عرف حزب الوحدة الشعبية بعد 14 جانفي هزّات أثّرت على أدائه لكنّه نجح في المحافظة على وجوده في المشهد السياسي. كيف يرى حسين الهمّامي المنسّق العام للحزب الوضع الراهن لحزبه وللوضع العام في البلاد؟ حزب الوحدة الشعبية عرف العديد من الانقسامات والانسحابات وهو اليوم في مأزق ما بعد الثورة ، يجني حصاد تجاربه السابقة التي كانت قريبة للموالاة للنظام السابق ولطبيعة التحوّلات السياسيّة والحزبيّة الجارية، «الشروق» استضافت حسين الهمامي المنسّق العام للحزب للحديث في أكثر من موضوع سياسي وحزبي، في ما يلي نص الحديث: بعض الأحزاب عاشت هزّات داخلية بعد 14 جانفي وحزب الوحدة الشعبية كان واحدا من هذه الأحزاب، كيف تقيّم واقع الحزب اليوم؟ حالة الإرباك كانت عامة في البلاد والأحزاب والمنظمات والدولة لأنّ المفاجأة التي حدثت لم يتوقّعها أحد وتسارع وتيرة الاحتجاج الذي أنتقل من احتجاج اجتماعي إلى احتجاج سياسي بيّنت وأكدّت أن هذه الأحزاب غير قادرة على تأطير الناس والدليل لو كانت هناك قيادة للثورة سواء من حزب أو جبهة أو منظمات لم نكن لنقع في هذا الإرباك لأنّه في هذه الحالة سيكون البديل حاضرا ولتجاوزنا بسرعة المرحلة الانتقالية المربكة جدا والتي أكدّت للشعب التونسي يوما بعد آخر أن انجازاته سرقت وتضحياته وقع الانقلاب عليها . الآن كل شيء مؤقّت في تونس ،الرئاسة والحكومة واللجان الثلاث لكن تونس ليست مؤقتة ووطننا ليس مؤقّتا، نحن مؤقتون أمّا الشعب دائم وبالتالي اليوم نحن مطالبون بإعادة النظر في الكثير من المسائل ونحن في الحزب عرفنا الكثير من التغييرات داخل الحزب من بينها المكتب السياسي .لقد كنّا ضحايا في العهد السّابق والآن يريدون تجريمنا لأنّنا شاركنا في الهامش المتاح المتوفّر والتزوير الذي يتحدّثون عنه نحن كنّا ضحاياه وكان بعض السياسيين يطلبون منّا التوسّط لدى بعض مستشاري الرئيس السّابق للقاء ولا أريد أن أتحدّث على ما قمنا به من أجل الحريات وجوازات السّفر وغير ذلك ،تدّخلنا في أزمات اتحاد الطلبة وفي أكثر من مناسبة كنّا نعمل على التقريب من الفصائل الطلاّبية وكل الاتجاهات الفكرية في المجتمع المدني كانت تشارك في منابر «التقدّم». اليوم الحديث عن المعارضة والموالاة هو تصنيف لا معنى له ولا منطق ،كلّنا موالون للوطن التصنيف السّابق كان من أحزاب وليس من الشّعب ، في الحوض المنجمي كنّا الحزب الوحيد الذي زار الجهة وحاور المعتصمين في الوقت الذي أطردت فيه أحزاب أخرى لأننا لم نكذب وقلنا الحقيقة وبلّغنا كل الحقائق . في وقت ما في الحزب كانت الانخراطات غير منظّمة كان هناك بحث على المواقع والامتيازات وللأسف هذه كانت حالة عامة، اليوم نرى شخصيات تشارك في الثورة بأطروحات راديكالية وكانوا في السّابق يصمتون عندما يضع لهم رئيس شعبة بطاقة انخراط ويدفعونها صامتين وأنا لا أدين هذا السلوك السلبي لكن يجب أن نقتنعوا أن التشّفي والعقاب الجماعي والانتقام كلّ هذه السلوكيات لا تتماشى مع الانتقال الديمقراطي. وضعية الحزب الآن غير مريحة، بعد التحوير على مستوى قيادة الحزب غادر عدد من المناضلين الحزب وهم أحرار في اختياراتهم لكن المبرّرات غير منطقية فكيف ينشر مناضل في الحزب استقالته من الحزب باعتباره حزب موالاة في الوقت الذي كان فيه هذا المناضل عضوا في البرلمان ومستفيدا من هذا الوضع .