ثمة ظاهرة جديدة في الموقع الاجتماعي تثير الخوف وأحيانا السخرية والابتسام، وهي ظاهرة التحريم والفتوى وأحيانا التهديد بالنار والويل وحتى الانتقام القريب وإقامة الشريعة في الطريق العام. أغلب من يصدرون هذه الفتاوى يتخفون وراء أسماء وهمية أو حركية، وهم يتدخلون بشكل عاجل وعابر لإطلاق الفتوى أو التهديد ثم ينسحبون فلا يتركون أثرا، ومثال ذلك ما جاء من تعاليق على شاب تونسي وضع على صفحته أغنية قديمة للفنانة وردة الجزائرية، حيث ظهر شخص باسم حركي غريب يحذر من أن الغناء حرام وفتنة، فرد عليه بعض المشاركين بأن ذلك ليس صحيحا، وطالبوه بالحجة فكتب: «نعم غناء المرأة حرام.. نعم المعازف حرام.. استهزؤوا بآيات الله واستحلوا ما حرّم وحاربوا الله ورسوله ولكنكم لا تعجزون.. أسأل الله أن يأخذكم أخذ عزيز مقتدر ويريكم بأسه». والحقيقة أن صاحب هذا التعليق قد جلب لنفسه الكثير من السخرية، والرفض حتى من أشخاص يعرفون على الموقع بتدينهم وبتقاسم المقالات ذات العمق الديني. لكن مثل تلك الحادثة تذكرنا بعدة صفحات ومقالات تنشر على ال«فايس بوك» تسير في اتجاه إصدار الفتاوى الغريبة أو تداول فتاوى من المجتمع الخليجي، فوجدنا من يساند تحريم سياقة السيارات على النساء على غرار ما حدث لامرأة سعودية مؤخرا، أو تحريم سفر المرأة بمفردها. ولم يجد أحد هؤلاء من مبرر لحرمان المرأة من السياقة غير أنها عورة يجب أن تلزم بيتها، وأن السيارة سوف تمكنها من الهرب من البيت والاستسلام للفجور. وفي هذا المجال كتب أحد الزملاء ساخرا: «السعوديون يبيحون قيادة الأمريكيين لهم، ويحرمون على امرأة قيادة السيارة». وفي نفس الظاهرة أيضا، كتبت فتاة جامعية أن شاعرنا الكبير أبا القاسم الشابي قد عانى في زمانه ويلات أمثال هؤلاء المفتين، فاتهموه بالكفر لما قال قصيدته الشهيرة «إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر»، وروت هذه الجامعية كيف أن الشابي عاد إلى أهله حزينا يبكي لأن بعض أيمة ذلك الزمان اعتبروا قصيدته تحديا للقدر وأنه قد كفر بذلك. والغريب أن أحد مصدري فتاوى العصر الحديث في ال«فايس بوك» قد التقف الحوار وأصر أيضا على أن أبا القاسم الشابي قد كفر بذلك المقطع الذي لا يجوز مع القدر لأن القدر هو الله، فجلب لنفسه عاصفة من الانتقادات ومن عبارة «ديقاج» من الصفحة. أما أغرب ما جاء به أحد أدعياء الفتوى فهو مقطع فيديو لتونسيين «شديدي التدين» يتظاهرون في العاصمة البريطانية لندن ويتهمون الشعب التونسي بالكفر لأنه لا يقيم الحدود ويهددونه بالنار، ويقولون للتونسيين أمام الكاميرا: «المرأة التي لا تضع الحجاب منافقة والرجل الذي لا يطلق لحيته منافق». تعاليق كثيرة جاءت ردا على هذا الفيديو ومنها: «لولا الحريات التي تمتعتم بها في المجتمع البريطاني الكافر لهلكتم في السجون، لولا ثورة الشعب التونسي لما أمكن لكم أن تفتحوا أفواهكم أصلا». وعموما، يملك التونسيون على الموقع قدرة غريبة على السخرية من مثل هذه الفتاوى والمواقف، فتم تداول نكت ساخرة مثل ما ذكره أحدهم من أن الإسلاميين سوف يفرضون على أصحاب المقاهي في شهر رمضان استعمال أوراق كارطة يتم فيها تغيير ورقة الموجيرة بصورة امرأة متدينة تلبس نقابا. وهكذا يجد التونسيون طريقا للابتسام على الأقل، في مثل هذه الظروف التي تدفع إلى الاكتئاب.