أصبح من تحصيل الحاصل حدوث مأزق حقيقي في مسار العملية الانتخابيّة المقرّرة يوم 24 جويلية القادم ، أكثر من تأكيد الحكومة أمس على التزامها بجميع تعهداتها حيال مستلزمات العملية الانتخابية لوجيستيّا وماديّا وإداريّا فقد أكّد الناطق الرسمي باسم الحكومة أمس أنّ رئيس الدولة المؤقّت قد أمضى منذ يوم الجمعة 20 ماي الجاري أمر دعوة الناخبين إلى يوم 24 جويلية القادم وهو الأمر الّذي من المنتظر أن يكون صدر أمس في الرائد الرسمي مثلما أكّد ذلك السيّد الطيّب البكوش في تصريحه عقب انتهاء أعمال مجلس الوزراء. الوضعية على النحو الّذي عاشته الساحة الوطنية منذ يوم الأحد الفارط في أعقاب الندوة الصحفية لأعضاء الهيئة الوطنيّة المستقلّة للانتخابات التي تمّ خلالها الإقرار بعجزها –أي عجز الهيئة-عن إتمام مراحل العملية الانتخابية في وقتها المقرّر سلفا أي يوم 24 جويلية واقتراحها تأجيل هذا الموعد إلى يوم 16 أكتوبر 2011 لإتاحة الفرصة لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة وفق ما تقتضيه المعايير والمواصفات الانتخابيّة الدوليّة، أضحت وضعية صعبة جدّا بل ربّما في غاية التعقيد ، إذ من الواضح أنّ هيئة الانتخابات قد رمت بأسلحتها وعبّرت عن حالة من الإحباط حيال القدرة على تجسيد تطلعات الشعب والحكومة وجلّ الأحزاب السياسية في استعادة شرعية الدولة ومختلف هياكلها في أسرع الأوقات وضمان عودة الحياة في البلاد إلى مسارها الطبيعي والمعتاد دون تأخير جديد. مأزق وخياران صدور أمر دعوة الناخبين بصفة رسميّة وضع الهيئة المستقلة للانتخابات –وعموم العملية الانتخابيّة- في ما يُشبه المأزق الحقيقي إذ لم يبق الآن أمام الهيئة المكلّفة بالإشراف على جميع مراحل الانتخابات سوى احتمالين اثنين لا ثالث لهما: أوّلا: العدول عن مقترحها بتأجيل الانتخابات إلى يوم 16 أكتوبر 2011 والانكباب بالسرعة المطلوبة وبالجهد المضاعف من أجل البدء العملي في ترتيب شؤون الانتخابات بما يلزمها من تواريخ ومستلزمات (قائمات انتخابيّة، مكاتب اقتراع، مشرفون على هذه المكاتب ومراقبون وما إلى ذلك ...) وقبل ذلك كلّه الشروع في تركيز الهيئات الجهويّة للهيئة والتي نصّ عليها مرسوم تشكيل الهيئة الوطنيّة المستقلّة للانتخابات. وبإمكان الهيئة في هذا المجال أن تستفيد من تعهدات الدولة بخصوص تأمين جميع مستلزمات الشأن الانتخابي، وفي هذا المجال ذكرت مصادر مطّلعة ل«الشروق» أنّ الحكومة فتحت في البنك المركزي حسابا لفائدة الهيئة ورصدت فيه بصفة أوليّة مبلغ 10 ملايين دينار، مع ما أكّده رئيس الوزراء يوم 19 ماي الجاري لأعضاء الهيئة المستقلة من أنّ كلّ مجهودات وإمكانيات الدولة على ذمة الهيئة دون أيّة عراقيل أو صعوبات من قبيل أجهزة الكمبيوتر (حوالي 1500 جهاز) ووضع طاقات معهد الإحصاء على ذمة الهيئة إضافة إلى المقرات التي تم تخصيصها ووضع حوالي 4 آلاف عون متدرب على الإحصاء وضبط المعطيات الخاصة بالقائمات الانتخابية. إضافة، إلى أنّ أمام الهيئة مجالا واسعا لاستثمار حماسة الناس والأحزاب ومكوّنات المجتمع المدني من أجل تحقيق القدر المطلوب من التأهّب والاستعداد للعمليّة الانتخابيّة. ثانيا: تأكيد عجزها عن القيام بالمهمّة المنوطة بعهدتها وفق ما أفرزه تبرير مسألة اقتراح التأجيل ، وهو ما يُعيد المسار الانتخابي إلى نقطة الصفر أساسا بين يدي الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي من أجل إعادة ترتيب شؤون هذه الهيئة من جديد وإقرار مآلات أخرى ممكنة ربّما بتعميق الوفاق بين كلّ المكوّنات السياسية والمدنيّة وكذلك الحكومة والجهات الإداريّة المعنيّة بالشأن الانتخابي. الوضعية في غاية الدقة وربما نحتاج الآن لمعرفة موقف الهيئة المستقلة للانتخابات نفسها لرصد التفاعلات والمآلات الممكنة في قادم الأيّام. انتظارات وكانت أحزاب سياسيّة ومختصّون في القانون قد أكّدوا على أهميّة انجاز الانتخابات في موعدها المحدّد أي يوم 24 جويلية على اعتبارها –أي الانتخابات- جسّدت حالة وفاقيّة بين كلّ التونسيين والتونسيات وجاء الإعلان عنها ضمن مسار متكامل أنهى العمل بالدستور القديم وفتح الطريق لإجراء انتخابات لمجلس وطني تأسيسي يؤسّس لشرعيّة جديدة للدولة ولمختلف الهياكل التمثيليّة للشعب. وستتجه الأنظار حاليا إلى الرؤية والموقف النهائي للهيئة المستقلة والبحث عن كيفية الخروج من هذا المطب وتجاوز كل الصعوبات.