من حق كل إنسان أن يختار الحزب الذي ينشط فيه لكن كنت أودّ أن يكون النّاس أكثر مصداقية وصدق لأنّ الواقع مهيأ الآن أكثر للعمل السياسي الجاد والجدّي لأن الأحزاب التي كانت تسمّى «بالموالاة» لها تجربة كبير في ممارسة العمل السياسي وفي العمل في الجهات لقد قمنا بواجبنا في الحدود المتاحة ولو أخطأنا مستعدون للمحاسبة، وإذا كان عدد من المناضلين قد غادروا الحزب فإنّ هناك عدد كبير التحق بالحزب وهذا رصيدنا الوحيد بعد أن كنّا نعيش على التمويل العمومي وعجزنا عن إصدار جريدة بعد 30 سنة من الصدور أليست خسارة هذه للذاكرة الإعلامية، أغلقنا 18 مقر بسبب العجز المالي لدينا الكثير من التعهدّات السّابقة ممّا أغرقنا في الديون ومطالبون بدفعها مثل أجور الصحفيين ومقرّنا في تطاوين فيه الآن عائلة ليبية. كيف تقيّم الواقع السياسي اليوم؟ يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا ،كانت هناك ديكتاتورية وقمع وتضييق على الحريات كل هذا كان أمرا واقعا وكل واحد تعامل مع هذا الوضع بطريقته لكن كانت هناك أيضا انجازات .القمع عشناه مع بورقيبة ومع بن علي وهو أقمع أقل من القمع الذي حدث في جنوب افريقيا ومع ذلك وقعت المصالحة والمصارحة والمحاسبة وحقّقوا الانتقال الديمقراطي بيسر. العنصرية كانت وحشية ومع ذلك نجحوا في الانتخابات الديمقراطية وفي التعايش فكانوا مثلا حقيقيا في العالم علينا أن نستفيد منه. نحن حقّقنا انجازات اقتصادية واجتماعية وثقافية، هذا تحقّق بفضل الكفاءات التونسية ولا يمكن أن ننسى هذا ونحن نحتاج إلى مصالحة على أساس المصارحة والمحاسبة وعلى الذين تورّطوا في القمع والسرقة والامتيازات غير المشروعة أن يتحمّلوا مسؤولياتهم. اليوم هناك إرباك سياسي حقيقي وهناك نيّة مبيّتة لتهميش العمل السياسي من خلال كثافة الأحزاب، المال السياسي الذي كان يعمل من أجل بن علي وعصابته أصبح يعمل من أجل بعض الأطراف والعمل على أقناع الشعب بالأمر الواقع يعني لم نخرج من الديكتاتورية. هل من المعقول أن يصل المواطن البسيط إلى إجراء مقارنة بين الوضع الحالي الذي نعيشه وقبل 14 جانفي ؟ هذا له دلالات خطيرة أهمّها أن الفصول الأهمّ من الثورة لم تتحقّق ومازالت الآفاق مخيفة في وضع الانفلات الاجتماعي والأمني، فكل المطالب شرعية ومشروعة لكن كيف وصلنا إلى هذا؟ أعتقد أن الحكومات الثلاث التي شاركت فيها أطراف راديكالية في يوم ما باعت الوعود ونحن لم نبع الوعود لأنّ الواقع الاقتصادي والاجتماعي لا يسمح بنسبة عالية من التشغيل وأي خبير اقتصادي أو مسؤول سياسي لا يمكن أن يعد بشيء في هذا المجال هذا من المفروض أن يقال للشعب التونسي لأنّ الثورة قامت من أجل مبادئ وقيم وضدّ منوال التنمية السّائد والارتباط المفرط بالرأس مال العالمي والدوائر المالية العالمية واتفاقات الشراكة . نحن وقفنا ضدّ اتفاقية الشراكة سنة 1995 لأننا نعتبر أن البعد الحقيقي والاستراتيجي هو البعد المغاربي والبعد العربي ولا بد من التكامل الاقتصادي والاجتماعي وطالبنا بإلغاء الديون أو على الأقل إعادة جدولتها لمساعدة تونس التي قامت بثورة نظيفة . لابد من إعادة هيكلة الأراضي الفلاحية وتفعيل قانون منع تشغيل المتقاعدين لخلق موارد رزق ولكن الحل الجذري في اختيار نمط