يمنع تبرئة من ورد اسمه ضمن وشاية ما، من قبل الشعب الدستورية خاصة، أو ذكر في الأبحاث، حتى ولو لم يكن له أي دور في القضية المنشورة. والأدهى والأمر أن الأمر لا يتوقف عند التهم الملفقة في أغلبها ولكن في انعدام الغربلة، فالتعليمات صارمة بأن تلصق أي تهمة بأي شخص ورد اسمه في وشاية ما، وخاصة من قبل تقارير الشعب الدستورية، أو ذكر اسمه في الأبحاث الاولية، حتى ولو كان بريئا براءة الذئب من دم يوسف، وذلك لترهيب كل من تحدثه نفسه بالاعتراض على أي سياسة معينة، ولا يقدر أي عنصر أمني على هذه الغربلة، وبالتالي التبرئة، خوفا من أن يتهم بالتعاطف مع هذه الحركة أو ذلك الاتجاه، فيفقد وظيفته او حريته، وكذلك الشأن مع القضاء الذي تولى النظر في هذه القضايا، حيث شارك بعض القضاة هم أيضا في الجريمة بإصدار أحكام قصوى يعلمون مسبقا ان أصحابها ابرياء، سواء أباع هؤلاء القضاة ضمائرهم، أو لتفادي تهمة التعاطف، وهكذا فإن هذه الدوائر المغلقة من المظالم قد تسببت في سجن وهروب وتشريد عشرات الآلاف من الأبرياء. الخطأ ليس في سلك الأمن، بل في النظام الاستبدادي المتبع ولعلي كنت منذ بداية الثورة من الذين يدافعون عن جدوى تأهيل أسلاك قوات الامن الداخلي لمرحلة جديدة خالية من الضغوطات الخارجية، تعمل في إطار القانون وحقوق الانسان ولفائدة الشعب لا الأشخاص، واستنكرت بشدة الهجمات الشرسة التي تنال من هذا السلك من قبل بعض الصحفيين والحقوقيين الذين جندوا كامل بياناتهم من خلال وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة، للنيل من هيبة سلك الامن، حيث لا تخلو عائلة في البلاد لا ينتسب أحد أفرادها لهذا السلك، كما لم تسلم العائلات الامنية من ظلم النظام لأحد أفرادها، وقد بلغ حتى الى عناصر الامن نفسها، والدلائل عديدة، فإضافة الى الملاحقات القضائية على أساس تعاطفهم مع حركة النهضة، فهناك مئات اطردوا من أعمالهم دون حتى توجيه أي تهم لهم.وما درى هؤلاء الحقوقيون والصحفيون ان الخطأ ليس في عناصر الأمن، ولكن في المنظومة المتبعة، والدواليب الغاشمة التي طحنتهم داخلها، ولا طاقة لهم على تفاديها، وهذا الهم لا ينفرد به الامن التونسي، وانما كل الدول ذات المنحى الاستبدادي، ولكم في الساحة السياسية والأمنية في العالم العربي خير برهان. فرحات الراجحي قد يكون قاضيا شريفا نزيها، لكنه غير مؤهل ليكون وزيرا وكغيري استنكرت فجر الثورة إحالة عدد هائل من المسؤولين في الأمن الى التقاعد دون روية تامة، فبعضهم لم يشارك لا من قريب ولا من بعيد في المظالم التي حصلت، وإنما ضعف حكومة الغنوشي وهرولتها نحو إرضاء بعض النداءات المنفلتة من عقالها، ما جعلها تتصرف بذلك الشكل،وسمحت لوزير الداخلية الأسبق ان يتصرف بلا عقلانية، بإعفاء ذلك العدد الكبير من الاطارات الكبرى من مهامهم، في ظرف حرج بالنسبة للعائلة الأمنية، وفي توقيت قياسي وجيز لا يسمح حتى بدراسة ملف واحد منهم، ليحصل فراغ في الكفاءات سنعاني منه زمنا ليس بالقصير. وفي نظري فإن مثل هذا التصرف من الوزير السابق فرحات الراجحي غير مبرر بالمرة بكل المقاييس، وهو إن كان قاضيا شريفا ناجحا، لكنه غير مؤهل بأن يتحمل مسؤولية وزارة سيادة كالداخلية، التي تتطلب حنكة سياسية في التعامل مع كامل الاطراف،لا تكتسب الا بالممارسة لمدى سنوات طويلة، والمفقودة لدى سي الراجحي، والبرهان على ذلك تصريحاته الأخيرة غير المسؤولة لوسائل الاعلام، حيث مست المؤسسة العسكرية، وأثارت النعرات الجهوية، ونعتت الوزير الاول بما يشينه، والأخطر انها معدومة البراهين. لو أزلنا كل جهاز في الدولة بدا لنا فساده، لأزلنا كل أجهزة الدولة واعتبر البعض ان إزالة إدارة أمن الدولة هو من الأولويات لدى الثورة المباركة، وما دروا ان هذه الإدارة لا تخلو منها دولة في العالم، والعيب ليس فيها ولكن فيما سخرت له، من ظلم سافر وكبت للحريات، فهل إذا أخطأ اي جهاز في الدولة نعمل الى إزالته؟ فلا شك بعد لأي اننا سنزيل كل مؤسسات الدولة لأن أغلبها قد نخرها الفساد. فوظيفة هذه الادارة هي حماية أمن الدولة من أعدائها من الخارج وكذلك من الخونة أبناء جلدتنا، الذين يبيعون ضمائرهم، فيتجسسون على مكتسباتنا لفائدة قوى خارجية، أما الذين يخالفون الحكومة الرأي منا فليسوا بخونة، وإنما هم يقدّمون حلولا أخرى بديلة، تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ، والجرم في ذلك، ولا بد من تصحيح عقارب البوصلة في هذا الشأن. لذا وفي سبيل ميلاد مستقبل افضل، فعلى أسلاك قوات الامن الداخلي ان تعلنها مدوية، بأن هذه الثورة وجب ان تكون الفيصل بين عهد بغيض مضى، وآخر جديد مشرق بالحرية والعدالة الاجتماعية، فلا للظلم ولا للتهميش والاقصاء، فهي أي أسلاك الأمن من الشعب وفي خدمته، وخاصة أن الكل مقتنع بجدوى الاستقرار الأمني، وهو المؤشر الاول لانتفاضة اقتصادية جديدة، الضامنة الوحيدة لتوفير الحياة الكريمة للجميع. لصفاء الأجواء على قوات الأمن الداخلي الاعتذار للشعب التونسي ولصفاء الأجواء بين الشعب وقوات الأمن الداخلي، لا أرى مانعا من أن تقدم الأخيرة اعتذارا لهذا الشعب الذي اصطلى بظلم سلطة غاشمة منحرفة عن كل المبادى والقيم، سلطت من قبل قلة قليلة منهم باعوا ضمائرهم، وتفننوا في التنكيل بالمعارضة إما عن اقتناع مقيت، أو سلبية مخجلة مؤسفة، كما على الشعب ان يعمد الى اعادة الثقة في هذا الجهاز، بمساعدته على ضبط الأمن بالبلاد، ومن اليسير على الحكومة الجديدة بشيء من الصبر والحكمة تعديل بوصلة هذا الجهاز، حتى يعود الى مساره الصحيح في خدمة الشعب الخالد، لا الاشخاص المحكوم عليهم بالزوال حتما. واقناع الجميع بأن أسلاك قوات الأمن الداخلي وإن تأتمر بموجب قوانين وتعليمات، فإنها في الآخر مسؤولة أمام الشعب، مثلما هو شأن الحكومة وليس العكس.