منذ 2007 للاستقرار بالعاصمة اي سرّ في ذلك؟ استقراري في العاصمة ضمن عناصر الفرقة الموسيقية للإذاعة الوطنية كان عن قناعة وهو اختيار مني لانعدام ظروف العمل الفني في إذاعة صفاقس بدرجة أولى. ٭ هذا اختيار مشوب بالمرارة؟ نعم... مؤلم جدّا الوضع الذي آلت اليه الفرقة الموسيقية بإذاعة صفاقس الجهوية التي تعاني من التهميش والتجميد منذ 2006 إثر القرار القاضي بإيقاف الانتاج الموسيقي بالاذاعة... قرار أرى فيه تعسّفا على كل الطاقات الابداعية في المجال الموسيقي بالإذاعة... فكان التشتت والتلاشي.. يؤلمني وضع الفرقة الموسيقية في إذاعة صفاقس التي كانت تعجّ، بالنشاط والفعل الموسيقي الجاد.. فكان أن تشتتت عناصرها. ٭ فررت بجلدك كما يقال؟ ليس الأمر كذلك.. لقد بقيت سنة كاملة أتجرّع بمعية عناصر فرقة الموسيقى بإذاعة صفاقس مرارة التهميش... لأقرر بعد ذلك الانتقال الى الإذاعة الوطنية لعلّي أحقق البعض مما كنت أحلم به... لكن حصلت المفاجأة بأن الوضع الموسيقي في الإذاعة الوطنية لا يختلف كثيرا عمّا عرفته وعشته في صفاقس. ٭ كيف ذلك؟ لا أخفي سرّا إذا قلت إنني تركت فرقة الموسيقى في إذاعة صفاقس برتبة رئيس مصلحة دون شغل... ولما حللت بتونس لاحقتني البطالة الفنية. ٭ هل نفهم من هذا ان الندم يعتصرك حاليا على مغادرة الفرقة الموسيقية بإذاعة صفاقس؟ لا... لست نادما على اختياري الذي تم عن اقتناع مني لكن ما يعتصرني ويؤلمني ويحزّ في نفسي اضمحلال الابداع الموسيقي. الفرقة الموسيقية للإذاعة الوطنية اسم يلامسني بمعنى لا عمل ولا انتاج ولا تسجيل لأعمال جديدة. ٭ في حديثك حنين الى ماض جميل؟ الى حدّ ما... عندما كانت الفرقة الموسيقية بإذاعة صفاقس رائدة في مجالها... كانت عبارة عن خلية نحل لا تهدأ... كانت تعجّ بالمطربين والعازفين والشعراء والملحنين... كان حضورها فاعلا ومؤثرا في مختلف دورات مهرجان الموسيقى بجدية وانضباط وحرفية كل عناصرها. ٭ لو أفتح معك ملف مسيرتك الفنية كيف تقدمها؟ التحقت بفرقة إذاعة صفاقس للموسيقى سنة 1976 كمتعاون حتى سنة 1978 وإبان أحداث 26 جانفي في تلك الفترة تم طردنا من الإذاعة على خلفية اللجوء الى الاتحاد العام التونسي للشغل لتسوية وضعيتنا المهنية صحبة عدد من العازفين... فتم طردنا لألتحق بفرقة الإذاعة الوطنية للموسيقى حيث قضيت بها 4 سنوات تمت اثرها وبطلب من النقابة عودتي الى إذاعة صفاقس كموسيقي وعازف كمنجة... وفي سنة 1985 أصبحت نائبا لقائد الفرقة الموسيقية الفنان القدير محمد إدريس حتى 1991 التي شهدت تعييني قائدا للفرقة بعد ترقية محمد إدريس رئيسا لمصلحة الموسيقى بالإذاعة. وفي 2003 بعد بلوغه سن التقاعد تحصلت على القرار الرسمي كقائد ومسؤول على مصلحة الموسيقى في الإذاعة... وفي 2006 صدر القرار بالتوقف عن الانتاج الموسيقي... وهو قرار مفاجئ كان له الأثر السلبي على الفرقة التي فقدت بريقها وتوهجها.. لأختار الانتقال الى العاصمة. ٭ أنت قائد وبرتبة رئيس مصلحة في الموسيقى... كملحّن ماذا في رصيدك؟ في رصيدي 25 أغنية للعديد من الأسماء الفنية البارزة. ٭ وهل تعتقد أنه رصيد هام؟ إن العبرة ليست في الكم.... بل في الكيف... فألحاني أعدّها وأستعد لها استعدادا خاصا وتنفيذها يتطلب جهدا وبحثا... فأنا عازف كمنجة بالأساس وهذا يتطلب التعاطي بحرفية واحترام مع هذه الآلة... ويكفيني فخرا أن ألحاني حصلت على جائزتين في دورتين متتاليتين لمهرجان الأغنية بتونس. 1989: «درب الحبّ» نص المهدي خليفة وأداء هادية جويرة. 1990: «فيك يأثّر» نص المهدي خليفة وأداء جمال الشابي. ٭ لمن لحنت من الفنانين؟ لجلّ فناني صفاقس بدرجة أولى. ٭ وهل يمكن القول انك اخترت التفرّغ نهائيا لاختصاصك وهو العزف والتوقف عن التلحين؟ توقفي او إن شئت انقطاعي عن التلحين سببه الرئيسي غياب النصوص التي تستحق تخصيص جهد خاص لتقديمها على أحلى صورة للمتلقي... غابت النصوص الجيّدة التي تفرض نفسها على الملحن فيعطيها من روحه ومهجته الكثير.. ٭ جاءت الثورة.. فهل سيتغيّر الحال في المجال الموسيقي؟ هذا ما أتمناه... ميلاد جيل فني جديد: شعراء وملحنين ومطربين. ٭ الراب... طرح نفسه موسيقى ثورية؟ الراب... ذوق لا علاقة له بالابداع.. الراب قاد الموسيقى الى الهاوية.. لا أصالة... إنه استهتار بالابداع وهمّش دور العازفين في عملية الانتاج الموسيقي. ٭ وماذا عن أغاني المزود؟ نعم لهذا النمط... لكن لا نريده ان يكون مرجعا أساسيا في الاغنية التونسية. ٭ أعلن مؤخرا عن تأسيس نقابة تونسية للمهن الموسيقية؟ المهم بالنسبة اليّ كعازف وملحن النهوض بالانتاج الموسيقي ودعمه وأن لا تتحول الى فضاء ل «السمسرة». ٭ ماذا بقي في ذاكرتك من أول دورة لأيام قرطاج الموسيقية؟ أدعو الى ضرورة إعادة النظر على أكثر من مستوى في هذه التظاهرة ان كتب لها ان تتواصل وتشريك أهل الاختصاص في كل ما له علاقة بالانتاج والاعداد والتنفيذ والمشاركة. ٭ لمن تدين بمسيرتك الموسيقية؟ هناك 3 أسماء فنية كان لها تأثير ايجابي في نحت مسيرتي الموسيقية... شقيقي الدكتور محمد أنور اللجمي وهو موسيقي حصيف والدكتور محمد خماخم الذي لم يبخل عليّ بكل ما من شأنه دعم معارفي الموسيقية والفنان محمد ادريس الذي كان سندا لي في مسيرتي. ٭ ماهي نسبة الرضا عن النفس كعازف أولا وملحنا ثانيا؟ لا أخفي سرّا اذا قلت إنني تربيت في وسط طربي اصيل وصقل مواهبي وجعلني دقيقا في انتاجي كملحن... وأعترف ان ألما يعتصرني حاليا لأنني لم أقدم ما كنت أتمناه وأحلم به كملحن.. ويكفيني فخرا أنني ساهمت في بروز عدد من الملحنين والعازفين كالحبيب الزوش والمنجي اللجمي والهادي دمق.. ٭ بماذا تريد ان تختم هذا اللقاء؟ أشكر جريدة «الشروق» على هذه الفرصة التي أتيحت لي للتعبير عما يخالج نفسي... وأؤكد أنني لازلت أتعلّم العزف على آلة الكمنجة... فهي بحر لا قرار له ولا أدّعي أنني بلغت مرحلة الكمال في العزف عليها.