كمال الجندوبي رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات صعد فجأة إلى سطح الأحداث ، مسك بزمام المبادرة شكّل المشهد السياسي الوطني كيفما أراد، وأعاد ترتيب أوراق مختلف الأطراف وأوجد بتوجهاته وقراراته ووجهة نظره معطيات جديدة أسهمت في ارتفاع نسق الأحداث في مختلف المناحي وخاصة في الشأن السياسي. الوضعية التي احتلّها «الجندوبي» جعلتهُ يبدو وكأنّه هو «صاحب القرار الفعلي» في الدولة التونسيّة على الرغم من كونه في لجنة مستقلة. ضرب بقرارات الحكومة المؤقتة عرض الحائط ووقف مُمانعا أمام كلّ الاختيارات والمقترحات والتصوّرات، وأصدر قراره بتأجيل الانتخابات إلى يوم 16 أكتوبر في نفس اليوم الذي صدر فيه أمر دعوة الناخبين للاقتراع يوم 24 جويلية. تلك التطورات بما فيها خاصة من إصرار على التمسّك بقرار «16 أكتوبر» حوّلته إلى ما يُشبه «قائد البلاد» الّذي لا يُردّ له سلطان حتى وإن أدّى ذلك إلى تفكيك حالة الوفاق الوطني وزحزحتها، والحال أنّه لا الجندوبي ولا الحكومة ولا الرئيس المؤقت لهم شرعية خارج شرعية الوفاق الوطني الّتي تشكّلت منذ يوم 3 مارس المنقضي عقب الإعلان عن تعليق العمل بالدستور والاتجاه إلى انتخابات المجلس الوطني التأسيسي. في نزول: الباجي قائد السبسي سيكون الباجي قائد السبسي اليوم في امتحان صعب وستكون كلمته المرتقبة حاسمة إما لتأكيد تراجع شعبيته أو لعودتها للصعود وهو ما سيحسم بدوره فاعلية عمل الحكومة المؤقتة التي أصبحت مصداقيتها مرتهنة بتحديد موعد انتخاب التأسيسي. اضطرب الوزير الأوّل كثيرا عندما أضحى موعد 24 جويلية صعب المنال، وقال في تصريحاته على هامش قمّة الثمانية «نحن لم نؤخّر الانتخابات ...بل سنؤجّلها» وهو ما عكس لدى العديدين حالة الاضطراب الّتي عليها الرجل. الرجل مُطالب اليوم بتحقيق «قفزة نوعية» لاستعادة زمام المبادرة وتحقيق وفاق جديد بين مختلف الأطراف ناهيك وأنّ عدّة أطراف أضحت تُصدر أحكامها المنتقدة لانفراد طرف سياسي بصناعة القرارات الوطنية وليس من أهمّها الآن غير الانتخابات التي ستضمن استعادة الشرعية وتحقيق الانتقال الديمقراطي السليم في البلاد..فهل يستعيد الباجي قائد السبسي في خطابه اليوم المكان الّذي هو به جدير في قيادة قاطرة التوافق والسير بالبلاد نحو انتخابات ديمقراطية ونزيهة ومواعيد جديدة توافقيّة؟.