تنمية حقيقي في خدمة الشّعب ونؤكّد من خلال مرجعيتنا الاشتراكية نحن مع استرجاع الدولة لدورها الاستراتيجي في الاستثمار والتشغيل ومع تحيين دورها التعديلي ولا نطالب لا بالمصادرة ولا بالتأميم ولكن نطالب أن لا يكون القطاع الخاص هو البديل عن القطاع العام وتشجيع القطاع التشاركي وإعادة النّظر في الواقع العقاري للأراضي الفلاحية وفي الثروة السمكية المنهوبة بحماية الشواطئ والمياه الإقليمية للاستفادة من الثورة السمكية وتوفير مواطن شغل ومواطن رزق كل هذه البدائل قدّمناها في المواعيد الانتخابية وفي آخر برنامج قدّمنا 1000 إجابة عن ألف سؤال كل هذا قمنا به في العهد السّابق وكانت النّاس تهرب من مصافحتنا لأننا معارضون واليوم في الانتقال الديمقراطي يريدون أن يحاسبوننا على نضالنا في ظروف سيئة وصعبة. الانتخابات هل ستشاركون فيها في إطار جبهة؟ لم يكن لدينا وهم أنّنا بديل عن كل الأحزاب، لذلك نقول إنّه لا يمكن أن ندخل الانتخابات إلاّ في إطار جبهة وحاولنا قبل 14 جانفي تأسيس جبهات وتحالفات واليوم الجبهة ليست اختيارا بل هي حاجة أكيدة ولا بديل عنها وهذه الجبهة يجب أن تكون واسعة بين من يحملون قواسم مشتركة في التّمسّك بالحداثة وحقوق الإنسان والهويّة العربية الإسلامية والانفتاح على العالم والبعد المغاربي وبين من يريدون بناء مجتمع على قواعد غريبة على المجتمع التونسي ولابد من استشارة الشعب في النمط الاجتماعي الذي يرغب فيه وليس صحيحا أن الشعب التونسي عاجز على الأختيار، الشعب التونسي أكدّ في كل المحطّات الكبرى أنّه يعرف ماذا يريد وهو شعب ذكّي جدّا عندما تتوفّر له القنوات الحقيقية ليعبّر عن رأيه. الآن نحن نعيش بورصة سياسية هناك شراء أصوات وشراء ذمم ونحن ضدّ كل هذا وحزبنا أكتسب أصواتا جديدة على القاعدة النضالية فقط. كيف تنظرون إلى مسألة التمويل العمومي للأحزاب؟ نحن مبدئيا ضدّ التمويل الأجنبي ومع التمويل العمومي على قاعدة سقف محدّد لأنّ الضامن الوحيد لاستقلالية الحزب هو المال العمومي الذي يحاسبك عليه الشّعب ولا يمكن أن نسمح بالارتهان السياسي للأحزاب لحسابات دول أجنبية وكل مال مشبوه هو ضرب للديمقراطية بشكل مباشر . حتى المال الذي كنّا نحصل عليه من الدولة كان خاضعا لدائرة المحاسبات التي نقدّم لها تقريرا سنويا وإذا كان هناك فساد فدائرة المحاسبات قادرة على كشفها وأنا أتساءل لماذا يحاسبون أحزاب حصلت على مبالغ ضئيلة من الدولة ولا يطالبون بمحاسبة الأحزاب التي تملك المليارات ولا نعرف من أين ولا كيف تنفق؟ المؤسسات المؤقتة عليها أن تقوم بدورها في المراقبة وتفعيل القوانين الموجودة لأن وزارة المالية لها مؤسسات وقوانين تضبط عملها ولابد من تطبيق القانون وهنا أفتح قوس لأطالب الحكومة المؤقتة بتطبيق أرقام دقيقة حول الوضع الاقتصادي والمالي بعد ستة أشهر من الثورة حتى نعرف الى أين نسير وعلى ضوء ذلك نضبط برامجنا كأحزاب لتكون برامج عملية وممكنة وواقعية فالتجربة التونسية يبدو أنّها أصبحت تدرس في المخابر الأمريكية والأوروبية التي تقرّر لنا الوصفات السياسية والاقتصادية ! . هل أنت متفائل؟ نعم، أنا متفائل لان الشعب العظيم الذي أطاح بالدكتاتورية هو الوحيد القادر على حماية ثروته وثورته وليس من يدّعون حمايتها ممّن ليست لهم أي علاقة بالثورة.