انطلقت المهرجانات الصيفية في ظاهرها حماس.. وفي باطنها شكاوى وتذمّرات.. صنفان من الفنانين.. صنف اختار الغياب عن طواعية حتى لا نقول إنه مضطر لذلك.. وصنف مازال يتخبّط في دائرة التهميش والتغييب. صوفية صادق، أمينة فاخت، لطيفة العرفاوي، سنية مبارك... أصوات غنائية التي تعتبر من «الحرفاء التقليديين» للمهرجانات الصيفية الدولية والوطنية.. فحضور هذه الأصوات كاد يكون سنويا مع بعض الاستثناءات النادرة.. هذه الاصوات وغيرها اختارت الغياب عن قناعة تامة منها بأن طبيعة المرحلة فرضت عليهم هذا الاختيار.. فلقد تغيّر المشهد الموسيقي التونسي بشكل كبير مع عودة من الباب الكبير للفرق والمجموعات الموسيقية المعروفة بتوجهها الغنائي الملتزم بقضايا الانسان والذي لا يتوافق مع موسيقى التهليل والتمجيد... ولعل من أبرز ميزات ثورة 14 جانفي أنها أعادت الاعتبار لانتاجات ومشارب واتجاهات موسيقية كانت على امتداد سنوات ما قبل الثورة تعاني التهميش وتتخبط في دياجير التعتيم.. أمام «هجوم» كاسح لأسماء رغم انه لا مجال لإنكار ما تتوفر عليه من امكانات فنية فإنها اختارت طريقا بما انه يفرض عليها اليوم «الاختفاء والغياب والاكتفاء بالمتابعة عن بعد.. لقد تغير كل شيء.. وأصبح للذائقة الموسيقية طعم خاص بها.. لذا فالحذر واجب وقد يكون ذلك الى حين. مغيّبون.. رغم أنفهم ولئن انتظر الجمهور التونسي «إنصاف» أصوات عانت الغبن والتهميش على امتداد سنوات خلت.. يبدو ان دار لقمان بقيت على حالها.. فأسماء على سبيل الذكر لا الحصر كالشاذلي الحاجي ومنية البجاوي وشقيقتها حسناء البجاوي وزينة التونسية ووليد الغربي وغيرهم.. أسماء اجتهدت وتقدمت بملفاتها الفنية لكن لم تحصل على ما تريد وما كانت تحلم به وتتمناه.. في هذه المرحلة التي تعيشها الساحة الموسيقية التونسية.. هذه الفئة عاشت وعرفت التغييب.. وهي مازالت تبحث عن منفذ لتقديم انتاجاتها فهل تراها قادرة على تجاوز ما فاتها؟ محظوظون سعيدون صنف ثالث من الفنانين يمكن القول أنهم محظوظون... وقد يكون لطبيعة ما قدموه من انتاج غنائي خير شفيع لهم.. ومن ضمن هذه الفئة إن صحّ التعبير نجد بدرجة أولى محمد الجبالي وحسن الدهماني ونوال غشام ومقداد السهيلي.. أسماء وللتاريخ نقول انها حافظت على توازنها الغنائي.. فهي لم «تتورط» في كل ما له تأثير سلبي على مسيرتهم الغنائية.. لازمت الحياد وبحثت واجتهدت في البحث عن الجديد الذي يثري هذه المسيرة.. ومن أبرز النتائج المحافظة على التواجد في مهرجانات هذه الصائفة التي لها طابع استثنائي ومناخ خاص.. وهي ذات الاسماء التي برزت بإنتاجاتها على امتداد السنوات الماضية بعيدا عن الحسابات الضيّقة. فئة يمكن القول انها تعاملت بذكاء وحنكة فكان ان كسبت الرهان... لتواصل السير بثبات نحو المزيد من النجاحات.