تزداد الاتهامات الموجهة إلى مجموعة الصقور والمتطرفين في حكومة الرئيس الأمريكي جورج بوش بمن فيهم نائب الرئيس ديك تشيني بأنهم يديرون «سياسة ظل» فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية تتناقض مع خط واشنطن الرسمي. وقالت العقيد الساب في سلاح الجو الأمريكي كارين كويتكووسكي «إن ما يقوم به هؤلاء الناس يجعل فضيحة إيران-كونترا (في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق ريغان) تبدو وكأنها من أعمال الهواة غير المحترفين. إنعملية الاختطاف هي أسوأ من فضيحة إيران-كونترا وأسوأ مما حدث في فيتنام.» ويرى مراقبون أن بوش وتشيني يتحدثان بأسلوب متعارض حول السياسة الخارجية. ويشير هؤلاء إلى أنه في الوقت الذي ظهر فيه بوش في مؤتمره الصحفي يوم الثلاثاء الماضي كرجل دولة متخليا عن ميله للتحدث بقسوة عن الولاياتالمتحدة من حيث كونها راغبة في التصرف لوحدها لمجابهة التهديدات في الخارج مؤكدا بدلا من ذلك على الحاجة إلى حلول دولية لمشاكل مثل كوريا الشمالية وإيران وسوريا، قائلا بأنه «ليس كل عمل يتطلب عملا عسكريا. وأن العمل العسكري في الحقيقة هو الملاذ الأخير جدا لنا، فنحن نحاول أن نفرض المبادئ سلميا أو من خلال التحالفات أو الهيئات متعددة الجنسيات» وهو أسلوب وتصريحات تتناقض بشكل صارخ مع كلمات وأسلوب تشيني الذي كان تحدث بفظاظة في العاشر من أكتوبر الماضي أمام مؤسسة هيريتيج اليمينية، عن سياسة خارجية تتسم بالقوة وتتركز على الهجمات العسكرية الاستباقية مع احتقار للمشاورات الدولية أو لموافقة الحلفاء قبل القيام بالعمل، حيث قال «إن القوة والعمل الحاسم يهزم الهجمات قبل أن تستطيع الوصول إلى أرضنا.» مضيفا أنه ينبغي على الولاياتالمتحدة أن لا تعاق من الأممالمتحدة أو أي هيئة دولية أخرى. انقسامات ويتفق مؤيدو ومنتقدو حكومة بوش على أن الملاحظات المتناقضة عن بوش ونائبه تعكس وجهات النظر المتنافسة والانقسامات التي تؤدي إلى الشلل في مجالس كبار المسؤولين الأمريكيين، فهناك المحافظون الذين يحبذون المواقف الهجومية الحازمة بقيادة تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وهناك البراغماتيون الذين يحبذون الدبلوماسية والحلفاء بقيادة وزير الخارجية كولن باول. وتقول كويتكووسكي إن «الرئيس بوش ليس في موقع السيطرة، لقد تم اختطاف هذا البلد» واصفة بذلك كيف أن «مجالات رئيسية (في الحكومة الأمريكية) ذات اهتمام بالنسبة للمحافظين الجدد قد ملئت بهم سياسيا.» وكانت كويتكووسكي التي تقاعدت في وقت سابق من العام الجاري بعد عشرين عاما من الخدمة، خبيرة في شؤون الشرق الأوسط في مكتب وكيل وزارة الدفاع الأمريكي للشؤون السياسية دوغلاس فيث. وتحدثت كويتكووسكي عن «تقويض القيود الدستورية الموضوعة على السلطة التنفيذية واختيار مجموعة كبيرة من أعضاء الكونغرس من خلال الخداع،» وأضافت إنه «من أجل اتخاذ تلك الخطوة الأولى-العراق- كان لا بد من إبلاغ الأكاذيب إلى الكونغرس ليقف معهم.» وقالت إن متابعة قرارات مجلس الأمن القومي غالبا ما تجاوزت «المهنيين في الأجهزة المدنية والمهنيين العسكريين