شهدت الساحة السياسية مؤخرا جدلا واسعا بخصوص التحالفات والاستقطابات ومآلات المسار الإصلاحي والانتقال الديمقراطي، واختلفت الرؤى والتصورات والقراءات وكان لانضمام حزب الطليعة العربي الديمقراطي للقطب الحداثي والديمقراطي أصداء واسعة على المشهد السياسي بحكم تضارب المرجعيات الفكرية لحزب الطليعة «البعثي» واتجاهات مختلف مكونات القطب التي تنحدر في غالبيتها من اليسار الفرنكفوني أساسا. «الشروق» التقت السيّد أحمد الصدّيق أحد مؤسسي حزب الطليعة العربي الديمقراطي وعضو مكتبه السياسي الحالي وبحثت معه الموضوع المشار إليه إلى جانب مواضيع أخرى على صلة بأداء التيار البعثي وخاصة مواقفه حيال الانقسام داخله، وفي ما يلي نص الحديث: ٭ هناك إنتقادات لمشاركتكم في القطب الحداثي الديمقراطي ، كيف تردون؟ فعلا وكما كنا نتوقع في حزب الطليعة العربي الديمقراطي تعرضنا لإنتقادات حادة بل عنيفة بسبب مشاركتنا وإمضائنا لأرضية إعلان المبادئ للقطب الديمقراطي الحداثي وهي ردود فعل حرّكها حرص صادق على الحزب وتوجهه العروبي الوطني وحرّك بعضها الآخر خلفية تشكيكية معادية نفهم أسبابها لتضرر محركيها من قيام هذا القطب بحكم تموقعهم ضمن تحالفات أو حالة إستقطاب تريد الإنفراد بالمشهد الإعلامي والسياسي. ولو فككنا أهم عناصر الخطاب المنتقد لمشاركتنا في هذا القطب لوجدناه كالآتي: ما الذي يجمع حزب الطليعة مع مجاميع الفرنكوفونيين أو كيف تجتمعون على أرضية واحدة مع أحزاب تشمل في مناضليها من نادوا بالتطبيع وصولا إلى الاستنجاد بمحطات تاريخية كان فيها لبعض مكونات القطب مواقف معينة من مسائل اختلفنا فيها معها انتهاء بكون بعض مكونات القطب هي من إمتدادات حزب التجمع المنحل وجوابنا على ذلك وقبل الخوض في التفاصيل المذكورة نقول في حزب الطليعة: 1) إنّ العمل المشترك والأقطاب والجبهات تقتضي أولا الالتقاء على مهام وتصورات مشتركة تثبت ضمن أرضية مكتوبة تناقش ثم تعدل وتنتهي إلى إمضائها من قبل من ينتهي بهم النقاش إلى التوافق حولها وأدنى شروط العمل المشترك هو الحفر في ما هو مشترك في كنف الوضوح وبروح المسؤولية وأكيد أن الأرضية المشتركة التي تلتقي عليها الأحزاب والحركات والمبادرات لا تعبر بالكامل عن الهوية الخاصة والبرنامج الخاص لكل طرف بل ما يجمع بينهم ضمن مرحلة معينة ،وبغرض إنجاز مهمة محددة. ويقيننا أن الأرضية التي قام عليها القطب الحداثي الديمقراطي تمت مناقشته بروية كاملة ولمن لا يعلم هناك من انسحب بعد النقاشات الأولى وهناك من التحق بعد توضح الرؤية وبالنسبة إلى حزب الطليعة وبمعية أكثر من طرف حزبي أو مدني شاركنا في نحت محتوى الأرضية ونحن راضون عن المشترك الذي إنتهينا إليه ونعتبره مرحليا كافيا لخوض الإستحقاق الإنتخابي التأسيسي المقبل ونتمنى أن يكون أطراف القطب ملتزمون به نصا وروحا. 2) إن العمل المشترك يتراوح بين اللقاء أو القطب وصولا إلى التحالف الانتخابي وانتهاء بالجبهة السياسية وكل أنواع الالتقاء والعمل المشترك تفقد مبرراتها بزوال أسباب وجودها وإنقضاء المرحلة التي حتمتها وإنجاز المهام التي أقيمت من أجلها. وما تم إمضاؤه هو إعلان مبادئ لقطب يطمح إلى تطوير النقاش وتعميق التداول بغرض خوض إنتخابات ضمن قائمات موحدة وهو في مرحلته الحالية نعتبره كسبا هاما لكل القوى الديمقراطية التقدمية ولا نرى أنفسنا كعروبيين تقدميين إلا ضمنه في مواجهة استقطاب يسعى للإنفراد بالمشهد الإعلامي والسياسي . 