مهما تعددت الاختلافات...وتشابكت الرؤى وتنوعت الأحكام...يبقى إتحاد الكتاب التونسيين منظمة إبداعية عتيدة شامخة.... لكن ما يبعث على التساؤل هو أي سرّ وراء هذا الصمت في الذكرى الأربعين لتأسيس هذه المنظمة العريقة... ...ذكرى تتزامن مع انبلاج فجر جديد في تاريخ تونس هذه الربوع الجميلة من الوطن العربي الكبير... ...سؤال حارق يطرح نفسه يإلحاح على الكتاب والأدباء والمثقفين الذين لم يحركوا ساكنا للاحتفال بالذكرى الأربعين لانبعاث منظمتهم الأدبية العتيدة وتونس تعيش فرحة الحرية والانعتاق من كل مظاهر الاستبداد والفساد والتخلص الأبدي من نظام حكم جائر ظل جاثما على الصدور أكثر من عشرين سنة. هو سؤال وحيد يبقى جوابه عند أهل الشأن. إعداد : عبد الرحمان الناصر المشرفون على سير دواليب الاتحاد الذي ينتظر كل أعضائه موعدا حاسما في شهر ديسمبر القادم من خلال المؤتمر الانتخابي الذي سيفرز حتما هيئة مديرة جديدة. في منزل الأديب أبو القاسم محمد كرّو صباح السبت الماضي، كان ل «الشروق» لقاء ممتع وثري مع الأديب الكبير أبو القاسم محمد كرّو في منزله وهو أحد أبرز المساهمين والمؤسسين لإتحاد الكتاب التونسيين... كان الرجل كما عهدته في زيارات سابقة بين الكتب والمؤلفات والوثائق النادرة... اعتذر بلطف عن التعليق حول سرّ التناسي أو التغاضي عن الاحتفال بالذكرى الأربعين لتأسيس هذه المنظمة العريقة ليقدم لي مقابل ذلك مجموعة وثائق تكشف وتؤرخ لحظات التأسيس الأولى لإتحاد الكتاب التونسيين مع الالتزام بإعادتها له بعد استغلالها وهو ما تم فعلا... إتحاد الكتاب... وفكرة التأسيس كانت فكرة بعث منظمة تجمع شتات الأدباء والمثقفين التونسيين نابعة عن وزارة الثقافة في تلك الفترة في شخص السيد الشاذلي القليبي الوزير والطاهر قيقة الذي كان يشغل في تلك السنة (1970) منصب مدير لإدارة الآداب بالوزارة. وفي هذا الشأن يقول الأديب الكبير أبو القاسم محمد كرّو في وثيقة ضمنها قصة تأسيس إتحاد الكتاب والتي وردت في كتابه القيّم «أبحاث ومقالات» الصادر عن دار المغرب العربي(2002): «المبادرة لوزارة الثقافة...ومشروع القانون الأساسي أعده الطاهر قيقة...وكان يشغل يومها مديرا لإدارة الآداب بالوزارة...وكان الزمن هو 1970». ....ويواصل الأديب أبو القاسم محمد كرّو في ذات الوثيقة: «وحضر الاجتماع الأول للتأسيس عشرة أشخاص...اعتبروهم فقط المؤسسون بإعتراف الاتحاد نفسه...أما العشرة المؤسسون فهم حسب ترتيب الاتحاد لهم : 1 الشاذلي القليبي 2(م م ) (هذا ما ورد في الوثيقة) 3 الطاهر قيقة 4 محمد العروسي المطوي 5 أبو القاسم محمد كرّو 6 البشير بن سلامة 7 محمد المرزوقي 8 مصطفى الفارسي 9 حسن الزمرلي 10 الحبيب بن الخوجة وما يمكن ملاحظته في هذا الجزء الأول من هذه الوثيقة اقتصار صاحبها ومحررها الأستاذ أبو القاسم محمد كرّو على الاشارة بحرفين(م م) للعضو الثاني والمقصود به الراحل محمد مزالي وفي قراءة لهذا الأمر يتأكد الخلاف المزمن بين الطرفين لأسباب عديدة قد نعود لها في مقال مستقل علما أن مهمة هذه الهيئة كانت إعداد القانون الأساسي. إتحاد كتاب تونس؟ ...ونواصل مع الوثيقة التاريخية التي أمدّنا بها الأديب أبو القاسم كرّو والواردة في كتاب «أبحاث ومقالات» المشار إليه سابقا ونقرأ. « في هذه الجلسة (والمقصود هنا الاجتماع الأول للتأسيس) قرأ الطاهر قيقة مشروع القانون الأساسي المقترح وبعد النقاش حوله قال:« كرّو» في ختام نقاشه «لكي نفهم هذا المشروع ينبغي أن يقرأه الانسان من اليسار إلى اليمين» وفي هذا إشارة إلى أن هذا القانون الأساسي مأخوذ عن القانون الفرنسي.... لذا كان لابد من تونسته من خلال التعاطي بإيجابية مع الخصوصيات التونسية... ولم يكتف الأديب أبو القاسم محمد كرّو بالاعتراض على المشروع بل شمل أيضا الاعتراض على التسمية» إتحاد الكتاب بتونس» وعلى العضوية فيه: «وقد جاء في هذه الوثيقة بخصوص هذه المسألة«وكان اسمه المقترح : إتحاد الكتاب بتونس وهذا يعني حسب صاحب هذه الوثيقة «أن كل مقيم على التراب التونسي مهما كانت جنسيته له الحق أن يكون عضوا عاملا وأيضا عضوا في الهيئة المديرة...» من هذا المنطلق وطبقا لما ورد في الوثيقة كان لابد من إعادة النظر في مشروع القانون الأساسي حيث تم تعيين لجنة ثلاثية لإعداده مكونة من المرحومين محمد المرزوقي ومصطفى الفارسي وأبو القاسم محمد كرّو أمدّ الله في أنفاسه. هيئة وقتية برئاسة مزالي تعددت الاجتماعات في منزل الراحل مصطفى الفارسي ليتم إعداد مشروع القانون وتجدد اللقاء مرة أخرى مع العشرة المؤسسين الذين تم ذكرهم سابقا. ...