في الخدمة... وكانت تعالج بدلا من ذلك من جانب سياسيين معينين الذين تربطهم علاقات أيديولوجية مشتركة.» وكانت تقارير ذكرت في وقت سابق بأن هذه المجموعة الأيديولوجية التي تعرف باسم «المحافظين الجدد» كانت وراء الهجوم الذي شنته قوات أمريكية على قافلة عراقية في سوريا وأدت إلى مقتل وجرح وأسر جنود ومواطنين سوريين. وقال باتريك لانغ، وهو مسؤول كبير سابق في وكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية «إن الكثيرين في الحكومة (الأمريكية) يعتقدون أن هذا الهجوم كان محاولة من الأيديولوجيين لتدمير التعاون بين الولاياتالمتحدة وسوريا.» وقالت كويتكووسكي إن «هناك شبكة حكومية إضافية تعمل خارج البنى والممارسات الاعتيادية.. إنها شبكة من السياسيين المعينين في مراكز رئيسية يشعرون بأنهم بحاجة إلى اتخاذ إجراء ما لإحداث أمور في الشؤون الخارجية والأمن القومي» وأضافت «إن أشخاصا في البنتاغون وفي وكالة الاستخبارات العسكرية تعرضوا لضغط من أجل تغيير التقييمات والتقارير بصورة مشجعة.» حجر الزاوية غير أن مسؤولين أمريكيين يقولون أنه على الرغم من الاختلاف الظاهر في التعبيرات اللغوية مؤخرا إلا أن بوش وتشيني يظلان متفقين وأن مبدأ الهجمات الاستباقية هو حجر زاوية أساسي للسياسة الخارجية لحكومة بوش بعد خمسين سنة من سياسة الاحتواء التي كانت الأسلوب الأمريكي المعتمد. وقال سين ماكوماك، الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، «إن الكل يعمل معا. وإن الهجمات الاستباقية هي في نهاية المطاف كيفية الرد على التهديدات. إنه (بوش) ونحن (المسؤولين في الحكومة) نؤمن أن أفضل أسلوب لمعالجة الوضع بالنسبة لكوريا الشمالية والعراق هو اسلوب الضغط المتعدد». غير أن العديد من المحللين المستقلين قالوا إنهم لاحظوا تغييرا في أسلوب بوش نحو موقف أكثر ليونة وتصالحا إزاء السياسة الخارجية. وقال لي هاملتون مدير مركز ودرو ويلسون، والرئيس الأسبق للجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الأمريكي، «هناك لهجة أكثر لينا هذا تحول جدير بالملاحظة، فإذا قارنت كلماته بخطابه عن محور الشر أو كلماته حتى قبل ستة اشهر فإن هذا يعتبر تغيرا تماما.» أما راشيل برونسون، مديرة دراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية فقد اعتبرت أن لهجة بوش يوم الثلاثاء الماضي بمثابة اعتراف بأن السياسة الأمريكية في العراق لا تعمل جيدا. وقالت «إن أي تحول في اللهجة من شأنه أن يشير إلى اعتراف من البيت الأبيض بأن الوضع في العراق لا يسير على ما يرام. فوزارة الخارجية الآن في الأعلى والبنتاغون في الأسفل». وفي تصريح منفصل قال الخبير البارز في السياسة الأمريكية تشالميرز جونسون إن المحافظين الجدد في الحكومة الأمريكية قد استولوا في الواقع على السلطة من بوش. واضاف «إن المحافظين الجدد اتبعوا برنامجا تم وضعه في توجيهات التخطيط العسكري لعام 1992، بناء على توجيهات من تشيني عندما كان وزيرا للدفاع (في عهد جورج بوش الأب) يقول أن الدولة العظمى الوحيدة في العالم يجب أن لا تكون حذرة بشأن تأكيد قوتها».