٭ بقلم: شعبان الزغلامي (تاجروين) تحت عنوان «تونس.. من دكتاتورية الفرد إلى دكتاتورية الثورة» وهو مقال صحفي بقلم فوزي الديماسي (كاتب)، المنشور بجريدة «الشروق» بتاريخ 26 أفريل 2011 العدد 7254 ص28 مساحة كلمات حرة، وهو مقال مشحون بالتجني على القوى السياسية القومية والإسلامية والماركسية منكرا عنها تاريخها النضالي سواء في عهد ما سمي «بالزعيم الأوحد بورقيبة» نسبة إلى المرحلة البورقيبية كما يحلو للبعض تسميتها محاولين إيهامنا أنها كانت مرحلة ذهبية بالنسبة للشعب التونسي متناسين ما جرى فيها من مآس يندى لها الجبين أو في عهد الدكتاتور الخائن والهارب وهو عهد لم يسبق له مثيل في الفساد والخراب ولا أدري إن كان ذلك جهلا منه بالتاريخ أم أنه قصد الإساءة لهذه التنظيمات السياسية لغاية في نفس يعقوب ونكرانا لدماء الشهداء التي قدمتها فداء للوطن والشعب وقفزا على آلام المساجين ومعاناة عائلاتهم وحرمان العديد من مناضليها من حقهم في العيش الكريم وتشريدهم وتجويعهم ومحاربتهم في لقمة عيشهم. إن المناضلين التونسيين على اختلاف مشاربهم الفكرية والايديولوجية ظلوا يناضلون من أجل الحرية والكرامة كل من موقعه وبالامكانات المتاحة لديه متحدين أجهزة القمع والارهاب سلاحهم إيمانهم بأحقية هذا الشعب العظيم في الحرية والكرامة. إن كنت لا أملك الحق بالحديث نيابة عن الاسلاميين ولا الماركسيين على اختلاف تسمياتهم إلا أنني كقومي أستسمح رفاقي لأقول لك إن كنت تريد فعلا الوقوف على ما قدموه لتونس ولأمتنا العربية من شهداء أبرار أمثال عمر السحيمي والصادق الهيشري وفوزي السنوسي وحسن المباركي ومنور المصباحي وغيرهم كثيرون ومعذرة لمن هم أكرم منا جميعا ولم يتسن لي استحضار أسمائهم كما أحيلك لتتطلع على محاكمة البعثيين في الستينات ولك في المناضل والسجين السياسي الناصر العبيدي مثلا حيا للذكر لا الحصر على ما قدمه القوميون وما عانوه من ظلم وقهر وتشريد ومضايقات لكنهم ظلوا صامدين مدافعين عن أفكارهم ومبادئهم وقيمهم الانسانية النبيلة مؤمنين بقدرهم واثقين بإمكانات شعبهم وأمتهم ولم يتركوا ساحات النضال الوطني والقومي ولو للحظة ما متأقلمين مع الظروف التي مروا بها وتحملوا مسؤولياتهم التاريخية برجولة ورباطة جأش ولم يتباكوا ولم يجهروا بما لحقهم من حيف وجور كما فعل الآخرون على وسائل الاعلام إلى يومنا هذا لأنهم يعتبرون تضحياتهم واجبا وطنيا وقوميا وليس منة مجسدين بذلك ما تربوا عليه بأن: «البعثي أول من يضحي وآخر من يستفيد». ان التجربة البعثية في العراق بسلبياتها وإيجابياتها كغيرها من التجارب الأخرى وجب الوقوف عندها وتحليلها في سياقها التاريخي وإطارها الجغرافي وطنيا وإقليميا وعربيا وعالميا وفقا لمكونات المجتمع العراقي العرقي والديني والعقائدي والطائفي وهي كتجربة لا يمكن بالضرورة اسقاطها على القطر التونسي أو أي قطر عربي آخر لأننا نؤمن بأن لكل قطر خصوصيته وهذا لا يخل بالمرجعية الفكرية للقوميين حيث تظل متكاملة متماسكة مترابطة معبرة عن معاناة الأمة العربية ومشاكلها. أما هوية شعبنا في تونس فهي بلا شك ولا نقاش هوية عربية إسلامية «العروبة جسد روحه الإسلام» لغتنا العربية وديننا الإسلام تاريخنا مشترك وهمومنا مشتركة وأرضنا واحدة موحدة من الماء إلى الماء وثروات العرب للعرب وإن الحدود المصطنعة مآلها الزوال والأمة العربية جسد واحد إذا اشتكى منها عضو تداعت له بقية الأعضاء وهو ما يتجسد الآن على أرض الواقع حيث انطلقت الثورة في تونس فانتشرت في معظم الأقطار الأخرى والباقي آت بإذنه تعالى. إن الشهيد القائد صدام حسن مثال يحتذى في الرجولة والثبات على المبادئ وهو صورة معبرة على شهامة وبطولة الإنسان العربي شأنه شأن أسد الصحراء عمر المختار وتاريخنا العربي يزخر بأمثالهم، لقد تحدى الموت كما تحدى أعداءه وصعد إلى حبل المشنقة شامخا كالطود مرفوع الهامة هاتفا بحياة الأمة العربية مذكرا بقضية فلسطين باعتبارها قضية مركزية موصيا بتحرير الأرض والعرض مكبرا برب الكون مرددا الشهادتين مؤمنا بقدره مستبشرا باستشهاده وظل مفخرة لأعدائه قبل أبناء أمته ودخل التاريخ من بابه الواسع ولم يرض بحياة الذل والخنوع والاستسلام كما هو الشأن لأشباه الرجال من الحكام العرب وعلى رأسهم المخلوع الهارب والخائن لشعبه ووطنه. إن القوميون شأنهم شأن القوى الحية الأخرى لم يخلوا مواقعهم يوما ولم يستسلموا ولم يهادنوا ولم يناشدوا كما ذكرت وما هؤلاء الذين ذكرتهم إلا بيادقة للنظام البائد وقد منحهم تأشيرة العمل القانوني سنة 1988 لسد الطريق أمام القوميين الحقيقيين وفقا لقانون الأحزاب والجمعيات الذي صاغه لإقصاء بقية القوى الحية. رغم ذلك ظل القوميون دوما في طليعة النضال الوطني والقومي وساهموا إلى جانب كل المناضلين الصادقين في الدفاع عن الحقوق الوطنية والقومية وما ثورة الشباب التي نفتخر بها اليوم إلا نتيجة للتراكم النضالي لأبناء تونس عبر التاريخ منذ الاستعمار إلى اليوم والمسيرة متواصلة بعون اللّه دون كلل أو ملل، والصراع الفكري الآن على الساحة التونسية بين القوى الحية ليس بدعة بل هو نتاج طبيعي وضمانة لاستمرار الثورة وفرز منطقي لكي لا يبقى إلا الأجدر فكريا وايديولوجيا وسياسيا بعد أن تتساقط الفقاعات والمتطفلين وسيظل شعبا حرا عزيزا مكرما وتونس وطنا للجميع دون إقصاء أو تهميش مهما اختلفت الآراء واحتد الصراع وتوسع الجدال إلا أن الثورة تبقى أبدا نقيضا للدكتاتورية ولن تتحول بأي حال من الأحوال إلى دكتاتورية.