3) حزب الطليعة يؤمن إيمانا عميقا ويحاول ما استطاع تجسيده في الواقع السياسي الراهن بالعمل المشترك مع من يقاسمه قيم الديمقراطية والوطنية والتقدمية والحداثة ويسعى لتعميق العرى النضالية الجماهيرية العميقة على قاعدة الثوابت المبدئية وأخلاقيات العمل السياسي بعيدا عن الإنتهازية المقيتة أو الانغلاق والانعزال ، وهو معني بتقريب وجهات النظر بين الفرقاء على قاعدة القيم المذكورة وإيجاد أرضية تلائم بين الاستحقاق الديمقراطي والمسألة الوطنية ضمن مقاربة تقدمية حداثية ولن ينقاد للسهولة بحثا عن المكاسب السهلة والمواقع المريحة بعنوان النقاء الثوري الكاذب أو الصفاء الإيديولوجي الواهم. 4) أما بالنسبة إلى ما ذكرته في مطلع الجواب عن هذا السؤال بخصوص الفرنكوفونية والتطبيع والمواقف السابقة لأطراف القطب فالجواب موجود ضمن الأرضية التي أمضاها أطراف القطب بعد نقاش طويل وعميق. فهذا القطب مدافع عن الهوية العربية الإسلامية للشعب، معاد للصهيونية مدافع عن السيادة الوطنية مناضل من أجل إقرار الحقوق الاجتماعية صلب الدستور المرتقب وينشد بناء نظام ديمقراطي يكفل إقامة دولة المواطنين الأحرار ورغم كل ما قيل عن أن أحد الأطراف الممضية على أرضية القطب تنتمي للنظام السابق لم يأتنا أحد إلى الآن بأي دليل أو بداية حجة على ذلك وموقف الجميع بهذا الخصوص واضح وهو أن الانتماء للنظام السابق خط أحمر، أما ما زاد عن ذلك فمن رغب في موقف وتصور وخط سياسي يرضي ذاته الحزبية بالكامل فليصدر بيانه الخاص وليتحدث فيه كما يشاء وليعجب مناضليه وذاته. أما المشترك الذي تحتاج بلادنا اليوم أن نجمع حوله أوسع قاعدة ممكنة فهو ما يجمعنا وما يضمن فعلا أن نخوض الاستحقاق الإنتخابي على أساسه لنبني غدا أفضل للتونسيين ولنعطي نموذجا للحراك الثوري في الوطن العربي لدولة المواطنة والحريات المستقلة عن الهيمنة الأجنبية والمنغرسة في هويتها. ٭ هناك واقع تشتت داخل العائلة البعثية في تونس ، كيف تفسّرون ذلك؟ فعلا هناك مع الأسف تشتت للعائلة البعثية في تونس ويرد ذلك لجملة من العوامل التي تراكمت مع الزمن ومنذ فترة ليست بالقصيرة وأولها أن التواجد البعثي في القطر انتظم ضمن أطر متوازية ربما حتمتها ظروف العمل السري بشكل جعل الحالة البعثية موزعة على أكثر من تنظيم وثانيها أن الانقطاعات التي عرفتها التجربة البعثية بفعل القمع والمحاكمات والملاحقات والإقصاء لم تسمح بمراكمة تستفيد منها العائلة البعثية وثالثها أن القائمين على الشأن البعثي ومنذ منتصف الثمانينات حكمهم تجاذب بين تصور نقدي لمجمل التجربة البعثية يعمل على ترسيخ الممارسة الديمقراطية ويسعى إلى العمل العلني الجماهيري ويؤمن باستقلالية القرار الحزبي تنظيميا وسياسيا عن مركز القرار القومي وتوجه ثاني أرثودكسي يرفض العلانية ويؤجل الممارسة الديمقراطية ويجرم الاستقلالية، وبعد 14 جانفي لم يتوفق الخطان إلى اليوم إلى وضع تصور مشترك يستجيب لضرورات المرحلة واستحقاقات الساحة بما يعنيه ذلك من تطوير البنية التنظيمية ووضع منهج للعمل يستوعب أخطاء الماضي ويؤسس للمستقبل. ٭ هل من سبيل لتوحيد التيارات البعثية في تونس؟ توحيد التيارات البعثية مطلب الغالبية الساحقة من المناضلين البعثيين، ومن جهتنا في حزب الطليعة العربي الديمقراطي لا نسعى فقط إلى توحيد البعثيين بل إن مشروعنا يسعى إلى توحيد العائلة القومية على اسس عروبية ديمقراطية تقدمية حداثية ولم ندخر جهدا لذلك وصغنا على الأقل مبادرتين توجهنا بهما إلى قيادة حركة البعث ورغم كل المساعي الملحة والصادقة التي قام بها مناضلو حركة البعث مع قيادتهم لم نتلق إلى اليوم ردا لا مكتوبا ولا شفويا على مبادرتنا بل كانت الأجوبة متصدية لأي مسعى توحيدي تحت تعلات مختلفة لم تقنع أحدا . ومع ذلك فأملنا معقود على جهود كل المناضلين البعثيين وكل القوميين الصادقين لبناء إطار حزبي قومي جامع على أساس الفكرة العربية التقدمية الديمقراطية الحداثية. ٭ من حيث المرجعية وفي ظل الأحداث الإقليمية والدولية وما حدث في العراق سابقا وسوريا حاليا، هل هناك مراجعات حقيقية للمرجعية البعثية خاصة مع تزايد حالات التضييق عليها من قوى عديدة دولية وإقليمية وإيديولوجية كذلك؟ أولا لا يجوز المقارنة بين ما حدث للعراق بالأمس من عدوان واحتلال وتدمير للدولة والمجتمع العراقي واجتثاث نظامه الوطني بموجب اعتداء وجريمة تزعمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد حصار دام 13 سنة وما تلاه من تنصيب حكومة طائفية عميلة امتهنت تقتيل العراقيين وذبحهم وتشريدهم وبين ما يحدث اليوم في سوريا من ثورة تستهدف فرض الديمقراطية وإنهاء حكم لم يقاوم ولم يحرر ولم يحقق الكرامة للسوريين. هذا من ناحية من ناحية أخرى هناك مراجعات جدية وحقيقية سابقة حتى لوقوع الاحتلال في العراق ولكن وجب التنبيه إلى أن المراجعات لا تهم العمق العقائدي والفكري الذي انبنت عليه فلسفة البعث والفكرة الثورية العربية بل تهم التجربة والسياسات التي أعتمدت في ترجمة الفكر ووضع العقيدة موضع التنفيذ. ويمكنني أن أؤكد لك أن أول من دشن المراجعات هو مؤسس البعث نفسه الراحل ميشال عفلق ، أحيلك فقط على الأربع فقرات الأخيرة من آخر خطاب له في 7 أفريل 1989 ولكنه أهمل ولم يلتفت إليه أحد تحدث فيه عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية الحزبية وتغيير مناهج التعبئة الجماهيرية بل قال بوضوح إن سبب الهزائم والنكسات التي عاشتها الأمة العربية هو غياب الديمقراطية ودعا في خطابه إلى ضرورة مراجعة الكثير من المسلمات واعتبر أن الخلاص الحقيقي في اجتماع كل القوى وسماها من يسارية وديمقراطية وقومية وإسلامية لرسم معالم الطريق التي تعيد للعمل الجماهيري ألقه وتمكن المواطن العربي من استرجاع سيادته واعتبر أن القهر والاستبداد والاعتداء على حقوق الإنسان غيب الجماهير وقاد الأمة إلى ما هي علية من وضع مأساوي، مع الأسف الكثير من القوميين لا يزالون إلى اليوم يرفعون الديمقراطية كشعار ويفتقرون إليها في الممارسة.