وحول هذا الأمر نقرأ في الوثيقة: «بعد مصادقتهم على المشروع تأسس الاتحاد بصفة وقتية بأولئك العشرة فقط...ثم تنادى العشرة إلى اجتماع علم تأسيسي حضره ما يزيد قليلا عن الأربعين كاتبا ليس بينهم وزير الثقافة المباشر كما لم يدخل أي هيئة في الاتحاد منذ تأسيسه إلى اليوم (حسب ما أكده الأديب أبو القاسم محمد كرّو في الوثيقة) الأعضاء المؤسسون التالية أسماؤهم: الشاذلي القليبي الطاهر قيقة الحبيب بن الخوجة حسن الزمرلي». ...احتضنت دار الثقافة ابن رشيق الجلسة العامة وتم انتخاب هيئة إدارية وقتية تكونت كما جاء في الوثيقة وكان من بينها: 1 الرئيس (م م) 2 كاهية الرئيس : محمد العروسي المطوي 3 الكتاب العام : مصطفى الفارسي 4 الكاتب العام المساعد: أبو القاسم محمد كرّو 5 أمين المال: البشير بن سلامة 6 أمين مال مساعد: عبد المجيد عطية 7 الحبيب الجنحاني : عضو 8 حسن نصر : عضو 9 الميداني بن صالح : عضو 10 عز الدين المدني : عضو ونلاحظ مرة أخرى اعتماد صاحب الوثيقة الأديب أبو القاسم محمد كرّو الحرفين الأولين من اسم محمد مزالي وفي ذلك تأكيد على الهوة السحيقة التي تفصل بينهما. مارس 1971 : الميلاد الرسمي لئن تم إنتخاب الهيئة المؤقتة لإتحاد الكتاب التونسيين يوم 14 ديسمبر 1970 فإن الميلاد الرسمي والقانوني لهذه المنظمة الأدبية كان يوم 25 مارس 1971 بعد أن بادرت الهيئة الوقتية للإتحاد بالتقدم إلى وزارة الداخلية بطلب الحصول على التأشيرة القانونية التي حصلت عليها يوم 17 مارس 1971 تحت رقم 3990 وصدر ذلك في الرائد الرسمي يوم 25 مارس 1971 تحت عدد 47. ديسمبر 1971: أول هيئة مديرة منتخبة تقرر على ضوء تكوين الهيئة الوقتية لإتحاد الكتاب التونسيين يوم 14 ديسمبر 1970 اعتماد شهر ديسمبر كل عامين موعدا للجلسة العامة وانتخاب هيئة جديدة بداية من 1971: وهو ما تم فعلا حيث كان الموعد يوم 26 ديسمبر 1971 مع انتخاب أول هيئة مديرة لإتحاد الكتاب التونسيين وقد شهدت هذه الهيئة كما جاء في الوثيقة إبعاد أو عدم ترشيح 3 من الهيئة الوقتية. «أما الهيئة المديرة، ديسمبر 1971 فبقيت كماهي إلا ثلاثة منها ثم إبعادهم أو عدم ترشيحهم وهم : الميداني بن صالح عز الدين المدني حسن نصر». ...وقد تكونت الهيئة المديرة الأولى المنتخبة يوم 26 ديسمبر 1971 كما ورد ذلك في وثيقة ثانية أمدّنا بها الأديب أبو القاسم محمد كرّو ويعود تاريخها إلى سنة 1988: محمد مزالي : رئيس محمد العروسي المطوي : نائب رئيس مصطفى الفارسي: أمين عام أبو القاسم محمد كرو: أمين عام مساعد البشير بن سلامة : أمين مال الطيب العنابي : عضو جعفر ماجد : عضو سليمان مصطفى زبيس : عضو الحبيب الجنحاني : عضو عودة بن صالح والمدني وانسحاب كرّو وشهد يوم 23 ديسمبر 1973 انتخاب الهيئة المديرة الثانية لإتحاد الكتاب التونسيين التي حافظ خلالها الراحل محمد مزالي على رئاسة المنظمة مقابل انسحاب كرّو وعودة الميداني بن صالح وعز الدين المدني. «وبخصوص الهيئة المديرة الثانية جاء في الوثيقة التي أمدنا بها الأديب الكبير أبو القاسم كرّو»: ثم جاء موعد ديسمبر 1973 لإنتخاب الهيئة الجديدة وكان المسعدي وزيرا للثقافة...وفرج الشاذلي هو مدير ديوان المسعدي وقد استعمل السيد فرج الشاذلي سلطته على أبي القاسم محمد كرّو المكلف بإدارة الآداب لإبعاده عن الترشح في هيئة الاتحاد الجديدة...وكانت نتيجة هذا الحوار أن سحب كرّو ترشحه من الهيئة الجديدة وبقي خارج الاتحاد الذي هو من مؤسسيه إلى اليوم ولم يعد إليه إلا نصف عودة عام 1987...»